مع تطور التكنولوجيا، هل سنفقد الحاجة إلى العملة المادية؟ تبعًا لبيانات مجلس الاحتياطي الفيدرالي، في الولايات المتحدة وحدها، يشكل النقد ما مجموعه 1.7 تريليون دولار. مع ذلك، ومع التطور المستمر للتكنولوجيا، هل يمكننا الاقتراب من التحول إلى مجتمع غير نقدي؟

مع أن احتمال فقدان عملة وطنية فعلية قد يبدو دراميًّا جدًا، فإن أنصار الاقتصاد غير النقدي ليسوا فقط مشجعي أحدث العملات المُشفرة -المعماة- التي تغمر السوق. يعتقد بعض الخبراء في الواقع أن النقد يساعد على استمرار جوانب مظلمة معينة من اقتصادنا، والقضاء عليها قد يساعد على تقليل آثار الجرائم المعتمدة على المعاملات المالية التي لا يمكن تتبعها.

يقول كينيث س. روغوف، أستاذ السياسة العامة والخبير السابق في صندوق النقد الدولي: «كنت أكتب عن موضوع العملات الورقية منذ عشرين عامًا، وعندما بدأت بالبحث في الأمر لأول مرة، كان ما صدمني هو كم العملة المتداولة، ومقدار ما تضمنه ذلك من العملات الورقية ذات القيمة الاسمية الكبيرة».

وفقًا لروغوف، فإن هذا الاتجاه شائع جِدًّا في العديد من الاقتصادات المتقدمة، إذ يُستخدم الكثير من الأموال لتمويل الأنشطة غير القانونية، مثل التهرب الضريبي والاتجار بالبشر وتجارة المخدرات.

بات من الواضح على نحو متزايد -مع الاعتماد على النقد في قسم كبير من الاقتصاد السري، اقتصاد الظل أو الاقتصاد الأسود- أن خفض كمية النقود المادية المتداولة قد يساعد على الحد من بعض أشكال الجريمة وتعزيز التنظيم المالي. لكن هل هذا ملائم حقًّا؟

هل علينا أن نتخلى عن النقود - مجلس الاحتياطي الفيدرالي - التحول إلى مجتمع غير نقدي - التخلص من استخدام النقود - توقف الحاجة للمال

اقتراح للحصول على أموال أقل:

إن طباعة العملة لا تكلف الكثير، ونجمع الكثير من المال منها، إذ تكمن جاذبية النقود في قدرتها على التولد والتوزيع بكل سهولة. مع ذلك يؤكد روغوف أن الأموال النقدية قد تكلف الحكومات أكثر من الفوائد التي تعود عليها. والواقع أن تقديرات مصلحة الضرائب الأميركية تشير إلى أن التهرب الضريبي في الولايات المتحدة يكلف الحكومة الفيدرالية وسطيًّا نحو 458 مليار دولار سنويًا، وهذا الرقم قابل للارتفاع.

قد يساعد تشديد الرقابة على النقد على تقليل هذه الخسائر كثيرًا، إلى جانب الصعوبة المتزايدة في إجراء المعاملات غير القانونية. لكن عندما نبدأ بالتحرك في هذا الاتجاه، توجد بعض الأشياء التي يتعين علينا أخذها في الحسبان، على حد قول روغوف: «ليس علينا بالضرورة أن نفعل هذا بين ليلة وضُحاها، لأن ذلك سيسبب كل أنواع الفوضى».

النقد مقابل التشفير

في حين أن العملات المشفرة -المُعماة- مثل بيتكوين قد تبدو خيارًا جيدًا، فإنها تخلق تحديات مماثلة، إضافةً إلى بعض المشكلات الجديدة. هذه العملات التي صُممت مع وضع الخصوصية في الحسبان، ليست مملوكة لأي دولة، لذلك تصعب السيطرة عليها. وقد تكون عُرضة لتقلبات متزايدة عند فرض لوائح جديدة خاصة بها، ما يجعلها أخطر من النقد، ولو مؤقتًا.

ومع ذلك، مع أن النقد قد يكون بديلًا أكثر أمانًا للعملات المشفرة، فإنه في العديد من المعاملات اليومية، غالبًا ما تحتل العملات مرتبة متدنية عمومًا. وقال روغوف: «في المعاملات التي تبلغ قيمتها 50 دولارًا أو 100 دولار، يحتل النقد المرتبة الخامسة بعد بطاقات الاستدانة وبطاقات الائتمان والشيكات والتحويلات الإلكترونية»، وأضاف أن المعاملات النقدية الصغيرة والمعاملات غير القانونية تعتمد عادةً على النقد بوصفه الخيار الأكثر عملية.

ما الحل؟

مع أن تقليل كمية العملة المتداولة قد يساعد على الحد من بعض المشكلات التنظيمية الحالية، ما زلنا بعيدين عن العمل بوصفنا مجتمعًا غير نقدي. يقول روغوف: «بسبب أمور تتعلق بالخصوصية وتداول العملة، أعتقد أننا سنحتاج دائمًا إلى العملة المادية». موضحًا أنه يجب أن نخفف اعتمادنا على العملة النقدية بدلًا من التخلص منها نهائيًّا، وأضاف: «قد لا نعتمد على الورق دائمًا، وقد تظهر أشياء أخرى يومًا ما، لكنني أعتقد أننا في حاجة إلى عملة مادية فعلية». حتى لو استمرت التكنولوجيا في إعادة تشكيل علاقاتنا المالية، فما زال من الممكن الاحتفاظ بالنقود.

اقرأ أيضًا:

الدفعة التيسيرية

قواعد الإسناد

ترجمة: منىٰ جسام

تدقيق: علي البيش

مُراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر