ظل حلم السفر عبر الزمن يداعب العلماء فترةً طويلة، وربما أصبح ذلك ممكنًا، على الأقل في أصغر النطاقات، فبالنسبة إلينا، من السهل التفكير في الوقت كسهم ذي اتجاه واحد، لكن قوانين الفيزياء تعمل بنفس السلاسة في الاتجاه المعاكس، وهو ما بينته تجربة أُجريت العام الماضي، أوضحت كيف يتسع المجال للتفريق بين الماضي والمستقبل، على الأقل على المستوى الكمي. لا تعيدنا تلك التجربة إلى ستينيات القرن الماضي، لكنها على الأقل تساعدنا على معرفة سبب عجزنا عن ذلك.

شكل باحثون من روسيا والولايات المتحدة فريقًا لإيجاد طريقة للتغلب على أحد قوانين الطاقة الأساسية في الفيزياء، وهو القانون الثاني للديناميكا الحرارية، الذي يمكن أن نعده مبدأً كونيًا أكثر من كونه مجرد قانون فيزيائي جامد، ينص على أن الأجسام الساخنة تفقد حرارتها بمرور الوقت، بسبب انتقال الطاقة وتسربها من المناطق الساخنة التي تتركز فيها الحرارة.

يفسر هذا القانون لماذا يبرد فنجان القهوة الساخن إذا وُضع في غرفة باردة، ويفسر أيضًا سهولة مزج البيض مقارنةً بفصل المزيج، ويفسر عدم وجود آلة دائمة الحركة، ويُعَد القانون ذاته التفسير الأقرب لقدرتنا على تذكر الأحداث الماضية، مثل وجبة العشاء التي تناولناها أمس، في حين لا نمتلك ذكريات عن أعياد الميلاد القادمة.

يقول عالم الفيزياء الكمية (جوردي ليسوفيك) من معهد موسكو للفيزياء والتقنية: «هذا القانون وثيق الصلة بفكرة سهم الزمن، الذي يفترض أن الزمن يتحرك في اتجاه واحد من الماضي إلى المستقبل».

نظريًا، يمكن عكس كل قوانين الفيزياء الأخرى وستظل منطقيةً إلى حد ما، مثلًا عندما تشاهد تصادم كرتين في لعبة البلياردو، تظل الاتجاهات التي ترتد إليها الكرات المتصادمة منطقيةً إلى حد ما إذا رأيت التصادم في اتجاه معكوس. لكن على العكس من ذلك، سيبدو الأمر لا يُصدق إذا رأيت الكرات تخرج من الجيوب وترتد لتشكل مثلث البداية، وهذا توضيح عملي للقانون الثاني للديناميكا الحرارية.

إذن، على المقياس الكبير للبيض المخفوق أو كرات البلياردو، لا نتوقع أن نرى الكثير من الانحراف عن قوانين الديناميكا الحرارية. لكن تظهر الانحرافات والفجوات عند التركيز على المقاييس الاصغر. لا تشبه الإلكترونات المنفردة كرات البلياردو، بل هي أشبه بمعلومات تشغل فراغًا، وتتضح تفاصيلها فيما يُسمى (معادلة شرودنجر)، التي تمثل الاحتمالات المختلفة لخصائص الإلكترون بصفته الموجية.

إن بدا ذلك مُربِكًا بعض الشيء، فلنعد إلى مثال لعبة البلياردو، لكن هذه المرة مع إطفاء الأضواء. أمسك الكرة بيدك واقذفها عبر الطاولة، تخبرك معادلة شرودنجر أن الكرة تسير بسرعة ما وتقع في مكان ما على الطاولة. كميًّا، الكرة في كل مكان وتسير بسرعات متعددة، احتمالية بعضها أعلى من البعض الآخر، ويمكنك وضع يدك على الطاولة لتعترض طريق الكرة، وبذلك يمكنك تحديد موقعها، لكن لا يمكنك تحديد السرعة التي كانت تتحرك بها. ويمكنك فرد إصبعك في مسار حركتها ومن ثم تحديد سرعتها، لكن ليس بمقدورك معرفة الموضع الذي ذهبت إليه.

يمكنك استخدام حيلة أخرى: بعد تسديد الكرة بجزء يسير من الثانية، يمكنك أن تقول بثقة إن الكرة ما زالت بالقرب من يدك وتتحرك بسرعة عالية. هنا تعمل معادلة شرودنجر بنفس الطريقة، إذ تتوقع نفس الشيء للأجسام الكمية، فتزيد احتمالات سرعة الجسيم أو موضعه بمرور الزمن.

يقول عالم المواد (فاليري فينوكور) من معمل أرجون الوطني في الولايات المتحدة: «مع ذلك، يمكن عكس معادلة شرودنجر، فمن الناحية الرياضية، يعني ذلك أنه بإجراء تحويل معين يسمى الاقتران المعقد، تستطيع المعادلة وصف موضع سابق لإلكترون ما في منطقة مكانية معينة خلال نفس المدة الزمنية».

يبدو الأمر كأن تتوقف الكرة عن الانتشار في موجة من الاحتمالات اللانهائية من المواضع على الطاولة وتستقر مرةً أخرى في يدك. من الممكن حدوث ذلك نظريًا، إذ تحتاج إلى التحديق في 10 مليارات طاولة بلياردو بحجم الإلكترون كل ثانية على امتداد عمر الكون لتشهد حدوث تلك الظاهرة مرة وحيدة، لكن بدلًا من الانتظار كل تلك المدة، استعمل الفريق الحالات غير المؤكدة للجسيمات في حاسوب كمي لتعمل مثل طاولة بلياردو، وصمموا طريقةً ذكية على الحاسوب ليعمل مثل آلة زمن، إذ رُتبت الكيوبتات في الحاسوب الكمي في حالة بسيطة تحاكي يدًا مُمسكة بالكرة، وفور بدء الحاسوب الكمي بتنفيذ مهامه، تتحول تلك الحالات إلى مجموعة من الاحتمالات التي يمكن تحديدها بطريقة تعكس معادلة شرودنجر عمدًا، وذلك بتغيير بعض العوامل في إعدادات الحاسوب.

لاختبار ذلك، أطلق الفريق إعدادات الاختبار في محاكاة لضرب الكرة على طاولة البلياردو ومشاهدة الكرات المتناثرة تعود لتشكل المثلث الأول، وهو بالضبط ما حدث في 85% من التجارب المعتمدة على زوج من الكيوبتات.

عمليًا، قد تساعد تلك الخوارزميات التي طورها الفريق لعكس معادلة شرودنجر على تحسين دقة الحواسيب الكمية، وهذه ليست المرة الأولى التي يتمكن فيها هذا الفريق من هز عرش القانون الثاني للديناميكا الحرارية، فمنذ عدة سنوات شابك علماء الفريق بعض الجسيمات، وسخنوها وبردوها بطريقة جعلتها آلة دائمة الحركة.

في النهاية، ربما تساعدنا تلك الطريقة وغيرها من الطرق التي توسع حدود قوانين الفيزياء على المستوى الكمي إلى خارج المألوف على فهم أفضل للكيفية التي يعمل بها الكون.

اقرأ أيضًا:

هل السفر عبر الزمن ممكن؟

كيف نبني آلة السفر عبر الزمن؟

ترجمة: أحمد جمال

تدقيق: عون حدّاد

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر