من الواضح أنّ هرمون الحمل الأساسي يعمل بشكل مختلف في البشر، وليس بالطريقة الجيدة. لا يعتبر الحمل عند البشر عملًا سهلًا، وتكون مرحلة الحمل طويلة وخطيرة على غير المعتاد وبخلاف الثدييات الأخرى، وقد يكون لهذا الأمر علاقة بالمورثة الإنجابية الرئيسية. يؤدي هرمون البروجستيرون دورًا أساسيًا في بيولوجيا الثدييات ، فهو يساعد على تنظيم جميع جوانب الإنجاب لدى المرأة، بدءًا من الحيض ثم انغراس البويضة الملقحة ووصولًا إلى الحمل، وقد تطور مستقبله في البشر بطريقته الغامضة، إذ خضع الجين الذي يُشفر هذا المستقبل لتطور سريع في جنسنا البشري، لكن هذا لا يعني أن وظيفته في الحمل البشري ذات فوائد أكثر.

في الواقع، توصل بحث جديد إلى أن قوة الانتقاء الطبيعي كانت عمومًا ضعيفةً جدًا على هذا الجين خاصةً، إذ تراكم في طريقه طفرات كثيرة ضارة.

يقول عالم الأحياء فنسنت لينش من جامعة بافالو: «كنا نتوقع شيئًا مختلفًا تمامًا»، «يكشف الانتخاب الطبيعي هذه المشكلة التي لم نتوقعها».

يوجد اليوم أدلة متناقضة بشأن ما إذا كان جين مستقبل البروجستيرون قد انتُخب انتخابًا طبيعيًا إيجابيًا في نمو الإنسان، وبينما تشير بعض الأبحاث التي تقارن بين الإنسان، الشمبانزي والفئران إلى أنّ هذه المورثة قد جمعت عدة فوائد بمرور الوقت، لم تعثر الأبحاث الأخرى التي تقارن بين جينات الإنسان والشمبانزي وقردة المكاك على شيء كهذا.

تستند الدراسة الجديدة إلى مجموعة بيانات تضم أكثر من 100 جين من جينات مستقبلات البروجستيرون المستمدة من عدد كبير من الثدييات، تشمل الدلافين وكذلك الرئيسيات (أحد رتب الثدييات) بما في ذلك الإنسان القديم كالنياندرتال (البدائيون) والدينيسوفان (جنس الهومو)، ويزعم الفريق في تحليلاته أنه قد عثر على تفسير التناقض السابق: «يمكن ببساطة ألا تتحول بعض النماذج الحيوانية إلى البشر».

في علم الأحياء، يتوسط مستقبل البروجستيرون العديد من الوظائف الهرمونية في الجسم. وعند حدوث اتصال بين البروجستيرون وأحد هذه المستقبلات، فإنه يحفز العمليات التي تستطيع الحفاظ على الحمل من خلال منع انقباض الرحم أو حدوث الالتهاب، ولكن الجين الذي يُصدر تعليمات حول طريقة تقديم هذه المستقبلات يكشف عن اختلافات كبيرة في جنسنا البشري.

هل فشل الانتخاب الطبيعي في انتقاء هرمون البروجستيرون - يؤدي هرمون البروجستيرون دورًا أساسيًا في بيولوجيا الثدييات - تنظيم جميع جوانب الإنجاب لدى المرأة

يذكر المؤلفون في مقالاتهم التالي: «لقد وجدنا أنّ صيغ مستقبلات هرمون البروجستيرون البشري قد حدث تغير في عملها، مما يشير إلى أنّ الإجراءات التي ينظمها البروجسترون قد تختلف في البشر أيضًا»، ويضيفون: «تشير نتائجنا إلى الحذر عند محاولة تطبيق الاستنتاجات المستمدة من النماذج الحيوانية على بيولوجيا البروجستيرون البشري».

وعلى سبيل المثال، لقد كشفت الأبحاث الحديثة أنّ لدى البشر تنوع وراثي كبير وغير متوقع في مستقبلات البروجستيرون تلك، وارتبط ذلك بشدة مع المشاكل الطبية كالولادة المبكرة وتطور سرطانات المبيض. فهل يا ترى سيعرّضنا مستقبل البروجستيرون البشري إلى المزيد من المخاطر في أثناء الحمل؟ في هذه الحالة، فإن الانتخاب الإيجابي لا يبدو كأفضل تفسير لتطوره.

لم يعثر المؤلفون على أي دليل على الانتقاء الإيجابي عن طريق إحياء أشكال مستقبل البروجستيرون السلفية، ثم اختبار قدرتها على ضبط المورثة الهدف والتي كانت قد عُرفت باستجابتها لوجود الهرمون.

وعوضًا عن ذلك، يزعمون أنّ «وقائع الانتقاء المنقي المريح» غيرت للغاية من وظيفة مستقبل هرمون البروجستيرون البشري. علاوةً على أنها قد تؤثر في البيولوجيا التناسلية لدينا، وليس دائمًا للأفضل.

يقول لينش: «وجدت أن مورثة مستقبل البروجستيرون قد تطورت من أجل تحسين الاستجابة للبروجستيرون، لتكون أفضل في تثبيط الالتهاب أو انقباضات الرحم وذلك من أجل الحفاظ على الحمل مدة أطول».

لكن: «يبدو الأمر عكس ذلك: إذ يوجد مقدار هائل من هرمون البروجستيرون في الحمل البشري ، إلا أنّ تأدية الجين لعمله أقل جودة».

يصرح المؤلفون بأن دراستهم لا تشمل أنواع الخلايا الأخرى التي تستجيب لهرمون البروجستيرون، ومستقبله الأساسي. ومع ذلك، فهم يرون أنّ نتائجهم ستتماشى مع أنواع الخلايا الأخرى والحالات الأخرى غير الإنجاب.

ما يزال من الصعب إثبات أي شيء على جين واحد، نظرًا إلى مدى تفاوت هذه العوامل في بيئات محددة. يعتبر الحمل عمليةً شديدة التعقيد، بالإضافة إلى وجود تساؤلات أساسية ما زالت دون إجابة كسبب دخول المرأة مرحلة المخاض.

وأوضح غاري شاو، طبيب الأطفال من جامعة ستانفورد، خلال عام 2018 أنّ: «من غير المرجح أن تحدث الحالات المعقدة مثل الخداج نتيجة سبب بيئيّ أو وراثيّ بالكامل».
«إنّ الذي يُحدث فرقًا في المخاطر هو التقاء المورثات والبيئة».

نُشرت الدراسة في مجلة بلوس جينيتيك الطبية.

اقرأ أيضًا:

الانتخاب الطبيعي يحدث أمام أعيننا! لأول مرة يشهد العلماء تغييرًا في تشريح الفصائل

كيف يعمل الانتخاب الطبيعي ؟

ترجمة: سارة إيليا وسوف

تدقيق: إبراهيم قسومه

مراجعة: صهيب الأغبري

المصدر