كتب هنري بون، أستاذ علم الإنسان الإفريقي القديم وممارسات الصيد القديمة في جامعة ويسكونسن: إنه نوفمبر، صبيحة افتتاح موسم صيد الغزلان في ويسكونسن، أقف مختبئًا بين الأشجار في الغابة، وسط أرض لا يسيطر عليها الإنسان، إذ يستوطنها الغزال أبيض الذيل على مدار العام.

أرى ستة غزلان وظبيًا، عندما تتحرك بعيدًا أشعر بالفضول، ماذا ستفعل إذا أطلقت النار؟

يتردد صدى طلقاتي في الوادي الضيق ما يُصَعِّب تحديد مصدر الضوضاء، وبعد أن يهدأ الصوت تنطلق الغزلان من فجوة بين الأشجار وتختفي بين الأغصان بعيدًا عني.

أحبس أنفاسي لأن الظبي يقترب نحوي على بعد 25 ياردة فقط، أصوّب، أطلق النار. أشعر بأني محظوظ، لكنني أشعر بالأسف أيضًا لأن يومي الطويل في الغابة قد انتهى مع الكثير من الأعمال المعلقة.

الغزال أبيض الذيل

الغزال أبيض الذيل

من المُسَلَّم به أن فهمي لعادات الغزلان -إلى جانب الحظ- ساعدني على صيدها. يمكن الصياد الحديث الذي لديه معرفة بسلوك الغزال أبيض الذيل والأسلحة الحديثة المتطورة أن ينصب كمينًا ناجحًا، لكن ذلك يثير تساؤلات حول قدرات الصيد البشرية، هل يمتلك الإنسان الحديث القدرات الجسدية والحسّية للصيادين القدامى؟ أم أننا فقدنا تلك المهارات بسبب اعتمادنا على التكنولوجيا؟

إجابتي القصيرة على كلا السؤالين هي: نعم.

أثبتت التحليلات الحديثة من المواقع الأثرية في أولدفاي جورج، في الأخدود العظيم شرق إفريقيا قدرة البشر الذين عاشوا منذ مليوني عام على نصب كمين لفريسة بحجم الثَيْتَل الأفريقي (النو) باستخدام رماح خشبية بسيطة من مسافة قريبة، أعتقد أن البشر اليوم ما زالوا يمتلكون قدرات القدماء، ومع ذلك تظل هذه المهارات غير متطورة، لأننا نستطيع العيش دونها حاليًا.

الثيتل الأفريقي (النو)

الثيتل الأفريقي (النو)

ربما كان على القدماء الاعتماد على حواسهم لتعويض قيودهم المعرفية، للبقاء على قيد الحياة بوصفهم صيادين في مجتمع السافانا الأفريقي المزدحم بالحيوانات آكلة اللحوم والفرائس المتكيفة مع البيئة جيدًا، أما اليوم فالناس لديهم أدمغة أكبر بضعفين إلى ثلاثة أضعاف مقارنةً بأدمغة القدماء، ما حفّز اختراع أسلحة الصيد المتطورة، لذلك يمكن البشر اليوم الصيد مع اعتماد أقل على الحواس الأساسية، والاعتماد بدلًا من ذلك على التكنولوجيا المتقدمة.

لكن بالنظر إلى أمثلة على الصيادين التقليديين الباقين إلى اليوم، نجد أنهم يمتلكون مهارات حسية متطورة وأسلحة فتاكة، فرجال هادزا في شمال تنزانيا مثلًا، يغادرون المخيم يوميًا للسير في غابات السافانا بحثًا عن الطعام، مسلحين بأقواس طويلة خشبية ومجموعة من السهام المسمومة، لكن يفشل الصيد غالبًا حتى في الأماكن الغنية بالحيوانات. البديل الأكثر نجاحًا هو نصب الكمائن فوق حفر المياه نهارًا وفي الليالي المقمرة في موسم الجفاف. هذا مثال على التكيف واستخدام التكنولوجيا القاتلة.

على العكس، فإن صحراء كالاهاري في جنوب أفريقيا بها كثافة أقل للحيوانات البرية وفرص أقل للصيد، مع ذلك يتمتع صيادو كالاهاري بمهارات تُعَد أسطورية، لسبب وجيه هو أنهم بحاجة إلى الاستفادة من أي اتصال بالحيوانات، فبذل الوقت والجهد في اللحاق بالحيوان أمر يستحق العناء، لأن الفرص قليلة جدًا.

توضح هذه الأمثلة أن البشرية لم تفقد القدرات الحسية للصيد، ويتضح ذلك في طرق الصيد اليوم، لكن غالبًا ما تظل هذه المهارات غير متطورة في المجتمعات الحديثة لأننا نستطيع تعويضها بواسطة التكنولوجيا المتطورة، ففي مجتمع الصيادين المعاصرين، نجد العديد من الأعضاء المتفانين المهرة الذين يعملون جيدًا بميزات تكنولوجية أقل، ويختارون استخدام الأقواس الطويلة التقليدية بدلًا من الأقواس المركبة أو الأسلحة النارية، لأنها تمثل إضافةً إلى المهارات الأساسية والحرف الخشبية.

في موسم الصيد الحالي، أتحداك أن توجه المهارات والحواس التي ورثتها من أسلافك، وأن تنضم إلى الميدان، وتراقب وتتدرب وتستعد، وتتمتع بالصيد.

اقرأ أيضًا:

الصيد غير المشروع يتسبب في تطور فيلة بدون أنياب

اكتشاف غزال غامض برأسين في غابة والعلماء يحللون

ترجمة: منتظر صلاح

تدقيق: أكرم محيي الدين

المصدر