هل وجد أحدهم حلًا نهائيًا لهذا السؤال:
هل الماء المُتدفق خلال المسرب يدور في اتجاهات مختلفة تَعتمد على نِصْف الكرة الأَرضي الذي توجد فيه؟ وإذا كان هذا صحيحًا فلماذا؟


هذا السؤَال قَد يبدو مِنَ الوَهلة الأُولَى أَنَّهُ مِن أَسئِلة الفيزياء البَسيطة، ولكنْ حتَى الآنْ مازَالت هُناك العديد من الخلافات الحادَّة حَولهُ. المشكلة الرئيسية هنا هيَ الفرق بين النظرية والتطبيق العملي: بينمَا مِن الناحية النظرية دوران الأرض قد يكون مؤَثراً على دوران الماء المُنصَرِف من مسرب، ولكن من الناحية العملية فإنَّ هذا التأثير قد يختفي بفعل تأثيرات أُخرى أقل إنتظامًا.

«براد هانسون» عالم جيولوجيا عُضْو في هيئة المساحة الجيولوجية بلويزيانا يُقَدم لنا الجدل نظريًا حولَ إذا كان دوران الماء المنصرف من خلال مسرب يتأثر بنصف الكرة الذي توجد فيه.

«إتجاة الحركة ينتج عن «تأثير كيوريوليس»، يُمكن تصوُّر ذلك إذا تخيلت مِقلاة مملوءة بالماء موضوعة على قرص دَوَّار ثم أدَرت ذلك القرص بإتجاه عكس عقارب الساعة، وذلك هو إتجاه دوران الأرض إذا نظرت لها من أعلى القطب الشمالي. الماء في أسفل المِقلاة سيدور في إتجاه عكس عقارب الساعة أسرع قليلًا من الماء على سطح المِقلاة مُعطيًا الماء دوران واضح في إتجاه عقارب الساعة بداخل المقلاة. ولكن إذا نظرت إلى المِقلاة من أسفلها معتبرين أنَّك تنظرلها من القطب الجنوبي، فإنها سوف تظهر وكأنها تدور في عكس إتجاه عقارب الساعة، أيضًاً دوران الأرض يُزيد من ذلك التأثير الذي يعمل على زيادة تسريب الماء في إتجاه عقارب الساعة في نصف الكرة الشمالي وفي إتجاه عكس عقارب الساعة في نصف الكرة الجنوبي»

«فريد دبليو ديكر» أستاذ فخري في علوم المحيطات والغلاف الجوي بجامعة ولاية أُوريجون، يوضح أنَّ «تأثير كيوريوليس» قد يكون له تأثير فعليًا على حركة الماء في الأحواض والمصارف في العالم الواقعي فيقول:

«حقيقةً لديَّ بعض الشكوك حول إذا كان إتجاة دوران الماء المنصرف من خلال مسرب يُمثل شيئًا أكثر من كَونِه تطورًا عرضيًا نتيجة تدفق الماء في البداية. المخالفات المحلية للحركة هيَ المهيمنة حتى أنَّ «تأثير كيوريوليس» ليس من المحتمل أن يتم الكشف عنه. أعتقد أن الإختبار عن طريق تجربة عملية قد يساعد في هذا»

«روبرت إيرليك» فيزيائي بجامعة جورج ماسون يتحدث بإستفاضة عن تلك الأفكار:

«هل أحواض الإستحمام تصرِف الماء في إتجاهات مختلفة في نصفي الكرة الشمالي والجنوبي؟ إذا كان لديك حوض إستحمام مُجَهز مُسبقًا ستكون الإجابة نعم، أمَّا إذا إخترت أيَّ حوض إستحمام طبيعي بمنزلك فستكون الإجابة لا.

إتجاه دوران السائل في إتجاه دوران عقارب الساعة في نصف الكرة الشمالي وعكس عقارب الساعة في نصف الكرة الجنوبي يمكن أن ننسبه لإتجاه دوران الأرض. تخيل أنَّ هناك مدفع على خط عرضي أعلى خط الإستواء ويطلق قذيفة بإتجاه نصف الكرة الجنوبي. سرعته الإبتدائية بإتجاه الشرق ستكون هيَ نفسها سرعة دوران الأرض. هذه السرعة الإبتدائية بإتجاه الشرق هيَ أقل من مثيلتها عند أيَّ نقطة أخرى على مسار القذيفة، لأن النقاط الأقرب إلى خط الإستواء تقطع دائرة كبيرة أثناء دوران الأرض. ولذلك فإن قذيفة المدفع تنحرف بإتجاه الغرب (نحو اليمين) من منظور شخص على سطح الأرض.

المدفعي الذي يطلق قذيفة أيضًا بإتجاه الشمال يمكنه ملاحظة أنَّ تلك القذيفة تنحرف نحوَ اليمين. هذهِ الإنحرافات الجانبية يمكن أنْ ننسبها لـ «تأثير كيوريوليس»، على الرغم من أنَّهُ لا وجود لأي قوى خارجية هنا ولكنَّهُ مجرد التواجد في إطار مرجعي دوَّار.

