لم يُفارق القمر الأرض لمليارات السنين، قد لا ندرك شكله الحقيقي وحجمه في أثناء دورانه حول كوكبنا، لكن تبقى حقيقة أنه تبوأ لنفسه مكانًا في السماء. فهل يمكن أن يتغير ذلك؟

من الأفكار التي صورتها بعض روايات الخيال العلمي، تصوُّر القمر بوصفه هيكلًا اصطناعيًا عملاقًا من صنع كائنات فضائية ذكية. لكن هل يوجد أي جسم طبيعي في الفضاء يمكنه حقًا إخراج القمر عن مداره؟ إذا أخذنا في الحسبان عشرات الآلاف من الكويكبات والمذنبات التي تدور حول النظام الشمسي، هل يمكن صخرة كبيرة نسبيًا الاصطدام بالقمر وتحويله إلى قذيفة تهدد الأرض؟

قمرنا جسم صخري صلب تحيط به طبقة رقيقة جدًا من الغاز تُعرف باسم الغلاف الخارجي. تشكَّل القمر في الوقت ذاته تقريبًا الذي تشكلت فيه الأرض، منذ نحو 4.5 مليارات سنة. تشير فرضية مقبولة على نطاق واسع إلى أن القمر نشأ من أنقاض صخرية، نتيجة تصادم كوكب الأرض في بدايته مع كوكب أولي يصغره حجمًا، يُعرف باسم ثيا. تقترح فرضية أخرى تشكُل كل من القمر والأرض عقب تصادُم جسمين، يبلغ حجم كل منهما خمسة أضعاف حجم المريخ.

يدور القمر على بعد نحو 385,000 كم من الأرض، وتقدر كتلته بأكثر من 7.35 × 10^22 كيلوجرام، أي ربع حجم الأرض تقريبًا. إذا كانت الأرض بحجم عملة معدنية، فسيكون القمر بحجم حبة بازلاء.

قال بول كوداس، مدير مركز دراسات الأجسام القريبة من الأرض، التابع لمختبر الدفع النفاث، في باسادينا- كاليفورنيا: «تُظهر صور القمر أن سطحه مليء بالحفر متباينة الأحجام، التي نتجت من اصطدامات سابقة. نتج معظمها منذ مليارات السنين، حين كان نظامنا الشمسي يعج بالحطام الكوني».

معظم الحطام الصخري الذي كوّن الكواكب وامتلأ به النظام الشمسي يومًا ما لم يعد موجودًا. يقول كوداس: «انخفض عدد الاصطدامات كثيرًا الآن، الأجسام المحتمل ارتطامها بالأرض أو القمر أصبحت أقل بكثير».

يتعرف مركز الدراسات على الأجسام القريبة من الأرض ويتتبعها، مثل الكويكبات والمذنبات، لتحديد هل تُشكل تهديدًا على الأرض أو القمر أو جيراننا الكونيين الآخرين، أم لا.

حتى الآن، يتتبع المركز نحو 28,000 جسم من الأجسام القريبة من الأرض، وهي أجسام تقع على بُعد 1.3 وحدة فلكية (194.5 مليون كيلومتر). عمومًا فإن احتمال اصطدام الكويكبات بالقمر أقل بكثير من الاصطدام بالأرض، يغري كوكبنا الصخور المنحرفة، فهو هدف أضخم وأقوى جاذبيةً من القمر، فتنجذب الصخور إليه.

«عندما يستعرض العلماء الخطر الذي يمثله كويكب مندفع، يولون اهتمامًا خاصًا للحجم. يجب أن يبلغ قطر الجسم 140 مترًا على الأقل حتى يشكل تهديدًا محتملًا. كي يؤثر اصطدام كويكب في مدار القمر، يجب أن يكون على الأقل بحجم القمر ذاته. القمر كبير، لذا يجب أن يكون الجسم المصطدم ضخمًا وسريعًا. يجب أن تصدمه بشيء يبلغ قطره مئات الكيلومترات».

لحسن حظنا، لا توجد أي كويكبات معروفة في النظام الشمسي تقارب القمر في الحجم. أكبر كويكب معروف يصغره في الكتلة بنحو 70 مرة، ويدور بين المريخ والمشتري في حزام الكويكبات الرئيسي، على بعد نحو 180 مليون كيلومتر من الأرض.

يستبعد ذلك احتمال أن يزيح كويكب من النظام الشمسي القمر عن مداره، ولكن ماذا عن جسم من صنع الإنسان؟ لقد اصطدم صاروخ فالكون 9 التابع لسبيس إكس بالقمر، بعد سبع سنوات من إطلاقه عام 2015. وذلك في مارس 2022.

نفد وقود الجزء الصاروخي، الذي يزن نحو 4 أطنان، بعد أن أوصل مرصد المناخ في الفضاء السحيق، وهو قمر صناعي لمراقبة مناخ الأرض والعواصف الشمسية، ويُعد مشروعًا مشتركًا بين ناسا والإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي.

سار المعزز الفارغ بسرعة 9,288 كم/ساعة مخترقًا الفضاء قبل أن يرتطم بالجانب البعيد من القمر يوم 4 مارس، الساعة 7:25 صباحًا بتوقيت شرق الولايات المتحدة، ونتج عن الارتطام حفرة قطرها نحو 20 مترًا.

قال كوداس إن مدار القمر لن يتأثر. مع ذلك، راقب مركز دراسات الأجسام القريبة من الأرض مسار الصاروخ من كثب، مع أن المركز لا يتتبع الأجسام الاصطناعية عادةً.

اقرأ أيضًا:

الاستعانة بالذكاء الاصطناعي للنظر إلى حفر القمر المظلمة

تزعم شركة «سبيس إكس» أنها ستعيد البشر إلى القمر قبل عام 2024!

تمايل في مدار القمر قد يسبب فيضانات غير مسبوقة في العقد المقبل

ترجمة: عصماء عصمت

تدقيق: حسام التهامي

المصدر