لا يزال المجتمع متجاهلًا وصمة العار تجاه صحة الرجال العقلية ومهملًا لها. تنقسم الوصمة عادةً إلى نوعين مختلفين: الوصمة الداخلية والوصمة الخارجية، تتعلق الوصمة الداخلية بالمشاعر الشخصية لدى الأفراد الموصومين بالعار وفقدان الثقة بالنفس، وغالبًا ما ينتج عن ذلك الانعزال الاجتماعي وتدني احترام الذات، في حين تتعلق الوصمة الخارجية بالمواقف السلبية والنماذج النمطية المتحيزة لدى العديد من الناس التي تؤدي غالبًا إلى النبذ ومن ثم التحيز.

يركز الحوار المتداول حول الصحة العقلية للرجال على الوصمة الداخلية لدى الذكور المصابين، الذين يُصوَّرون عادةً بعنادهم إلى درجة تدمير الذات، وصمتهم في أثناء مواجهة المرض النفسي، تؤول الأمور إلى إلقاء اللوم على الضحية بسبب هذا التركيز المحدود، لذلك يجب توسيع نطاق الاهتمام لأخذ الوصمة الخارجية في الحسبان، بمعاينة المواقف السلبية والنماذج النمطية المتحيزة في مختلف أنحاء المجتمع.

قد تؤدي هذه الوصمة الخارجية دورًا مهمًا في منع الرجال من مناقشة مشكلاتهم النفسية والاستعانة بالخدمات الصحية، وقد توجد في أماكن لا نتوقعها.

تسبب وصمة العار الرفض والعزلة

وصمة العار على الصحة العقلية للرجال في الخدمات الصحية

تشير المؤلفات الأكاديمية إلى قلة احتمالية استعانة الرجال بالخدمات الصحية العقلية مقارنةً باحتمال استعانة النساء بها عند التعرض للضغوط النفسية.

تتنوع الأسباب لقلة استغلال هذه الخدمات، لكن تُعد الوصمة الخارجية عاملًا مهمًا لا يُعترف به، إذ تشير الأبحاث إلى أن مقدمي الرعاية الصحية أنفسهم قد ينحازون ضد المرضى الذين يعانون الأمراض النفسية.

هل تعد وصمة العار على صحة الرجال العقلية قضية ذكورية أم مشكلة اجتماعية - وصمة العار تجاه صحة الرجال العقلية - الوصمة الداخلية - الوصحة الخارجية

مثلًا، كشفت دراسة استقصائية أن 44% من المستفيدين من الخدمات أبلغوا عن حدوث تمييز ملحوظ في أثناء تعاملهم مع نظام الرعاية الصحية العقلية، إذ أوضح المشاركون في دراسة من الرجال محدودي الدخل في المناطق الريفية في إنجلترا مواجهتهم العديد من المواقف السلبية مع الأطباء، يقول أحدهم: «عاملوني كأنني سكير عند ذهابي إلى المشفى المحلي، مع أني لا أشرب الخمر».

حديثًا، نشرت الرابطة الأمريكية لعلم النفس «مبادئ توجيهية للممارسة النفسية مع الأولاد والرجال»، أفادت بأن «الامتثال للأيدولوجية الذكورية التقليدية يؤثر سلبًا في الصحة العقلية». تعرضت هذه المبادئ لانتقادات شديدة من العديد من الخبراء، الذين جادلوا بأن المستند قد عرَّض الذكورة للوصم والتعقيد، ما أضاع فرصة الإصلاح وابتكار نهج للتعامل مع الصحة العقلية للرجال.

وصمة العار على الصحة العقلية للرجال في العائلة

تشير الأبحاث إلى تمثيل أفراد الأسرة المقربين مصدرًا مهمًا لتوفير الدعم والمواساة لمن يعانون الأمراض النفسية ، مع ذلك تشير الأدلة إلى رؤية بعض أفراد العائلة المرض النفسي بوصفه مصدر العار الذي يدمر سمعة العائلة، وقد يؤدي ذلك إلى محاولات إنكار المرض النفسي أو إخفائه ومنع الفرد من طلب المساعدة مجددًا.