يمكن أن نُرجِعَ دوران الأعاصير في إتجاه عكس عقارب الساعة في نصف الكرة الشمالي ودورانها في إتجاه عقارب الساعة في نصف الكرة الجنوبي إلى قوى كيرويوليس. إتجاة الدوران هذا يأتي نتيجة التفاعل بين كميات الهواء المتحركة وكميات الهواء التي تدور مع دوران الأرض. يمكن لتأثير دوران الأرض أن يظهر بوضوح حينما يغطي ذلك الدوران مساحات كبيرة أكبر من تلك التي توجد في حوض الإستحمام خاصتك.

في حوض إستحمامك يوجد بعض العوامل -مثل عدم التماثل الشكلي للمَسرَب- التي سوف تحدد في أي إتجاه سيكون الدوران. حتى في حوض إستحمام ذو مسرب متماثل الشكل بإمتياز، إتجاة الدوران سيتأثر بالتيارات المتبقية في حوض الإستحمام من آخر مرة كان ممتلئ فيها بالماء وحتَّى تهدأ تِلك التَيَّارات وتختفي آثارها تمامًا سوف يستغرق ذلك حوالي يومًا تقريبًا.

إذا كانت كل تلك التأثيرات الغريبة (متضمنة تيارات الهواء) يُمكن تقليلها تحت مستوى معين، يمكن حينها ملاحظة أن الماء يدور في إتجاهين مختلفين بوضوح في نصفي الكرة الشمالي والجنوبي».

أخيرًا، «توماس هامفري» كبير علماء في مركز سان فرانسيسكو الإستكشافي يناقش تفاصيل أكثر حول أسباب عدم رؤيتنا لتأثير كيرويوليس في أحواض الإستحمام:

«هناك دولة أفريقية بالقرب من خط الإستواء، حيث قام رجال الأعمال ببناء مِرحاضين أحدَهما شمال خط الإستواء والآخر جنوبه. سوف يزعمون أن تلك المراحيض تسرِّب الماء في إتجاهين مختلفين مقابل رسوم لمن يريد إستخدامهم. إنها لِمُجرَّد العرض فقط ومع ذلك، لا يوجد هناك أيَّ تأثير حقيقي نعم هناك تأثير كيرويوليس ولكن ليس كافيًا ليسيطر على الماء المسرب في تلك المراحيض خاصة أن ذلك التأثير يَضعف عند خط الإستواء.
المقارنة الحقيقية يجب أن تكون بين مدى تأثير كيريوليس والكمية الإبتدائية للزخم الزاوي للماء ومن ثم سوف تُعطينا في أي إتجاه سيدور الماء بغض النظر عن دوران الأرض. تَسَارُع كيوريوليس عند خطوط العرض المتوسطة يعتبر واحد إلى عشرة ملايين من تَسَارُع الجاذبية الأرضية.

ولأنَّهُ تَسَارُع ضئيل جدًا فيحتاج الإنحناء في الحركة إلى مسافة كبيرة حتى يمكن إدراكة ومن ثم يتغير إتجاه الحركة. المراحيض أو الأحواض ليست كبيرة كفاية ليظهر ذلك التأثير. يظهر تأثير كيوريوليس في العواصف وذلك لأنَّ سرعة الرياح أكبر بمئات المرات من سرعة الماء المُتَسَرِّب من الحوض، وأيضًا بسبب المسافات الكبيرة التي تقطعها الرياح في مقابل مسافات صغيرة والتي تتمثل في قطر المَسرَب للحوض.

من المستحيل أن تجد كوب من الماء ليس لدَيه حركة إجمالية متوسطة، ستكون بإتجاه ما ولكن تلك الحركة الزاوية الصغيرة للماء كفيلة بأن تُزِيل تأثير كيوريوليس تمامًا. الحركة الإجمالية للماء تظهر بوضوح حينما يُجْبَر الماء على الحركة بإتجاه مركز التفريغ أو الإخلاء، مما تُسبِبْ ظهور تيارات الماء الغير مرئية الطبيعية كُلَّمَا إقترب الماء من المسرب.

الإتجاه النهائي لهذا التدفق هوَ العشوائية، حيثُ يمكنه أن يتحرك في إتجاه ما ثم يتحرك في إتجاه آخر المرة القادمة.

إذا كنت تجري تجربة في حوض، قم بملئ الحوض، ثم إنزع الطبَّة من المسرب، غالبًا سوف يتحرك الماء دومًا نحوَ نفسِ الإتجاه، ما يجعلك تندهش إذا كان هذا تأثير عشوائي. ولكنك سوف تجد أنَّ الصنبور غالبًا ما يكون دومًا بالقرب من المركز، وإذا لم يكن كذلك فإن هناك عدم تماثلية في الحوض. نتيجةً لذلك، فإن مِلئ الحوض بالماء بمعدل ثابت يُعطي الماء حركة إجمالية في إتجاه معين، والذي تراه بطبيعة الحال حينما تقوم بتفريغ الحوض من الماء، المراحيض أيضًاً تُملئ وتُفرَّغ بنفس الطريقة نتيجة لنفس الأسباب».


ترجمة: محمد خالد عبدالرحمن
تدقيق: جمان الرشدان
المصدر