دراسة حديثة تشير إلى فعاليته العالية بالقضاء على الجراثيم.

لطالما كانت الكثير من الوسائل القديمة المُتّبعة فيما يُسمى «الطب الشعبي أو التقليدي» عديمة الفائدة وليس لها أي أساس علمي وطبي رصين، لكن عندما تحكم التجربة ويتكلم العلم في هذه الوسائل فلا بدّ أن نقف معه ونؤيده ونشهد بفعالية هذا التقليد.

بعد انتشار الاستخدام المفرط للمضادات الحيوية القاتلة للجراثيم، تطوَّرت سلالات جرثومية مقاومة لهذه الأدوية، الأمر الذي دفع الباحثين اليوم للبحث في وسائل وأدوات أخرى لقتل الجراثيم ومعالجة الإنتانات وتطوير مضادات جرثومية أكثر فعالية.

تعدّ جراثيم الزوائف الزنجارية (Pseudomonas aeruginosa) من أكثر الجراثيم الانتهازية المسببة للإنتانات البولية والتنفسية في المستشفيات، إضافةً إلى إنتانات الجروح بعد العمليات الجراحية والحروق، وقد تبقى طويلًا حتى تُشفى.

علاوةً على ذلك، من المعروف عن الزوائف مقاومتها لطيف واسع من المضادات الحيوية، هذا ما دفع الباحثين في جامعة الأندلس، القدموس، في طرطوس في سوريا، بإشراف الدكتورة وسام زم، دكتوراه في الكيمياء الغذائية، بالتفكير في طرق وسبل جديدة لعلاج إنتانات هذه الجراثيم، فقد أعادوا -ببحثهم هذا- تقييم الدور العلاجي للعسل السوري الذي استخدمه السكان المحليين كمعقم للجروح والحروق التي أُصيبوا بها منذ زمن طويل.

سير البحث:

أحضر الباحثون أنواع مختلفة من العسل كحبة البركة وأزهار عسل الشوكيات والأنيسون والبلوط والعسل الجبلي والقطن، من مربيي النحل مباشرةً.

وقاموا بعدها بتخفيف تراكيز العسل لتحديد تركيز التثبيط الأصغري (Minimum Inhibitory Concentration) (MIC)، وحصلوا بعدها على تراكيز مختلفة للعسل تتنوع من 50% إلى 0.02%.

قام الباحثون بعزل ذراري من جراثيم الزوائف عن طريق ماسحات من جروح متنوعة تُقدَّم بشكل روتيني إلى قسم الأحياء الدقيقة الطبية في مشفى الأندلس الجامعي (Al Andalus University Hospital).

وقاموا بزرعها على آغار مولار هنتون (Muller Hinton Agar) وهو وسط زرعي انتقائي للجراثيم.

بعد ذلك قاموا بإضافة الجراثيم الموضوعة بمرق زرعي (Broth) إلى العسل بالتراكيز المختلفة في أنابيب خاصة، ووضعوها في الظلام بدرجة حرارة 37 مئوية.

وبعد حضنها ليلة كاملة، قاموا بفحص العينات لتحديد درجة نمو الجراثيم، ومعرفة أقل المحاليل تركيزًا قام بتثبيط نمو الجراثيم وذلك باستخدام جهاز (spectrophotometric) الطيفي.

وقاموا بجدولة نتائجهم التي خَلُصت إلى أن عسل أالشوكيات، وحبة البركة، والأنيسون، والبلوط كانت لديها ضعف فعالية العسل الجبلي والقطن في تثبيط نمو الزوائف الزنجارية في المخبر، وذلك بتركيز 25% و12.5%.

تؤكد هذه الدراسة ما تمّ البحث فيه مُسبقًا في مختلف أنواع العسول من مختلف مناطق وبلدان العالم في فعاليتها كمضاد حيوي، ويرجع ذلك للعديد من الأسباب حسب اعتقاد الباحثين؛ كقدرة العسل الحلولية على الجراثيم، وتخفيض الحموضة، وتوليد بيروكسيد الهيدروجين، والتركيب الكيميائي النباتي للعسل. هذا التعدد في الآليات المضادة للجراثيم قد يمنع المقاومة لها بعكس المضادات الحيوية العادية التي تمتلك آلية واحدة فقط، باستطاعة الجراثيم تطوير مقاومة ضدها.

حديثنا مع الباحثون:

في حديثٍ لـ أنا أصدق العلم مع الدكتورة ريم حرفوش (Rim Harfouch)، طالبة دكتوراه في جامعة دمشق (Damascus University)، قسم الكيمياء الحيوية والأحياء الدقيقة، قالت: «فكرة عزل المكونات الفعّالة واردة طبعًا ورائعة، وفي جعبتنا المزيد من طرق تطبيق النتائج على الحروق والجروح الملوَّثة جرثوميًّا، وهذه الطرق لا تزال قيد البحث على أمل الوصول إلى النتائج قريبًا».

وبعد سؤالنا لها عن فعالية العسل على إنتانات الحروق والجروح عند استخدامه على المرضى، قالت: «من المؤكد أن ما تمّ تطبيقه يندرج تحت مسمى (in vitro) أي اختبارات مخبرية، وهي بحاجة لدراسات (in vivo) على حيوانات تجربة أو على حروق وجروح لمرضى قبل اعتماد تطبيقها بشكل فعلي.

مع ذلك، وكون المركب قيد الدراسة هو العسل وهو مركب طبيعي؛ فمن الممكن تطبيقه كتدعيم للمضادات الحيوية وليس بديلًا عنها في المرحلة الأولى قبل استكمال الدراسات الحيوية الأخرى».

أخبرتنا الدكتورة ريم أن عسل مانوكا (Manuka) الموجود في نيوزيلندا قد تمت الموافقة عليه كأحد الأنواع الطبية، وهذا ما يأمل الباحثون في تطبيقه في سوريا.

من الجدير بالذكر أن أكثر إنتانات الجروح شيوعًا تسببها العنقوديات المذهبة (Staphylococcus aureus)، قالت د. ريم: «قمنا بتجريب عينات العسل نفسها على العنقوديات الذهبية ولاحظنا فعالية متفاوتة ومختلفة قليلًا عن فعالية أنواع العسل على الزوائف، والزوائف هي البداية وليست الجراثيم الوحيدة التي نعمل عليها».

وختمت الدكتورة حديثها معنا بهذه العبارات: «نؤمن بالعلم والبحث العلمي سبيلًا للارتقاء نحو الأفضل وأشجع كل الطلاب والباحثين على البحث العلمي الموجَّه لتنمية المجتمع والإبداع.

أتوجه بالشكر للدكتورة وسام زم المشرفة والمشاركة لي في هذا البحث والطالبتين سلوى بيطار وميري الصايغ على جهودهم المباركة والمتواصلة على مدى أشهر لإنجاز هذا البحث».


  • إعداد: مصطفى بجود
  • تحرير: زيد أبو الرب
  • المصدر
  • التوثيق:
    Wissam Zam, Rim Harfouch, Salwa Bittar, Meray Sayegh, Antibacterial activity of various Syrian honey types against Pseudomonasaueruginosa, published in Research Journal of Pharmacognosy and Phytochemistry, July 2017
    DOI: 10.5958/0975-4385.2017.00013.9