قد يكون الأهل والأطفال وحتى الأزواج شركاء في هذا الصمت، الذي قد يكون قاسيًا خاصةً عندما يكون المصاب رجلًا. مثلًا، أجريت وزميلي بحثًا عن الأزواج الذين يعانون الأمراض النفسية ، إذ أفاد المشاركون بسماعهم تعليقات سلبية وغير متفهمة من زوجاتهم باستمرار، خاصةً عندما يؤثر المرض النفسي في قدرتهم على كسب العيش، ما أدى إلى شك زوجاتهم في ذكورتهم، ما قد يؤثر سلبًا في الصحة العقلية، يقول أحد المشاركين في الدراسة: «فقدت احترام زوجتي حين فشلت مرارًا في أداء واجباتي، فقدت ثقتها بي، أشعر بالحزن الشديد حين أسمع هذه الجملة من زوجتي: (هل أنت رجل حقيقي؟ هل أنت زوج حقيقي؟). أريد أن أموت، أريد الانتحار».

وصمة العار على الصحة العقلية للرجال في وسائل الاعلام

نعلم أن تصوير وسائل الاعلام للمجموعات الاجتماعية والاقتصادية بإمكانه تحديد المواقف العامة والمعتقدات. فحصت وزميلي في دراسة حديثة التغطية الإعلامية الصحة العقلية وفقًا للجنس، ووجدنا أن المقالات حول النساء اللائي يعانين الأمراض النفسية كانت إيجابيةً ومتعاطفةً أكثر من المقالات حول الرجال، إذ تبين أن هذه المقالات شملت محتوى مشين، وربطت أمراض الرجال النفسية بالجريمة والعنف.

تُعد هذه نتيجة مهمة، فقد يساهم تصوير الإعلام في نشر الخوف على نطاق واسع عندما يتعلق الأمر بالصحة العقلية للرجال، ما قد يمنعهم من طلب المساعدة. مثلًا، قد يعاني الرجال الخوف الشديد من الإفصاح عن مشكلاتهم خوفًا من التعرض للوصم من عائلاتهم وأصدقائهم وزملائهم، بسبب ارتباط هذه المشكلة بالجريمة والعنف، يُعد هذا شعورًا شائعًا لدى الرجال الذين يعانون مشكلات نفسية، ويلخصه أحد المشاركين في الدراسة بقوله: «يخاف الناس لأنهم يظنون أن (هذا الرجل مجنون، بإمكانه قتلنا! إنه ليس مثلنا!). يظنون أنك أدنى منهم، فإن أفصحت بإصابتي بالفصام، فسيشكلون فكرةً أخرى عني، أخاف من الإفصاح عن هذا الأمر، لا أريد أن يحكم الناس علي».

خاتمة

تعتمد النقاشات حول صحة الرجال العقلية عادةً نهجًا ضيق الأفق، وتركز على الصمت المزعوم والعناد لدى الرجال الذين يعانون المشكلات النفسية. مع ذلك، تشير الأدلة إلى أهمية توسيع هذه النظرة في سبيل فهم حدوث المشكلات النفسية لدى الرجال في السياق الاجتماعي الواسع.

قد يحارب الرجال الأمراض النفسية بصمت بسبب الوصمة الخارجية والأنماط الاجتماعية التي تعممها مجموعات عديدة، تشمل مختصي الرعاية الصحية وأفراد العائلة ووسائل الإعلام وعناصر أخرى من المجتمع. يجب علينا توثيق هذه الوصمة الخارجية ومعالجتها إن كنا جادين حيال التعامل مع مشكلات الرجال النفسية، فهذا المنظور الضيق في حل الأمور لن يجدي.

اقرأ أيضًا:

أشيع المفاهيم الخاطئة المتعلقة بالصحة النفسية

خبر سيئ للرجال: الذكورية تضر بصحتك الجسدية والنفسية

ترجمة: قمر بيازيد

تدقيق: راما الهريسي

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر