إمكانية علاج تعفن الدم (Sepsis) بالفيتامينات الشائعة سلطت الضوء مرة أخرى على واحد من أعظم الكائنات التي سببت الموت للأحياء على مر التاريخ.

اكتُشف تعفن الدم منذ فترة طويلة، وقد ذُكر تعفن الدم في كتب الطب من عهد ابقراط (وهو طبيب ومدون لكتب الطب).

يحدث تعفن الدم عندما يستجيب الجهاز المناعي بصورة عالية للإصابة بالجراثيم.

تنتج عن تعفن الدم مضاعفات تصل إلى تكوين الجلطات وفشل الأعضاء مؤديًا للموت.

كان تعفن الدم من أهم المضاعفات التي أدت إلى الموت عند الجرحى قبل اكتشاف أهمية تعقيم الأدوات وتوافر المضادات الحيوية.

لكن اليوم، هناك مئات الآلاف في الولايات المتحدة الأمريكية يصابون بتعفن الدم سنويًا، حوالي 25-50% منهم تكون إصاباتهم مميتة.

يعدّ تعفن الدم واحدًا من الأسباب التي تؤدي إلى موت المرضى في المستشفيات، وبالأخص مرضى العناية المركزة.

إعطاء المريض المضاد الحيوي المناسب والسوائل عن طريق الوريد بمراحل مبكرة من الإصابة تزيد من احتمالية الشفاء مع الفحوصات، لمتابعة حالة المريض في حال ظهرت علامات الإصابة أو فشل في أحد الأعضاء.

وقد وضح الدكتور جوناثان سيفرانسكي (Jonathan Sevransky) العامل على المرضى ذوي الحالات الخطيرة في مستشفى اتلانتا في جامعة ايموري بقوله: «لدينا علاجات بسيطة نعمل بها ولكن العلاجات الأكثر تخصصًا وتطورًا لم تعمل على حل المشكلة».

لعلاج تعفن الدم على الطبيب أن يعالج الإصابات الكامنة، بالإضافة إلى المضاعفات الناتجة من ضعف استجابة الجهاز المناعي، حسب ما أضاف سيفرانسكي.

كما وضح أنه لا يوجد فحص بسيط لتشخيص تعفن الدم، وهناك خطورة على المرضى في العناية المركزة تحديدًا.

وأضاف: «يموت واحد من ثلاثة، أو واحد من اثنين من المرضى في المستشفيات بسبب تعفن الدم، يكون هذا أحيانًا بسبب أن المرضى يعانون من مشاكل عديدة أخرى لا يمكن علاجها وعلاج التعفن في نفس الوقت، لكن في أحيان أخرى يكون بسبب عدم الاكتشاف المبكر لتعفن الدم، ولذلك يؤدي إلى الموت».

تغيرت النظرة لمشكلة تعفن الدم في الآونة الأخيرة بعد استخدام الأطباء في فيرجينيا خليطًا علاجيًا يتضمن فيتامين ج، والكورتيزون (corticosteroids) وفيتامين ب1، يُعتقد أن هذه المزيج من الفتامينات يحارب فشل العضو والموت عند مرضى تعفن الدم.

خضع 47 مريضًا لهذا العلاج ضمن دراسة حديثة، قال الأطباء فيها أن العلاج نجح لدى كل المرضى عدا أربع حالات.

لكن الدراسة تضمنت عددًا قليلًا من المرضى في مستشفى واحد، ولذلك أشار مؤلف البحث إلى أن الإثبات القطعي لنتائج التجربة يحتاج إلى دراسة أوسع.

نتائج دراسة سابقة اقترحت قابلية فيتامين ج على تحسين جريان الدم للأنسجة لدى مرضى تعفن الدم، مما يساعد على تزويد الخلايا بالغذاء والأكسجين اللازم، وبالتالي منع تلف العضو.

بالإضافة إلى تركيز دراسات أخرى على إمكانية الحدّ من تفاعل الجهاز المناعي العالي الذي يقود إلى تعفن الدم.

وقد قال هانج هوبرت ين (Hang Hubert Yin) الاختصاصي في الكيمياء الحيوية في جامعة كولورادو: «الفعالية العالية للجهاز المناعي تجعل مرور الدم أصعب.

