يوجد في مركز نظامنا الشمسي مفاعل نووي هائل، إذ تدور الأرض حول هذا الجسم الضخم من بُعد 149.6 مليون كيلومتر وسطيًا. إنه النجم الذي نسميه الشمس، تعمل الشمس على تزويدنا بالطاقة اللازمة للحياة. لكن هل يمكن العلماء إنشاء نسخة مصغرة منها هنا على الأرض؟

هذا ليس ممكنًا فحسب، بل لقد نجح العلماء فيه بالفعل! إذا كنت تعتقد أن النجم آلة اندماج نووي، فقد استطاع البشر تكرار طبيعة النجوم هنا على الأرض بصورة محدودة، إذ كانت عمليات الاندماج النووي التي حققوها هنا على الأرض محدودة الحجم وتستمر بضع ثوانٍ على الأكثر.

لفهم كيف يمكن العلماء تكوين نجم، من الضروري معرفة ماهية النجوم وكيف يعمل الاندماج النووي. تتكون الشمس من 75٪ هيدروجين و24٪ هيليوم.

وتُشكل العناصر الأثقل النسبة الباقية. نواة الشمس شديدة الحرارة إذ تبلغ درجات الحرارة فيها نحو 15 مليون درجة مئوية، في درجات الحرارة هذه، تمتص ذرات الهيدروجين الكثير من الطاقة لكي تندمج معًا. نواة ذرة الهيدروجين تتكون من بروتون واحد، ويتطلب دمج بروتونين معًا طاقة كافية للتغلب على القوة الكهرومغناطيسية، لأن البروتونات موجبة الشحنة. إذا كنت تعرف المغناطيس، فأنت تعلم أن الشحنات المتشابهة تتنافر، لكن إذا كان لديك طاقة كافية للتغلب على هذه القوة، فيمكنك دمج نواتين في نواة واحدة.

تنتج عملية الاندماج الأولي بين ذرتي هيدروجين عنصر الديوتيريوم، وهو نظير للهيدروجين، تتكون ذرته من بروتون ونيوترون. يؤدي دمج الديوتيريوم مع الهيدروجين إلى إنتاج الهيليوم 3، ويؤدي دمج ذرتين من الهليوم 3 معًا إلى تكوين ذرة هيليوم 4 وذرتي هيدروجين. إجمالًا، هذا يعني أن أربع ذرات هيدروجين تندمج لتكوين ذرة هيليوم 4 واحدة.

هنا يأتي دور الطاقة. تحتوي ذرة الهيليوم 4 على كتلة أقل من أربع ذرات هيدروجين مجتمعة. إذن أين ذهبت الكتلة الباقية؟ لقد تحولت إلى طاقة. تخبرنا معادلة أينشتاين الشهيرة (E = mc^2)، أن الطاقة تساوي الكتلة مضروبة في مربع سرعة الضوء، هذا يعني أن كتلة أصغر جسيم تعادل كمية هائلة من الطاقة.

ويبقى السؤال هنا، كيف يمكن العلماء صناعة نجم؟

إن إنتاج طاقة كافية للتغلب على القوة الكهرومغناطيسية ليس بالأمر السهل، لكن الولايات المتحدة تمكنت من تحقيق ذلك في نوفمبر 1952. عندما انفجرت آيفي مايك، أول قنبلة هيدروجينية في العالم، اختُبرت في جزيرة إيلوجلاب. كانت القنبلة ذات مرحلتين، المرحلة الأولى قنبلة انشطارية. والانشطار هو عملية انقسام النواة، وهو النوع الذي استخدمته الولايات المتحدة على ناغازاكي وهيروشيما لإنهاء الحرب العالمية الثانية.

كانت مرحلة القنبلة الانشطارية في آيفي مايك ضرورية لإنشاء كمية هائلة من الطاقة اللازمة للتغلب على القوة الكهرومغناطيسية، لتحقيق اندماج ذرات الهيدروجين لتكوين الهيليوم. تنتقل الحرارة من الانفجار الأولي عبر الغلاف الرصاصي للقنبلة إلى ما يشبه القارورة تحتوي على سائل الديوتيريوم. ومثّل قضيب بلوتونيوم داخل القارورة فتيل إشعال لبدء تفاعل الاندماج النووي.

كان حجم الانفجار الناتج 10.4 ميغا طن. لقد طمس معالم الجزيرة تمامًا، مخلفًا فوهة بعمق 50 مترًا تقريبًا وبعرض 1.9 كيلومتر. للحظة وجيزة، سخّر الإنسان قوة النجوم لخلق سلاح هائل القوة، ليشكل بذلك بداية للعصر النووي الحراري.

تحاول المختبرات حول العالم الآن إيجاد طريقة لتسخير الاندماج النووي مصدرًا للطاقة. إذا تمكنوا من إيجاد طريقة لإنشاء تفاعلات مستدامة ويمكن التحكم بها، سيتمكن العلماء من استخدام الاندماج لتوفير كميات هائلة من الطاقة لملايين السنين. إذ لا يوجد نقص في الوقود، الهيدروجين وفير والمحيطات تحتوي على كميات كبيرة من الديوتيريوم.

يُعد استخدام الحرارة للتغلب على القوة الكهرومغناطيسية إحدى طرق تحقيق الاندماج، ويبحث بعض العلماء إمكانية استخدام تفاعلات كيميائية ونووية لا تتطلب مثل هذه الحرارة الشديدة، ما يُسمى الاندماج النووي البارد. لكنه يواجه انتقادات في الأوساط العلمية، بدت الفكرة ناجحة في البداية، لكنها لاحقًا أصبحت موضع سخرية واتهام بالاحتيال وعدم الكفاءة. قد يظل الاندماج البارد محتملًا، لكن يجب على العلماء بذل المزيد من الجهد لإقناع المشككين.

اقرأ أيضًا:

الصين تخطط لتشغيل مفاعل الاندماج النووي (الشمس الاصطناعية) قريبًا

الاندماج النووي لم يعد خيالًا علميًا

ترجمة: أنور عبد العزيز الأديب

تدقيق: حسين جرود

المصدر