إن أردت وصف السايكوباتي أو المعتل النفسي، ستدرج على الأرجح صفة الذكاء في الوصف. ففي النهاية، ألا يملك الأفراد في مناصب السلطة سواء في مجال السياسة أو الأعمال قدرات رهيبة تسمح لهم بخداع الآخرين بغية النجاح؟

قد تعرف أناسًا يميلون إلى استغلال نقاط الضعف لدى من يعملون عندهم أو الأقارب لصالحهم. قد يكون هذا الشخص رئيسك في العمل الذي يشدد على ضرورة العمل الإضافي دون أجر بسبب صعوبة الظروف. أو قد يكون زوج صديقك المقرب الذي يستخدم بطاقة الائتمان المشتركة دون علم شريكه لشراء أغراض شخصية.

القاسم المشترك في هذه المواقف هو قدرة السايكوباتيين على استخدام أساليب غير تقليدية وناجحة لتحقيق غاياتهم الخبيثة. قد يبدو السايكوباتيين أنهم يفوقون الآخرين ذكاءً، ولكن هل هم أذكياء كما يبدون؟ وفقًا لدراسة أجرتها سالي أولدرباك وفريقها في جامعة أولم هذا العام، يوصف السايكوباتيون بأنهم مخادعون وكاذبون، ما يشير إلى امتلاكهم المهارات الضرورية للتعبير العاطفي. نظرًا إلى طبيعة السايكوباتيين الخبيثة، تشير هذه المهارات إلى امتلاكهم القدرة على خداع الآخرين بادعاء الإخلاص واللطف والتواضع، وبإمكانهم أيضًا تقليد مشاعر الآخرين دون الشعور بها.

هدف فريق البحث الألماني إلى اختبار قدرة السايكوباتيين على تقليد المشاعر بمقارنتهم بالأفراد العاديين حسب ميلهم للكذب -ما يُعد ميزةً أساسية لديهم- ومدى كفاءتهم في استخدام المشاعر أساسًا للخداع. يضيف الفريق: «نتوقع ظهور نتائج تدل على وجود مهارات اجتماعية عاطفية وقدرة ذهنية عالية».

هل السايكوباتيون أذكياء كما يبدون - هل يمتلك السايكوباتيون بالفعل قدرات رهيبة تسمح لهم بخداع الآخرين بغية النجاح - وصف السايكوباتي أو المعتل النفسي

وجدت أولدرباك وفريقها بعد تقييم الأبحاث الحالية دليلًا يدعم احتمال افتقار السايكوباتيين إلى القدرة العقلية على الكذب بسرعة وسهولة، لأنهم لا يمتلكون المهارات الضرورية لاستشعار مشاعر الآخرين وتمييزها. بل قد يفشلون في امتلاك القدرة على استعطاف الضحايا بواسطة تقليد المشاعر. يقترح الفريق أنه من المحتمل أن السايكوباتيين لا يفهمون الفروق في التعبير العاطفي، أو قد لا يعلمون كيف يقنعون الآخرين في أثناء تقليد المشاعر.

إن كانت هذه النتيجة تتعارض مع فكرتك عن ذكاء السايكوباتي المخادع، فتذكر أن بحث الفريق الألماني لا يدعم احتمال افتقار السايكوباتيين إلى الذكاء العاطفي. يقترح بحث سابق أن السايكوباتيين ماهرون للغاية في اقناع الآخرين بما يدّعون. لحل هذا التناقض، قرر فريق البحث في جامعة أولم استبدال مقاييس التقارير الذاتية، واعتماد إجراء الأبحاث مباشرةً على السايكوباتيين في المختبر، ومراقبتهم خلال عملية التعبير والإدراك العاطفي. الميزة الأخرى لهذا البحث دمج مقياس القدرة العقلية، وهذا لم يتحقق سابقًا. شككت أولدرباك وفريقها بمدى ذكاء السايكوباتيين.

استخدم فريق البحث مجموعة تتألف من 316 ذكرًا -دون إناث لاستبعاد عامل الجنس- في السجن، أو المستشفيات النفسية أو ضمن المجتمع، يماثلون السجناء وفقًا للطبقة الاجتماعية. كان متوسط العمر 35 سنة وكان معظم أفراد المجموعة من أصل ألماني. لم يكمل 85% منهم الدراسة بعد المرحلة الثانوية، ومنهم 13% من غير المتعلمين أو من لم يكملوا الدراسة بعد المرحلة الابتدائية. توصل فريق البحث إلى أن معدل الثلث من أفراد المجموعة استوفوا شروط التشخيص.

في المختبر، كلّف فريق البحث المجموعة بسلسلة من المهام على الحاسوب تتضمن إثارة ستة مشاعر أساسية وتفسيرها، وهي: الغضب والاشمئزاز والخوف والسعادة والحزن والدهشة. سجل فريق البحث أفراد المجموعة يعبرون عن سلسلة من المشاعر المحددة مسبقًا، وطلب الفريق من الأفراد أيضًا تقليد تعابير الوجوه في أثناء التعبير عن هذه المشاعر. إضافةً إلى ذلك، نظر الأفراد إلى المرآة في أثناء تقليد المشاعر لرؤية ما يبدون عليه خلال كل تعبير عاطفي.

اختبر فريق البحث قدرة المشاركين على تحديد الوجوه بمطابقة أجزاء من صور الوجوه معًا، ثم أكمل المشاركون مهمة تحديد تعابير الوجه، بتحديد العاطفة الظاهرة بواسطة صورة وجه افتراضية كاملة أو جزئية. استخدم الفريق أيضًا مقياسًا مختصرًا لتقييم القدرات الذهنية اللفظية وغير اللفظية، لاكتشاف دور الذكاء العام في فهم المشاعر والتعبير عنها.

طور فريق البحث عند تقييم النتائج نموذجًا إحصائيًا سمح لهم بمقارنة الرابط بين التعبير العاطفي العام والتقليد بالقدرة الذهنية العامة وتحديد الوجوه والمشاعر. أظهر هذا النموذج ارتباط القدرة الذهنية العامة نسبيًا بالتعبير العاطفي. بالمقابل، ارتبطت القدرة على التعبير عن المشاعر بالقدرة على تحديد الوجوه والمشاعر. بمعنى آخر، كان الأفراد الأذكى في المجموعة أفضل بقليل في تعابير الوجه التي طابقت العاطفة التي طُلب منهم تقليدها، إضافةً إلى مهمة مطابقة العاطفة الظاهرة على الكومبيوتر في أثناء الاختبار. كانت هذه المجموعة أفضل في إظهار العواطف، وأفضل في تحديد الوجوه.

بحث الفريق دور الاعتلال النفسي في هذه العملية. مع أن نتائج السايكوباتيين في التعبير عن المشاعر كانت متدنية، لم يعد هذا الارتباط واضحًا عند وضع القدرات الذهنية العامة في الحسبان. توصل الفريق إلى احتمال أن يكون الأفراد السايكوباتيين أسوأ في التعبير عن العواطف التي لا يشعرون بها، لكن ليس لعجز محدد في قدراتهم، بل لعجز أساسي في القدرة الذهنية العامة.

إذن لماذا يبدو السايكوباتيين أذكياء للغاية؟ يقترح فريق البحث أن المسألة لا تتعلق بالقدرات بل بالحظ. يحاول السايكوباتيون باستمرار خداع الآخرين بواسطة الكذب وبين حين وآخر ينجحون بذلك. لا يضيع الناس العاديين أغلب وقتهم في التظاهر بمشاعر لا يشعرون بها أو في اختبار مدى سيطرتهم على الآخرين. غالبًا، يؤدي تكرار سلوك معين إلى تحسن ممارسة هذا السلوك. إذن، الرابط بين الذكاء والسلوك السايكوباتي هو رابط رياضي ببساطة.

باختصار، يقترح البحث أن أفضل طريقة للتعامل مع السايكوباتي هي تفادي السماح لهم بخداعك. قد يساعدك بعض التفكير النقدي بمعاينة مشاعرهم وحوافزهم الظاهرية. لسوء الحظ، لن يساعدك التفكير النقدي حال امتلاك السايكوباتي السلطة عليك، مثل رئيس العمل. إضافةً إلى ذلك، قد لا يحتمل صديقك المواجهة بشأن الزوج المخادع وبطاقة الائتمان.

مع ذلك، قد تريحك معرفة أنهم ليسوا بالذكاء الذي يبدون عليه. يتطلب الإقناع الحقيقي صدقًا في التعامل مع الأشخاص، ويفقد من يفتقرون إلى هذه القدرة جزءًا مهمًا من حياة قيمة.

اقرأ أيضًا:

السيكوباتيون: انجذاب لبعضهم البعض وترابط غريب

ما الذي يجعل شخصيتك صحية أو غير صحية

ترجمة: قمر بيازيد

تدقيق: أكرم محيي الدين

المصدر