اتضح أن التعرض إلى المضادات الحيوية مرتبط بالإصابة بسرطان القولون، تحديدًا في الأشخاص الأصغر سنًا، ويظن باحثون من المملكة المتحدة أنه قد يكون من مسببات زيادة حالات سرطان القولون والمستقيم المبكر الموثقة.

أجرى فريق البحث دراسةً باستخدام بيانات من الرعاية الأولية في اسكتلندا، شملت نحو 8000 حالة لسرطان القولون والمستقيم وأكثر من 30000 من الأصحاء للمراقبة.

بيّن تحليل البيانات أن استخدام الأفراد الأصغر من 50 عامًا للمضادات الحيوية بدا أنه زاد من خطر إصابتهم بسرطان القولون -وليس سرطان المستقيم- بنسبة تصل إلى 49%.

تقول مقدمة الدراسة وطالبة الطب بجامعة أبردين في اسكتلندا سارا بيروت: «على حد علمنا، هذه أول دراسة تربط استخدام المضادات الحيوية بزيادة خطر الإصابة بسرطان القولون المبكر، المرض الذي ازدادت حالات الإصابة به في العقدين الماضيين بمعدل لا يقل عن 3% سنويًا».

وصرحت بيروت في بيان: «قد يكون للوجبات السريعة، والمشروبات السكرية، والسمنة، وشرب الكحول دور في تلك الزيادة، ولكن تشدد بياناتنا على أهمية تجنب استخدام المضادات الحيوية غير الضرورية، لا سيما في الأطفال والبالغين صغار السن».

تقول معدة الدراسة واستشارية الأورام الدكتورة ليزلي سامويل: «نريد الآن التأكد مما إذا كان هناك رابط بين استخدام المضادات الحيوية وحدوث تغيرات في ميكروبيوم الأمعاء، الأمر الذي قد يجعل القولون أكثر عرضة إلى السرطان، خاصةً في صغار السن».

وتضيف: «إن الأمر معقد، فنحن نعلم أن الميكربيوم يمكنه العودة إلى حالته السابقة بسرعة، حتى إذا طُهِر القولون بالكامل لإجراء التشخيص».

وعلق الطبيب ألبيرتو سوبريرو الذي يعمل في وحدة الأورام بمستشفى سان مارتينو في جنوا بإيطاليا، للجمعية الأوروبية لعلم الأورام الطبية: «إن احتمال نجاة المرضى صغار السن المصابين بسرطان القولون في العادة أقل من نظرائهم من كبار السن، وذلك بسبب تأخر تشخيصهم بالمرض عمومًا».

وأضاف: «إن الأطباء أقل ميلًا إلى التحقق من وجود سرطان القولون في المريض الذي يشتكي من ألم البطن عندما يكون في الثلاثينيات من عمره مما إذا كان في السبعينيات من عمره، والمرضى صغار السن ليسوا مؤهلين لإجراء فحوصات سرطان الأمعاء».

مشيرًا إلى أنه: «ما يزال من المبكر التيقن مما إذا كان الاستخدام المفرط للمضادات الحيوية عاملًا مسببًا للسرطان، وأننا في حاجة إلى فهم المزيد عن الدور المحتمل الذي يؤديه الميكروبيوم في سرطان الأمعاء قبل أن نضع تأثير المضادات الحيوية في بكتيريا الأمعاء في عين الاعتبار».

واختتم قائلًا: «غير أن نتائج الدراسة تذكرنا أن المضادات الحيوية يجب ألا تُعطى إلا عند الحاجة، وأنه لا يمكننا استبعاد احتمالية أن الاستخدام غير الضروري للمضادات الحيوية قد يعرّض الناس إلى زيادة خطر الإصابة بالسرطان».

أبدى الدكتور توماس سويفرلاين من قسم الطب الباطني بجامعة أولم في ألمانيا تعليقات مماثلة بعد أن ناقش النتائج، ووافق الباحثين الرأي بقوله: «إن توخي الحرص عند استخدام المضادات الحيوية أمر عقلاني وبالغ الأهمية».

وأضاف: «أنه ثمة حاجة إلى المزيد من الدراسات عن الاقتراح المدعي بوجود رابط بين استخدام المضادات الحيوية والزيادة الملحوظة في حالات سرطان القولون والمستقيم المبكر».

تفاصيل الدراسة

أثبتت دراسات سابقة أن التغيرات الجسيمة في تركيب وتنوع ميكروبيوم الأمعاء الناجمة عن استخدام المضادات الحيوية تؤثر في نشوء سرطان القولون والمستقيم لدى كبار السن.

وأوضحت بيروت أن تأثير استخدام المضادات الحيوية في نشوء سرطان القولون والمستقيم لدى صغار السن لم يُدرَس سابقًا.

لذا أجرى الباحثون دراسة حالات وشواهد متداخلة من سجل الرعاية الأولية لتحديد حالات سرطان القولون والمستقيم المشخصة في اسكتلندا بين عامي 1999 و 2011.

قسّموا المرضى بعدئذ إلى مجموعتين: الذين شُخصوا قبل الخمسين من عمرهم، والذين شُخصوا في الخمسين من عمرهم أو بعدها، وكان في مقابل كل واحد منهم نحو خمسة أفراد أصحاء.

تضمنت الدراسة 7903 حالات لسرطان القولون والمستقيم؛ كان 5281 منهم مصابين بسرطان القولون و2622 مصابين بسرطان المستقيم، إلى جانب 30418 حالة مراقبة أصحاء.

ضمن مرضى سرطان القولون والمستقيم، كان 445 أي نحو 5.6% من الحالات أصغر من 50 عامًا عند التشخيص.

عاين الفريق أيضًا استخدام الحالات للمضادات الحيوية سابقًا، إذ جمعوا وصفات المضادات الحيوية الفموية الموصوفة فيما مضى للحالات، وحسبوا إجمالي فترة تعرضهم إلى المضادات الحيوية ثم صنفوها على النحو: 0 يوم، 1-15 يومًا، 16-60 يومًا، وأكثر من 60 يومًا.

بصفة عامة، وُصفَت المضادات الحيوية لـ 45% من المرضى، وارتبط استخدام جميعهم للمضادات الحيوية بزيادة ملحوظة في الإصابة بسرطان القولون، ولكن الزيادة كانت أشد وضوحًا عند المرضى الذين كانوا أصغر من 50 عامًا عندما شُخصوا بالمرض.

وبصفة خاصة، ارتبط أي استخدام للمضادات الحيوية بنسبة أرجحية معدلة لسرطان القولون 1.49 (قيمة الاحتمالية = 0.018) في المرضى الأصغر من 50 عامًا، مقابل 1.09 (قيمة الاحتمالية = 0.029) في المرضى البالغين 50 سنة أو أكثر.

أما في المرضى الأصغر سنًا، فقد لوحظ أكبر رابط بين استخدام المضادات الحيوية وسرطان القولون في المرضى الذين كان إجمالي فترة تعرضهم إلى المضادات الحيوية 1-15 يومًا بنسبة أرجحية معدلة بلغت 1.55، وانخفضت النسبة إلى 1.46 عندما كان إجمالي فترة التعرض 16-60 يومًا، ولم يكن هناك رابط عندما كان إجمالي فترة التعرض أكثر من 60 يومًا.

لم تُلحَظ علاقة مماثلة في مرضى سرطان القولون البالغين 50 عامًا أو أكثر عند وقت تشخيصهم.

لم تُلحَظ أيضًا علاقة بارزة بين أي استخدام للمضادات الحيوية ونشوء سرطان المستقيم، الذي كان بنسبة أرجحية معدلة بلغت 1.17 (قيمة الاحتمالية = 0.493) لدى الأفراد الذين كانوا أصغر من 50 عامًا عند التشخيص و1.07 (قيمة الاحتمالية = 0.698) في المرضى الأكبر سنًا.

اقرأ أيضًا:

كل ما يجب معرفته عن سرطان القولون

اكتشاف دور مهم لبعض جراثيم الجسم في مكافحة السرطان

ترجمة: رحاب القاضي

تدقيق: تسبيح علي

المصدر