ومن الممكن أن تكون مضادات الالتهابات غير الستيرويدية (NSAIDs) -مثل ايبوبروفين ibuprofen- قادرة على تغيير هذه الاستجابة».
ين يدرس عائلة من الإنزيمات الطبيعية تدعى (caspases)، والتي تحفز نوعًا من الاستجابة المناعية العدوانية التي من الممكن أن تؤدي إلى حدوث تعفن الدم.

وعندما صنف مع زملائه قوائم الأدوية لأكثر من 1,200 دواء قادرة على كبح عمل (caspases)؛ وجد حوالي 12 من (NSAIDs) ضمن هذه القائمة.

هذه النتائج التي نشرت في شهر شباط ممكن أن تساعد الأطباء على إيجاد أدوية جديدة تساعد على علاج تعفن الدم وباقي المشاكل.

على الرغم من عدم خلو هذه الأدوية من بعض المخاطر: لاحظ ين أن مضادات الالتهابات غير الستيرويدية من الممكن أن تسبب مشاكل في القلب أو المعدة، وهذه المضاعفات تقتل أكثر من 16,000 شخص كل عام.

سوف يستغرق الأمر سنوات عديدة قبل اختبار (NSAIDs) لعلاج تعفن الدم في البشر.

لم تنجح بعض مضادات تعفن الدم من علاج المرض.

فقد فشلت المرحلة الثالثة من التجارب السريرية على عقار يستهدف بروتين مشارك في الاستجابة المناعية للجسم في عام 2011، بينما تم سحب علاجات أخرى هدفها تحسين جريان الدم عند مرضى تعفن الدم من الأسواق في نفس السنة بعد نتائج مخيبة للآمال.

ويوضح ين قائلًا: «من الصعب جدًا علاج تعفن الدم بالمستحضرات الصيدلانية.

حالما يصاب المريض بتعفن الدم فإنه يموت في غضون 24-48 ساعة.

قد تكون الجرثومة المسببة لتعفن الدم مقاومة للمضادات الحيوية، ولا يمكن حماية العضو التالف بهذه العلاجات».

يقول سيفرانسكي أن أهم ما على الطبيب فعله هو الاكتشاف المبكر لتعفن الدم، وهذا أمر صعب بحدّ ذاته.

أكثر الناس معرضون لتعفن الدم هم الأطفال الرضع وكبار السن الذين تجاوزوا 65 عامًا، والأشخاص الذين يعانون من ضعف الجهاز المناعي.

تتضمن أعراض تعفن الدم الحمى والقشعريرة والتعرق، مع آلام حادة أو شعور بعدم الراحة، وكذلك صعوبة في التنفس وارتفاع معدل ضربات القلب.

ويضيف ين أن من أهم المشاكل التي تواجه الطبيب هي الخلط بين الأعراض.

يقول سيفرانسكي: «أحيانًا تكون لدى المرضى أعراض يشتكون منها.

قد يشتكي شخص من الارتباك، ويشتكي آخر من قرحة أو مشكلة في التنفس؛ هذه الأعراض تقترح إصابتهم بالمرض، وليس بالضرورة أن يدركوا وجود التهاب يحتاج إلى علاج سريع».

بدأ مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) بحثّ الاطباء على أخذ احتمالية إصابة المريض بتعفن الدم بعين الاعتبار.

وعلى نفس الطريق اتخذته كل من جمعية علاج الحالات الحرجة (the Society for Critical Care Medicine)، ونظيراتها في أوروبا الجمعية الأوربية لطب العناية المركزة (the European Society of Intensive Care Medicine).

يقول سيفرانسكي: «إن تعفن الدم مرض مهم جدًا لأن كثيرًا من البشر يصابون به، ولكن قد تكون الإصابة غير معقدة؛ مما يدفع الأشخاص لعدم الاهتمام به.

هذا من الأمور الأساسية في الطب لكننا لا نعمل بالشكل الذي نطمح إليه».


  • ترجمة: آيات اللعيبي
  • تدقيق: دانه أبو فرحة
  • تحرير: ناجية الأحمد
  • المصدر