هل تمكن العلماء من التقاط أول صورة لثقب أسود؟


أمضى علماء من مختلف أنحاء العالم خمسة أيام بلياليها محدّقين في الثقب، على أمل أن يحصلوا في المقابل على أول صورة لأفق الحدث على حافة الثقب الأسود، والتي من شأنها أن تغير مفهومنا للفيزياء إلى الأبد.

سيكون بمقدورنا -في حال تكللت جهودهم بالنجاح- رؤية حافة ثقب أسود، ما يتيح لنا معرفة ما إذا كانت أساسيات النظرية النسبية ستنطبق أيضًا على مثل هذه الظروف الصعبة.

نحن على يقين بأن آينشتاين سيكون في قمة حماسه لو كان اليوم على قيد الحياة.

أتم علماء الفلك من مختلف أنحاء العالم خمس ليال من المراقبة لثقبين أسودين، وهم بانتظار الحصول على 1024 قرصًا صلبًا مليئًا بالبيانات من مركزي معالجة تلسكوب الأفق الحدث، مرصد «هيستاك في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا-MIT Haystack» و«معهد ماكس بلانك المتخصص في علم الفلك الراديوي-The Max Planck Institute for Radio Astronomy» في دون-ألمانيا، ليباشروا عندها دراسة هذه البيانات.

الجانب السيء الذي يتعلق بهذا الموضوع هو أنه ما زال أمامنا الكثير من الوقت لمعرفة ما إذا تمكنت شبكة التلسكوبات العالمية من التقاط الصورة أم لا؛ إذ تتواجد الأقراص الصلبة الآن في تلسكوب القطب الشمالي الذي يتعذر الوصول إليه حتى نهاية شهر أكتوبر/ تشرين الأول، لذا لن نتمكن من الحصول على أي إجابات حتى نهاية هذا العام أو بداية العام 2018.

قال «هينو فالك-Heino Falcke» -من جامعة رادبود في هولندا وأحد علماء الفلك المشاركين في هذا البحث- في تصريح له لمجلة ناشيونال جيوغرافيك، إن أي خطوة تقودنا لملاحظات ملموسة عن الثقوب السوداء، ستنقلها أخيرًا من كونها نظريات أسطورية إلى حقائق مثبتة يمكننا دراستها.

وأضاف فالك: «حتى في حال كانت الصور الأولى باهتة وذات جودة منخفضة، إلا أننا تمكنا بالفعل للمرة الأولى من اختبار بعض توقعات نظرية آينشتاين الأساسية في الجاذبية في البيئة القاسية للثقب الأسود».

تعد الثقوب السوداء أحد أكثر الأشياء إثارة وغموضًا في الكون المعلوم؛ فعلى الرغم من حقيقة الاشتباه بأنها تكمن في مركز بعض المجرات، إلا أنه لا أحد على الإطلاق تمكن من التقاط أي صورة لها.

يعود السبب في ذلك لأنها -كما يدل اسمها- مظلمة جدًا. هذه الثقوب عملاقة جدًا لدرجة أنها تبتلع -بلا عودة- كل ما يدخل في محيط أفق حدثها بما في ذلك الضوء، ما يجعل مهمة التقاط صورة لها مستحيلة حتى مع أكثر التلسكوبات دقة وفعالية.

استخدم الفريق الدولي لعلماء الفلك -في آخر محاولة له- شبكة من التلسكوبات الراديوية موزعة في أرجاء الكوكب، في القطب الجنوبي والولايات المتحدة الأمريكية وتشيلي، وجبال الألب الفرنسية وغيرها. أطلق على هذه التلسكوبات مجتمعة اسم «تلسكوب أفق الحدث -Event Horizon Telescope.»

