من الوارد جدًا أنه قد سبق لك وسمعت بالثقوب السوداء؛ يُعتقد أنه يوجد واحد في قلب كل مجرة. حتى أننا صورنا أحدها، الذي من المحتمل أن يكون هو الثقب الذي يقع في مركز مجرتنا، إلا أنها ما تزال أجسامًا يكتنفها الكثير من الغموض حتى الآن. لكن هل سبق لك أن سمعت بالثقوب البيضاء، التوائم الشيطانية للثقوب السوداء؟

ما الثقوب البيضاء؟

الثقب الأبيض هو مكون افتراضي من مكونات الكون، ويعتبر المقابل النظري للثقب الأسود.

الثقوب السوداء هي أجسام تنتج حقلًا قويًا من الجاذبية لدرجة أن لا شيء بجواره يمكنه الهرب منه -بما في ذلك الضوء-. مباشرةً، وعلى حافة هذه الهاوية يقع أفق الحدث، الحد الذي يجب أن تتحرك عنده بسرعة أعلى من سرعة الضوء لتستطيع الهرب من قوة جاذبية الثقب الأسود. وحسب النظرية النسبية الخاصة لأينشتاين: لا شيء في الفضاء يمكنه أن يتحرك بسرعة أكبر من سرعة الضوء.

تقوم الثقوب السوداء بابتلاع المعادن وضغطها في كرة ذات كثافة غير محدودة تسمى المتفردة، إذ يمكن للثقوب السوداء أن تكون لها كتلة ملايين الشموس مضغوطة في حجم شمس واحدة. مع ذلك، إذا نظرت إلى أحدها فستكون غير مرئية، ببساطة لأنها لا تسمح للضوء بالخروج منها. وبدلًا من ذلك فإننا نعلم بوجودها هناك انطلاقًا من الطريقة التي تقوم بها الأجسام الضخمة (أي ذات الجاذبية الهائلة) بتشويه نسيج الزمكان حولها، وهذا ما تقوله النظرية النسبية العامة لأينشتاين.

تُوصِّل إلى احتمالية وجود الثقوب البيضاء اعتمادًا على نفس مفاهيم النسبية العامة الخاصة بالثقوب السوداء. يُتوقع أن تكون لها جاذبية وبذلك تجذب الأجسام، لكن أي شيء في مسار تصادم مع ثقب أبيض لن يصل إليه أبدًا، لأن الثقوب البيضاء لا تسمح لأي شيء بالدخول إليها بما في ذلك الضوء والمادة، يعني أن آلية عملها معاكسة لآلية عمل الثقوب السوداء، فهي تبعث المادة والطاقة باستمرار، وتمنع أي شيء من الدخول ثانية وعبور أفق حدثها. فإذا نظرت إليها فإنها ستبدو تمامًا مثل الثقوب السوداء (إذا كان بإمكانك رؤيتهم) لكن بالمقابل سترى الضوء والمادة يتدفقان خارجًا في الفضاء.

ماذا سيحدث إذا اقتربت من الثقوب البيضاء؟

نظريًا، إذا اقتربت من ثقب أبيض في سفينة فضاء فستغمرك كمية هائلة من الطاقة التي من المحتمل أن تدمر سفينتك. حتى لو قاومت مركبتك الفضائية أشعة غاما فإن الضوء نفسه سيبدأ في إبطائك مثلما يبطئ الهواء العربات المتحركة فوق الأرض.

حتى لو كانت سفينتك الفضائية مصممة لعدم التأثر بانبعاثات الطاقة، فإن الزمكان سينحني بشكل غريب حول الثقب الأبيض وسيكون الاقتراب من الثقب الأبيض عسيرًا جدًا. فكلما اقتربت سيكون التسارع المطلوب أعلى وأعلى بينما أنت تتحرك ببطء تدريجيّ. باختصار، لا توجد طاقة في الكون تمكنك من الاقتراب منه فما بالك بالدخول إليه.

هذا بكل انصاف شيء غير متوقع حدوثه، فكيف للطاقة في الثقب الأبيض أن تبدوا وكأنها آتية من اللامكان وليس من الزمكان نفسه؟ وهذا أحد الأسباب لكون وجودها غير محتمل. مع ذلك، فإن هنالك بعض النظريات التي تكون الثقوب البيضاء ممكنة فيها، لكن ربما ليس تمامًا مثلما وصفتها النسبية العامة.

كيف تتشكل الثقوب البيضاء؟

يمكننا أن نجد القليل من الفرضيات حول كيفية تشكل الثقوب البيضاء. تعود إحداها إلى عالم الكون إيغور نوفيكوف سنة 1964. تقول هذه الفرضية أن الثقوب البيضاء هي التوائم الشيطانية للثقوب السوداء. وبنى نوفيكوف نظريته على عمل الفيزيائي كارل شفارتسشيلد الذي افترض وجود ثقوب سوداء بالإضافة إلى ما نسميه الآن بالثقوب الدودية التي يمكن للأشياء نظريًا أن تعبرها مسافات هائلة بين آفاق الحدث والنسخة النظرية المقابلة للمتفردة.

