إنّ النوم جيدًا يبدو أصعب عندما نُحاول أن نحصل عليه! حيث أنّ الحياة المُعاصرة تعني أننا أصبحنا نملك المزيد والمزيد من “سارقي النوم” أكثر من أي وقتٍ مضى! إذ أصبح بإمكاننا العمل والتسوق وإدارة أمورنا المالية على مدى 24 ساعة في اليوم ونحن جالسون في غُرفة المعيشة!

إنّ حصولنا على نومٍ جيد يُعتبر أصعب عندما نتقدم في السن! حيث يغدو نومنا خفيفًا ولساعاتٍ أقل، على الرغم من أنّ حاجتنا للنوم لا تتغير. وعلى عكس ما يدَّعيه بعض الأشخاص المحرومين من النوم، فمن المُستحيل أن تُدرِّب جسمك على النوم القليل.

ستُصبح من الأشخاص المحرومين من النوم عندما لا تنال قسطًا كافيًا من النوم، والذي يُساعد على بقائك متيقظًا على مدار اليوم.

وتُعتبر تأثيرات قلة النوم تراكُمية.

وكنتيجةٍ لذلك، ستنمو حالة نقص النوم عندك في كل ليلةٍ لا تنال فيها كميًة كافيًة من النوم.

وبعد مُضي عدة ليالي مصحوبة بنقص النوم – حتى وإن كان مقدار النقص عبارة عن ساعة أو ساعتين في كل ليلة – سيُصبح أداؤك كما لو لم تنمْ إطلاقًا لمدة يومٍ أو يومين.

وإذا فقدت ساعتين من ساعات النوم في كل ليلة، فبعد أسبوعٍ فقط سيتراكم لديك دَينٌ بمقدار 14 ساعة نوم.

وإذا لم تحصل على قسطٍ كافٍ من النوم بشكلٍ متكرر، فلن تتمكن من وفاء دَينِك المُتمثل بساعات النوم الناقصة بواسطة نومك في عطل نهاية الأسبوع.

يُعاني حوالي نصف الأشخاص فوق عمر 65 من مشاكل مُتكررة في النوم.

كما أنّ عدم الحصول على نوم كافٍ سوف يؤدي إلى عواقب وخيمة.

حيث سبق أن سبَّب نقص النوم العديد من الحوادث المأساوية كحوادث الانصهار النووي و اصطدام ناقلات النفط، فضلًا عن حوادث السيارات التي يتسبب بها السائقون الذين لم ينالوا القسط الكافي من النوم.

كما أنّ تأثير قلة النوم على الحالة الصحية اليومية يُعتبر الأكثر شيوعًا، فقد رُبِط نقص النوم بالعديد من المشاكل الصحية الجسدية والعقلية كنقص الإدراك والمشاكل القلبية والبدانة وضعف الذاكرة وضعف الجهاز المناعي.

وكان من بين أحدث الأبحاث، ذلك البحث الذي نُشِر على شبكة الانترنت في آذار/ مارس 2013 ضمن مجلة القلب الأوروبية (European Heart Journal)، وهو عبارة عن دراسة نرويجية دامت 11 سنة أُجريت على 54000 شخص تتراوح أعمارهم مابين 20 و 89 عام، حيث أثبتت هذه الدراسة أنّ المشاركين الذين يُعانون من أعراض أرقٍ متعددة ازدادت لديهم مخاطر فشل القلب بمعدّل أربعة أضعاف مقارنًة مع أولئك الذين لا يُعانون من الأرق.

كما وجد الباحثون أنّ أعراض الأرق سائدة أكثر عند كبار السن والنساء.

وبما أنّ هذه الدراسة اعتمدت على الملاحظة والمراقبة، لم يتمكن العلماء من تأكيد فيما إذا كان الأرق يُسبب الفشل القلبي.

فنحن نحتاج للمزيد من الأبحاث لنكتشف طبيعة العلاقة ما بين هذين الأمرين.

أساسيات عملية النوم:

يحدث النوم خلال دورات، ومعظم الناس يختبرون من 3 إلى 5 دورات من النوم في الليلة الواحدة.

وفي المعدّل، تستغرق دورة النوم الكاملة من 90 إلى 110 دقيقة، وتتألف من خمسة مراحل:

• المرحلة الأولى:

تُدعى مرحلة النوم الخفيف، في هذه المرحلة سوف تتأرجح مابين النوم واليقظة، وستتباطأ حركات العين والنشاط العضلي، وقد تتعرض لإحساس السقوط.

• المرحلة الثانية:

تتوقف حركات العين تمامًا وتتباطأ موجات الدماغ – وهي عبارة عن تقلُّبات النشاط الكهربائي – وقد تحدث اندفاعات عرَضية من الموجات السريعة.

• المرحلة الثالثة:

تُدعى مرحلة النوم العميق، وتَظهر فيها موجات الدماغ البطيئة جدًا والتي تُعرف باسم موجاتت دلتا.

• المرحلة الرابعة:

يستمر فيها النوم العميق حيث يقتصر إنتاج الدماغ على موجات دلتا، وفي هذه المرحلة لا وجود لحركات العين والعضلات، ومن الصعب إيقاظ الشخص في هذه المرحلة من النوم، وفي حال تم إيقاظك أثناء النوم العميق فسوف تُصاب بالترنُّح والتشويش الشديد.

• المرحلة الخامسة:

تُدعى بحركة العين السريعة أو اختصارًا (REM)- أُطلق عليها هذا الاسم نتيجة حدوث حركات عين رشيقة خلف الجفون المُغلقة – عند الدخول في هذه المرحلة من النوم، تزداد كل من نبضات القلب وضغط الدم وتُصاب عضلات الأطراف بالشلل.

تحدث الأحلام في هذه المرحلة بالتحديد، حيث تُحفِّز هذه المرحلة من النوم مناطق الدماغ المسؤولة عن التعلم ويترافق ذلك بزيادة إنتاج البروتينات.

ويجدر الذِّكر أننا نقضي حوالي نصف نومنا في المرحلة الثانية و20% في المرحلة الخامسة، أما النسبة المُتبقية وهي 30% فنحن نقضيها فيما تبقى من مراحل النوم.

كم تبلغ فترة النوم الكافي؟

تتفاوت كمية النوم التي يتطلبها كلُ إنسان، فمُعظم البالغين يحتاجون من 7 إلى 8 ساعات نوم كل ليلة.

وبالإضافة إلى كمية النوم، فإنّ نوعية النوم تُعتبر مُهمة أيضًا، حيث أنّ الاستيقاظ المُتكرر أو النوم المُتقطع يُعيق دورة النوم، ويمكن أن يُساهم في عدم قابلية الوصول إلى كل من مرحلتي النوم المُرتبطتين بالنوم المريح والمُجدَّد وهما مرحلة النوم العميق ومرحلة الـ (REM).

إنّ البالغين الأكبر سنًا مُعرضون لكمية أكبر من مخاطر نقص النوم بما أنهم يختبرون ساعات نوم أقل ويختلف نموذج دورة النوم لديهم.

ونتيجة لذلك، فإنّ مرحلة النوم العميق تُصبح قصيرة جدًا وقد تتوقف نهائيًا.

وهناك العديد من العوامل التي تلعب دورًا في ذلك ومنها الشيخوخة وتناول الأدوية وعند وجود إحدى الحالات الطبية التي تُسبب الألم أثناء الليل كالتهاب المفاصل والتبوُّل الليلي المُتكرِّر والسرطان وأمراض الرئة.

نُشرت دراسة صغيرة في آذار/مارس الماضي في مجلة الطبيعة (علوم الأعصاب) درست العلاقة ما بين النوم ذي النوعية السيئة والتغييرات التي تحدث في القشرة ما قبل الأمامية للدماغ -حيث يتم تخزين الذاكرة طويلة الأمد– والمُتعلقة بالشيخوخة، وتبين أنّ هذه العلاقة أدت إلى تقليل نشاط الموجات البطيئة أثناء النوم الذي لا يحتوي على مرحلة حركة العين السريعة (REM).