يعمل التلسكوب بتقنية «قياس تداخل خط الأساس الطويل-Very long baseline interferometry» ما يعني أن هذه الشبكة الضخمة من المستقبلات ستركز جميعها على موجات الراديو المنبعثة من مصدر معين في الفضاء في وقت واحد، أي سينصب التركيز على الثقب الأسود في مركز مجرة درب التبانة الذي يدعى «الرامي أ-Sagittarius A»، بالإضافة إلى الثقب الأسود في مركز المجرة القريبة «إم 87-M87.»

يجب أن يحقق التلسكوب جودة عالية بمقدار 50 مايكرو ثانية، أي أن يكون ذا قدرة على رؤية حبة جريب فروت على سطح القمر.

نأمل أن يكون هذا كافيًا لتصوير أفق الحدث لمنطقة الرامي أ، التي تبعد عن الأرض حوالي 20 مليون كيلومتر، أي حوالي 26 ألف سنة ضوئية.

تحصّلت الموافقة على تشغيل التلسكوب لمدة عشرة أيام، ابتداءً من اليوم الرابع من شهر نيسان/أبريل، إلا أن المدة تقلصت إلى خمسة أيام فقط نظرًا للأحوال الجوية.

كشف الباحثون عن موجات راديوية يقدر الطول الموجي لها بحوالي 1.3 ميليمتر «230 جيجاهرتز» والتي تبين أنها منبعثة من مياه الأمطار.

لذا لا يمكن للمراقبة أن تنجح أثناء هطول المطر. انتهت آخر جلسات المراقبة في اليوم الحادي عشر من شهر نيسان/أبريل، وفقًا لمجلة ناشيونال جيوغرافيك.

ما الذي نتوقع الحصول عليه قي حال نجاح المشروع؟ كل ما سنحصل عليه يعتمد على مدى صحة نظريات آينشتاين.

يتنبأ الباحثون -وفقًا للنظرية النسبية العامة- أن يبدو الثقب الأسود كحلقة مشعة من الضوء حول بقعة مظلمة، وذلك بسبب تسارع الضوء المنبعث من الغازات والغبار بأقصى سرعة، قبل أن يبتلعها الثقب الأسود ليتلاشى بلا عودة. بينما تعد البقعة المظلمة في المركز الظل الذي يغطي هذه الفوضى.

ينبغي أن يكون شكل الحلقة أقرب إلى الهلال منها إلى الدائرة المنتظمة، فالمواد المتجهة نحو الأرض تبدو أكثر إشراقًا بتأثير ظاهرة دوبلر.

في حال تمكن الفريق من قياس الظل القاتم الذي يُدلي به الثقب الأسود، سيعد ذلك إنجازًا مثيرًا للإعجاب؛ لأن النسبية العامة تفترض -في بعض توقعاتها المحددة- الحجم استنادًا على مقدار الانحناء الذي ينبغي أن يحدثه الثقب الأسود.

قالت «فريال أوزيل-Feryal Özel» إحدى أعضاء الفريق، في مؤتمر صحفي العام الماضي: «نحن نعرف تمامًا ما تتنبأ به نظرية النسبية العامة لهذا الحجم. حاول الوصول إلى حافة ثقب أسود، وستلاحظ عندها أن اختبارات النسبية العامة التي يمكنك إجراؤها ستكون مختلفة نوعيًا وكمّيًا».

واحتمالية أن نكتشف شيئًا مختلفًا تمامًا واردة كذلك، عندها سنحتاج إلى إعادة النظر في نظرية النسبية العامة لآينشتاين.

صرح رئيس المشروع «شيبرد دويلمان-Sheperd Doeleman» -من مركز هارفارد سميثسونيان للفيزياء الفلكية- لجوناثان آموس مراسل محطة بي بي سي: «لا يعد الرهان ضد آينشتاين فكرة جيدة -كما قلت سابقًا- إلا أننا مضطرون لإعادة تقييم نظرية الجاذبية في حال توصلنا إلى حقائق تختلف عما توقعناه. لا نعتقد بأن هذا سيحصل، لكن تبقى كل الاحتمالات واردة».


ترجمة: آلاء أبو شحوت
تدقيق: جعفر الجزيري

المصدر