هل تتحدّث الفيروسية؟
هكذا تتواصل الفيروسات كيميائيًا


قبض على العاثيات وهي ترسل رسائل كيميائية.
يستمع الفيروس الغازي للجراثيم عن طريق رسائل أقربائه وعندها يقرر كيفية الهجوم على مضيفيه.

تخطف الفيروسات المدعوة بالفاجيات-phages – البكتيريا، وتستخدمها لإنتاج المزيد من النسخ الفيروسية المماثلة لها، واكتشف الباحثون الآن أنها تستطيع التواصل فيما بينها أيضًا، فتستشعر الفيروسات الإشارات الكيميائية التي يتركها أسلافهم لهم، حتى تُقرر أتقتل مضيفها أم تعديهم فقط.

هذا الأكتشاف الحاصل لدى الفيروسات التي تهاجم البكتيريا العصوية (Bacillus)، يعتبر الأول على الإطلاق الذي يُعثر فيه على نظام تواصل فيروسي من أي نوع كان، ولكن يقول الباحثون أن العديد من الفيروسات الأخرى قادرة على التواصل مع بعضها البعض من خلال لغاتها الجزيئية الخاصة بها؛ ولربما الفيروسات المسئولة عن أمراض البشر أيضًا، وإن كانت هذه هي الحالة، فربما يكون العلماء قد وجدوا طريقة جديدة لتعطيل الهجوم الفيروسي.

اًكتِشف الرمز الفيروسي السري من قبل فريق يقوده Rotem Sorek، وهو اختصاصي في الوراثيات الميكروبية في معهد ويزمان للعلوم- Weizmann Institute of Science – في روهوفوت، اسرائيل، وقد نُشرت نتائجهم في دورية Nature في الثامن عشر من كانون الثاني-January ، »سيكون ذلك أحد تلك التقارير التحويلية» تقول اختصاصية الميكروبيولوجياMartha Clokie، التي تدرس الفيروسات المعدية للبكتيريا (الفاجات) في جامعة ليستر- University of Leicester، في المملكة المتحدة.

 

إشارات الإصابة

كان فريق سوريك يبحث عن دليل على احتمالية تنبيه جرثومة تدعى العصوية الرقيقة-Bacillus subtilis للجراثيم الأخرى من الفيروسات الفاجية، إذ علم الباحثون أن الجراثيم تتحدث إلى أخواتها عن طريق إفراز واستشعار منظومة من المواد الكيميائية، وتسمح هذه الظاهرة، المسماة باستشعار النصاب -quorum sensing، للجراثيم بأن تعدل سلوكها تبعًا لأعداد الجراثيم الأخرى المجاورة، على سبيل المثال، تستخدم الجراثيم استشعار النصاب لتقرر ما إن كانت ستنقسم أو تشن عدوى.

 

بدلًا من ذلك، وجد الفريق، على سبيل المفاجأة، أن الفيروس الغازي للجراثيم العصوية -وهو فيروس فاجي يدعىphi3T – ينتج مادة كيميائية تؤثر في سلوك الفيروسات الآخرى.

تستطيع بعض الفاجيات أن تعدي الخلايا بطريقتين مختلفتين، فعادة تخطف الخلايا المضيفة وتتضاعف حتى تنفجر تلك الخلايا وتموت، ولكن في بعض الأحيان، تُدخل الفاجيات مادتها الجينية الخاصة بها في جينوم المضيف، ثم ترقد حتى يوقظها عامل إثارة ما لتتضاعف لاحقًا، ولكن نظام التواصل الفيروسي المكتشف حديثًا يغير الطريقة التي يعدي بها phi3T.

بدايةً حقن أعضاء الفريق فيروسphi3T في دورق من الجراثيم العصوية الرقيقة، ووجدوا أن الفيروس يتجه نحو قتل الجراثيم تلك، ثم قاموا بفلترة محتويات الدورق لإزالة الجراثيم والفيروسات، وإبقاء البروتينات الصغيرة، وغذوا هذا الوسط المكيَّف بمزارع جديدة من الجراثيم والفاجيات، فغير ذلك من سلوك الفاجيات، فقد رجحت الآن إدخال جينومها في الجراثيم، على قتلها، وقد أطلق الفريق على الجزيء العجيب المشكوك بتورطه اسم “أربيتريوم-arbitrium ” تيمنًا بكلمة “قرار” في اللاتينية، وانطلقوا لتعريفه.

 

جيد بشكل مزعج

بعد عامين ونصف من البحث، اكتشف سوريك والطالب المُجازZohar Erez أن أربيتريوم كان بروتينًا فيروسيًا قصيرًا يتسرب خارج الجرثوم المُعدِ بعد موته، وعندما تتعزز مستويات أربيتريوم؛ بعد أن يموت عدد كبير من الخلايا، تتوقف الفاجيات عن قتل الجراثيم المتبقية، وتكمن راقدةً في الجينوم الجرثومي عوضًا عن ذلك، كما حدد سوريك وإيريز ورفاقهما بروتينَيphi3T آخرَين يقيسان مستويات الأربيتريوم ثم يؤثران على طبيعة العدوى اللاحقة.

«إن ذلك منطقي للغاية» ، يقول Peter Fineran ، اختصاصي في الوراثيات الميكروبية في جامعة أوتاغو-University of Otago ، في دانيدن، نيوزيلندا، «إذا لم يتبقى للفاجي الكثير من المضيفين، سيحاول أن يحد من التدمير، ويجلس هادئًا منتظرًا المضيف ليقوم بإعادة تأهيل النمو».

«إن البحث الحديث جيد بشكل مزعج»، تقول Clokie ، «لقد فكرت في إجراء تلك التجارب للتأكد من وجود شيء ما في الأوساط» ، وهي تتوقع أيضًا اكتشاف علماء بيولوجيا فاجيات آخرين لأنظمة تواصل أخرى، وقد وجد فريق سوريك أكثر من مئة نظام مختلف ومشابه لأربيتريوم، معظمها في جينومات فيروسات عصوية أخرى، «تبث الفاجيات بتواترات مختلفة، فتتحدث بلغات مختلفة ويمكنها سماع اللغة التي تتحدث بها فقط»، يضيف سوريك.

ويتساءل ما إن كانت الفيروسات التي تصيب كائنات حية أكثر تعقيدًا، مثل البشر، قادرة على التحدث إلى بعضها البعض، إذ يستطيع كل من فيروس الإيدز- HIV ، والهربس- herpes، أن يسبب عدوى نشطة وكذلك عدوى كامنة، ويشير: «إذا امتلكت جزيئة تستطيع قيادة الفيروسات إلى الكمون التام، ستكون مادة دوائية جيدة».


ترجمة: سارة وقاف.
تدقيق: يحيى أحمد.

المصدر