تتنبأ نظريات فيزيائية عدة بوجود أبعاد أكثر من الأبعاد الأربعة التي نعرفها (ثلاثة أبعاد مكانية، وبعد زمني). إن التنبؤ بوجود تلك الأبعاد قد يفيد في شرح بعض أكثر الألغاز في الكون تعقيدًا. مثلًا، ارتكزت بعض النظريات التي تشرح المادة المظلمة والطاقة المظلمة، على وجود أبعاد أخرى إضافية بجانب تلك الأبعاد التي نتعامل معها يوميًا؛ إنها صغيرة إلى الحد الذي يجعلها متلاشية وصعبة الرصد.

رصدت مصادر عدة تسونامي كوني خلفته موجات الجاذبية الناتجة عن اصطدام نجمين نيوترونيين، على بعد مئة وثلاثين مليون سنة ضوئية. ذلك الحدث وثقه كلٌ من مرصد مقياس التداخل الليزري لموجات الجاذبية (LIGO) في الولايات المتحدة في عام 2016، ومرصد العذراء في إيطاليا في السابع عشر من أغسطس عام 2017. ولّد ذلك الاصطدام انفجارًا من النوع كيلونوفا، ما أطلق انفجارات لامعة جدًا لأشعة غاما، إضافةً إلى أنه أسفر عن خلق عناصر ثقيلة مثل الذهب. سجلت المراصد في أمريكا وإيطاليا تموجات الزمكان، بينما اكتشف مرصد سويفت الفضائي التابع لناسا -وغيره- موجات الإشعاع الكهرومغناطيسي.

تحمس علماء الفيزياء الفلكية حقًا تجاه الحدث، إنها المرة الأولى في التاريخ التي تُرصد فيها كلٌ من الموجات الكهرومغناطيسية وموجات الجاذبية معًا من الحدث نفسه (باستطاعتهم الآن المقارنة بين كلتا الإشارتين لإدراك أشياء جديدة حول كوننا). ذلك الاكتشاف -الذي توّج علماء فيزياء مرصد ليغو بجائزة نوبل- بشّرنا بحلول عصر جديد من «علم الفلك متعدد الرسل».

الآن، استخدم الباحثون هذا الحدث التاريخي، لسبر أعماق الكون خلف الأبعاد الأربعة للزمكان، ليكتشفوا أنه قد يكون كوننا أبسط كثيرًا مما تعتقده بعض نظريات الفيزياء.

حسنًا، دعنا نعود إلى لغز المادة المظلمة والطاقة المظلمة المذكور سالفًا. يعتقد بعض علماء الفيزياء أن الغالبية العظمى من المادة متكونة من أشياء لا يمكن إدراكها، وعلى الرغم من ذلك يمكننا تتبع تأثير جاذبيتها على الأشياء الأخرى المرئية في الكون، وذلك ما جعلنا ندرك وجودها. من ناحية أخرى، تُعد الطاقة المظلمة أكثر غموضًا، ومثل المادة المظلمة تُعد الطاقة المظلمة مظلمةً لأننا لا نستطيع حقًا إدراك ماهيتها، ولكننا نعلم أنها موجودة، ويعتقد علماء الكونيات بأنها المسؤولة عن تسارع تمدد الكون.

اقتُرحت العديد من النظريات لشرح المادة والطاقة المظلمتين، بعضها يتطلب وجود أكثر من الأبعاد الأربعة التي نعرفها. من المثير للاهتمام، أن موجات الجاذبية أمكن استخدامها آليةً يمكن من طريقها التحقق من وجود تلك الأبعاد الإضافية غير المعروفة.

ببساطة، عندما تنتشر موجات الجاذبية خلال الزمكان بسرعة الضوء، يعتقد بعض العلماء أن طاقة بعض منها قد تتسرب إلى أبعاد أخرى إضافية إذا كانت موجودة حقًا، لذلك عندما تُرصد -عبر مراصد موجات الجاذبية- يجدر بها أن تكون أقل طاقة من الطاقة المتوقعة. أما عن الإشعاعات الكهرومغناطيسية العادية (مثل إشعاعات انفجارات غاما) فلا تتفاعل مع تلك الأبعاد وتظل كما هي دون تغيّر، لذلك وبوساطة قياس إشارات موجات الجاذبية الصادرة من اصطدام النجوم النيوترونية، ومقارنتها بقياسات إشارات الإشعاعات الكهرومغناطيسية الواردة من الاصطدام نفسه؛ إذا كان يوجد مثل تلك الأبعاد الإضافية، فيجب أن يُظهر القياسان تضاربًا فيما بينهما.

ولكن وللأسف، وفقًا للبحث، لم يُظهرا أي تعارض فيما بينهما، ما يدل على أن كلًا من الموجات الجاذبية والموجات الكهرومغناطيسية تنتقل عبر الأبعاد الأربع نفسها خلال الزمكان، تمامًا كما تنبأ آينشتاين في نسبيته العامة، والتي تُعد النظرية نفسها التي تنبأت بوجود موجات الجاذبية منذ نحو قرنٍ مضى.

لكن هذا لا يعني بالضرورة عدم وجود أبعاد إضافية، وقد يعني أن طريقة فهمنا لكيفية تفاعل الجاذبية مع تلك الأبعاد بحاجة إلى تعديل أو ببساطة قد نكون بحاجة إلى إجراء المزيد من القياسات في نطاق «علم الفلك متعدد الرسل». بالرغم من أنه لم يمض سوى ثلاث سنوات على اكتشاف موجات الجاذبية، فإنها تقارع النظريات الكونية الرئيسية.

اقرأ أيضًا:

موجات الجاذبية تستكشف مادة غريبة داخل النجوم النيوترونية

موجات الجاذبية – بماذا أفادنا اكتشاف أمواج الجاذبية ؟

ترجمة: آية قاسم

تدقيق: عبد الرحمن داده

مراجعة: حسين جرود

المصدر