أظهرت دراسة جديدة نشرت في السابع عشر من آذار هذا العام في دورية frontier in psychology استطاعة الأشخاص الذين اكتسبوا لغتين بشكل متأخر تمييز سمات دقيقة و خاصة باللغة الثانية.

لنفترض سماعنا للجملة التالية: (أكلت لذيذة ماري تفاحة)، بالطبع سيكون وقعها غريبًا على أذن أي متكلم عربي وذلك لأن بنيتها لا تعكس الرغبة بإيصال الرسالة بشكل واضح.

لطالما ساد الإعتقاد بأنه «عندما يتعلم البالغ لغة ثانية فسيواجه حتمًا مشكلة عدم تطابق قواعد اللغة الثانية مع قواعد لغته الأم.

لكن تدعي دراسة جديدة أن باستطاعة البالغين تعلم لغة جديدة واستيعابها بشكل لا إرادي و مشابه لما هو الحال مع اللغة الأم.

ينقل عن إليونورا روسي Elenora Rossi الأستاذة المساعدة في علم النفس في جامعة UCR و أحد أعضاء فريق البحث قولها:

« يعد تعلم لغة جديدة بعد البلوغ أمر صعب، للعديد من السنين اعتقد العلماء أن أدمغة الأطفال فقط تمتلك القدرة و المرونة الكافية لتعلم لغة ثانية، وأن الأمر نفسه مستحيل بالنسبة للبالغين».

في العقدين الماضيين، سمحت لنا تقنيات الاختبار المتقدمة و تقنيات التصوير العصبي الثورية بمعالجة اللغة بشكل مباشر وغير جراحي، مما سمح لنا بفهم أفضل لكيفية معالجة الدماغ للمعلومة اللغوية حسب لغتين اثنتين.

ملخص الدراسة:

هدفت الدراسة إلى اختبار قدرة تعلم المتكلمين الإنكليز للغة الإسبانية كلغة ثانية، وركزت بالتحديد على درجة فهمهم لجمل إسبانية تحتوي على سمات دقيقة وخاصة بالنحو الإسباني، أي على سمات نحوية غير موجودة باللغة الإنكليزية عادة ما تعتبر صعبة التعلم لعدم وجودها ببنية وقواعد اللغة الإنكليزية.

مع العلم أن المشاركين بالدراسة كانوا متقدمين بدراسة الإسبانية لكنهم ليسوا متكلمين أصليين لها.

تم عرض جمل تحتوي على أخطاء دقيقة و طلب من المشاركين ما إذا كان باستطاعتهم تحديدها أم لا.

تخبرنا جودث كرول استاذة علم النفس في UCR:«خلافًا للاعتقاد القائم منذ زمن طويل باستحالة تعلم لغة ثانية و اكتسابها بشكل كامل قبل الطفولة المبكرة، توصلنا في دراستنا أنه باستطاعة المتكلمين الإنكليز البالغين تعلم الإسبانية و استيعاب خصائصها الدقيقة»، وتضيف «تقترح الدراسة أنه بإمكان البالغين تعلم ومعالجة لغة جديدة بشكل مشابه لاستخدام المتكلمين الأصليين لها».

كيف نفهم أثر هذه الدراسة؟

1-تعلم أم اكتساب ؟ ما الفرق؟

بداية ًعلينا التفريق بين تعلم لغة ما واكتسابها، فالتعلم عملية واعية أما الاكتساب فهي عملية ذهنية غير واعية (unconscious )، فتعلمنا للغة الإنكليزية في المدارس هو أمر واعي و مدرك من قبلنا وخاضع لإرادتنا، أما اكتسابنا للغتنا الأم، فقد تم بشكل غير واعي أو مدرك.

وتأتي أهمية الدراسات اللغوية بالنسبة للعلوم الإدراكية، وخاصة علم النفس الإدراكي لجهة الكشف و رصد العمليات الذهنية الغير واعية خلال اكتساب أو تعلم اللغات مما يسمح بفهم أفضل لكيفية عمل الدماغ البشري من جهة و حل ألغاز الملكة اللغوية من جهة أخرى.

2-كيف يتم الاكتساب الغير واعي؟ ومتى؟

لا يستطيع أي أحد كان في القرن الواحد والعشرين التحدث عن اكتساب اللغة أو اللغة بشكل عام دون التطرق إلى الفيلسوف و اللغوي الكبير نعوم تشومسكي، فكما ذكر في الدراسة: «يعد تعلم لغة جديدة بعد البلوغ أمر صعب، للعديد من السنين اعتقد العلماء أن أدمغة الأطفال فقط تمتلك القدرة و المرونة الكافية لتعلم لغة ثانية، وأن الأمر نفسه مستحيل بالنسبة للبالغين»

نتج هذا الإعتقاد بناءًا على جملة الأفكار الثورية التي طرحها تشومسكي في منتصف القرن الماضي ومازال تأثيرها حيًا إلى هذا اليوم، فبحسب تشومسكي يولد البشر وأدمغتهم مجهزة سلفًا لاكتساب لغة أي بيئة يعيشون بها خلال وقت قياسي (من ستة أشهر إلى 3 سنين) بغض النظر عن الجنس أو العرق أو مستوى الذكاء، وهذا مايدعم نظريته بأن اكتساب اللغة نوع خاص من الاكتساب ولا يشابه أي نوع آخر من التعلم مطلقًا.

فانطلاقًا من كمية قليلة نسبيًا من المدخلات اللغوية (input) وعلى الرغم من تشتتها وعدم انتظامها، يستطيع الطفل وفي وقت قصير نسبيًا فهم وقول (output) عدد لانهائي من الجمل وبعضها لم يسمعها أبدا من قبل، بالإضافة لقدرته على التعرف و تحديد الأخطاء في الجمل التي يسمعها، فأي طفل يستطيع تحديد الخطأ بالجملة التالية : (أكلت سامر البسكويتة) ليقوم ويطابق الفعل بشكل صحيح مع الفاعل المذكر وكل ذلك بدون أي توجيهات مسبقة.

3-مثال عن صعوبة تعلم خصائص اللغة الدقيقة

أي مدرس جامعي أو مدرسي للغة الانكليزية في الوطن العرابي، يلاحظ وبشكل يومي أنه وحتى أكثر الطلاب جدية و مهارة يقعون بين الحين و الآخر في هفوات قواعدية بسيطة وأشهرها “s” المطابقة بين الفاعل والفعل.

فهذا النوع من المطابقة في اللغة العربية غني جدًا بالمقارنة مع اللغة الإنكيزية ولا يقتصر على إضافة حرف واحد فقط مع جزء من الضمائر، بل يتعداها ليتغير شكل الفعل كله تقريبًا ويتنوع مع كل ضمير على حدى.

وفي حقيقة الأمر فلهذه الـs -البسيطة- دور مهم تلعبه في النظام الفعلي العميق للغة الإنكليزية فلكل لغة نظامها الفعلي الخاص الذي يعكس عمليات عقلية لا واعية يقوم بها المتكلم الإنكليزي بكل يسرعلى عكسنا طبعًا، كما نقوم نحن بمطابقة الفعل مع الفاعل المؤنث بكل يسر وسهولة بينما يكون الأمر شاقًا على متعلمي العربية كلغة ثانية وخاصة عند غياب الأمر في لغتهم الأم، ولنا بالأرمن أو الأكراد مثال حي بيننا على ذلك.

4- وأخيرًا…

لا يمكن إحصاء الدراسات السابقة التي أثبتت عكس نتائج هذه الدراسة :«تقترح الدراسة أنه بإمكان البالغين تعلم ومعالجة لغة جديدة بشكل مشابه لاستخدام المتكلمين الأصليين لها».

فعلى سبيل المثال لا الحصر يمكننا الرجوع إلى درسات اللغوي الانكليزي المختص في اكتساب اللغة Roger Hawkins”” التي امتدت لأكثر من خمس وعشرين سنة والذي خلص الى اِستحالة تعلم لغة ثانية بنفس فعالية اكتساب اللغة الأم.

ويمكن تحديد الأمر فقط بأن درجة تعقيد التراكيب الإسبانية التي عرضت على المتكلمين الإنكليز قد لا تكون بالتعقيد الكافي لتمنع تعلمهم و معالجتهم بشكل لا واعي أثناء القراءة.


  • إعداد: أوراس الجاني
  • تدقيق: أسمى شعبان
  • تحرير:عيسى هزيم
  • المصدر