لقد استنتج الباحثون أنّ قلة مرحلة النوم العميق عند البالغين الأكبر سنًا بالإضافة إلى تلك التغيرات البُنيوية في الدماغ يرتبط بضعف الذاكرة وتراجع الإدراك المُتعلق بالعُمر، ومع ذلك لم يتمكن الباحثون من إيجاد رابط مباشر يُسبب ذلك.

عواقب النوم غير الكافي:

إنّ الحرمان من النوم يرتبط مع ما يلي:

• ضعف الإدراك:

يُسبب نقص النوم عرقلة كل من عملية التعلّم والتركيز والاستجابة والذاكرة والحكم واتخاذ القرار والقدرة على القيام بالحسابات الرياضية.

• ضعف الحالة العقلية:

تُؤدي قلة النوم إلى انخفاض الطاقة ونقص الغريزة الجنسية ووجود أعراض الاكتئاب والقلق.

إنّ مشاكل النوم تُعتبر شائعة بين الأشخاص الذين يُعانون من أمراض عقلية، كما أنّ الإفراط في حرمان النوم يُمكن أن يُحفِّز الارتياب والهلوسات عند الأشخاص الأصحاء.

• مخاطر الصحة الجسدية:

تم ربط مشاكل النوم المُزمنة مع كل من ارتفاع ضغط الدم والجلطة الدماغية ومرض القلب وفشل القلب والسكري.

كما رُبِط أيضًا مع ارتفاع خطر السقوط و انكسار العظام عند البالغين الأكبر سنًا.

• اختلال الوظيفة المناعية:

تُؤثر قلة النوم على القدرة على مقاومة الفيروسات كالفيروس المُسبب للزكام.

• البدانة:

تُؤثر قلة النوم على هرمونات الشهية، مما يُسبب وجود مستويات أعلى من هرمون الغريلين (ghrelin) – والذي يجعلك تشعُر بالجوع – ومستويات أدنى من هرمون اللبتين (leptin) الذي يجعلك تشعُر بالشبع.

يُؤدي ذلك إلى الإفراط في تناول الطعام وزيادة الشهية للأطعمة الغنية بالسكريات وذات السُعرات الحرارية العالية.

• انخفاض نوعية الحياة:

لقد قام 40% من البالغين بالتبليغ عن حالات نومهم أثناء النهار بدون قصد على الأقل مرة واحدة في الشهر.

ويُمكن للخمول غير المُلائم والقيلولة أن تُؤثر على العلاقات.

كما أنّ قلة الطاقة يمكن أن تُؤدي إلى الانسحاب من النشاطات ومن الحياة الاجتماعية.

هل يُعتبر نومك قليلًا؟

إنّ العديد من الأشخاص يُعانون من قلة النوم لدرجة أنّ قلة النوم أصبحت الوضع الطبيعي الجديد، وقد لا تقوم بربط المشاكل التي سبق ذِكرها مع قلة النوم.

وقد تُعتَبر ممّن يُعانون من قلة النوم إذا شعرت بالنعاس أثناء القراءة أو أثناء الجلوس في اجتماعٍ ما أو خلال مُشاهدة أحد الأفلام أو أثناء ركوبك السيارة.

نصيحة أخيرة:

في حال سبق وأن واجهت مشاكل صحية أو إدراكية يُمكن أن تتعلق بقلة النوم أو إذا لم تكن تشعر بصحة جيدة، احتفظ بمُفكّرة نوم لبضعة أسابيع وسجِّل فيها كمية النوم الذي تحصل عليه في كل ليلةٍ وكم تشعر باليقظة والنعاس أثناء النهار، ثم اعرض هذه المُذكّرة على طبيبك الذي سيكون قادرًا على مُساعدتك بعد أن يستثني وجود أية أسباب طبية لحالة قلة النوم التي تُعاني منها.


  • إعداد: زينب النيّال
  • تدقيق: جعفر الجزيري
  • تحرير: طارق الشعر
  • المصدر