حسابيًا، أظهر الفيزيائيون أن وجود الثقوب البيضاء ممكنًا، لكن لم يستطيعوا فعل ذلك في الواقع، لأنهم لم يتمكنوا من صياغة الطريقة التي يمكن أن تتشكل بها إذا كانت المقابل للثقوب السوداء. فالثقوب السوداء تتشكل عند موت نجم وانهياره، والمقابل أو العكس سيكون إذا انفجر ثقب أسود ليشكل نجمًا، الشيء الذي ينتهك قواعد الإنتروبيا (القصور الحراري).

تقترح فرضية أخرى أنه عند نهاية حياتها، تصبح الثقوب السوداء ثقوبًا بيضاء، رغم أن هذا كان باختصار شديد. في 2014، طوّر عالم الفيزياء النظرية كارلو روفيلي نموذجًا يقترح أنه عند انتهاء حياة الثقوب السوداء، تتحول إلى ثقوب بيضاء، مفرغة في الفضاء بشكل انفجاري كل المعادن التي سبق لها وابتلعتها.

ووفقًا لهذه الفرضية، سيحدث التحول من ثقب أسود إلى ثقب أبيض مباشرة بعد التشكل الأولي للثقب الأسود. وبنوا نموذجهم على نظرية تسمى «الجاذبية الكمية الحلقية»، فالجاذبية والزمكان مُكَمَّيَيْن ومنسوجين من حلقات فردية رقيقة لا يمكن تقسيمها أكثر. فعندما ينهار نجم تحت تأثير جاذبيته، فإنه يبدأ بالانكماش بشكل متواصل، لكنه في الواقع يصل إلى مستوى لا يمكنه أن يصبح أصغر لأن الحلقات لا يمكنها أن تنضغط أكثر.

عند هذه النقطة، تمارس الحلقات ضغطًا خارجيًا يسمى «القفزة الكمية»، ما يحول الثقب الأسود إلى ثقب أبيض. حسب تقديرات التصميم الأولي لروفيلي، فإن الثقب الأسود لا يستغرق أكثر من بضع آلاف من الثواني ليتحول إلى ثقب أبيض. على الرغم من أن هذا يعني أن التحول تقريبًا لحظيًا، فإن الثقوب السوداء ما تزال تبدو لنا أنها تدوم من مليارات إلى تريليونات السنوات لأن جاذبيتها توسّع طول موجات الضوء وتمدد الزمن.

هل الثقوب البيضاء موجودة؟

الثقوب البيضاء ما تزال مفهومًا نظريًا، على الرغم من أن الأمر قد يرجع إلى فهمنا الحالي للفيزياء.

يُعتقد أن الثقوب البيضاء غير مستقرة بشكل كبير، فهنالك فرص قليلة جدًا لحدث كوني يقذف هذا القدر الهائل من الطاقة أن يحافظ على نفسه مدة كافية ليرصده التلسكوب. يقول البعض إنه إذا اصطدم الثقب الأبيض في أثناء طرده كل هذه المادة بأي مادة أخرى في مداره، يمكن أن ينهار كل شيء على نفسه ويصبح ثقبًا أسود، منتجًا بذلك حلقة لا نهائية من الثقوب السوداء ثم الثقوب البيضاء ثم الثقوب السوداء وهكذا دواليك. كما أشار ستيفن هاوكينغ بنفسه إلى أنهما بإمكانهما أن يتصرفا بشكل متشابه يجعلنا غير قادرين على التمييز بينهما.

طُرحت العديد من الظواهر لتكون ثقوبًا بيضاء محتملة. واختيرت غالبًا لأنها أشياء غامضة لم نستطع بعد تفسيرها بالتفصيل مثل انفجارات أشعة غاما والنجوم النابضة سريعة الدوران والثقوب السوداء وهي تصل إلى نهاية حياتها. حتى الانفجار العظيم وُصف بأنه ثقب أبيض.

للآن لم يُلاحظ أي ثقب أبيض بشكل مباشر، وحتى وجودها النظري يطرح العديد من الأسئلة. يبدو أن الثقوب البيضاء ستُعتبر مالئ فراغ إلى أن تأتي ملاحظات أكثر أو نظرية أفضل.

على الرغم من ذلك، فإنه من الجدير بالذكر أن اينشتاين نشر نظريته النسبية العامة التي تتنبأ بوجود الثقوب السوداء سنة 1915 ولم يُثبت وجود أول ثقب أسود حتى سنة 1971.

اقرأ أيضًا:

الثقوب البيضاء .. التحول من القوانين الرياضية لحقائق كونية

الثقوب الدودية: جسور في نسيج الزمكان

 

تدقيق: دوري شديد

المصدر