هل يصبح الحمض النووي أداة تخزين بيانات الحواسيب مستقبلا ؟

 

خلال السنوات الأخيرة تزايدت سعة أجهزة التخزين الرقمية بشكل كبير. لكن أحد وسائل التخزين الهامة لم تكن محط إنتباهِنا وما زلنا غافلين عنها. إنه الحمض النووي الرايبوزي منقوص الأوكسجين (DNA)1.

يعمل فريق من الباحثين على إكتشاف ما إذا كانت الجزيئات الحلزونية المزدوجة التي تحمل معلومات كل نبات، حيوان وميكروب على وجه الكرة الأرضية، قابِلة للإستخدام لتخزين بياناتِنا لِآلافِ السنين.

منهم، د. روبرت غراس (Robert Grass) من المعهد الفدرالي للتكنولوجيا في زيوريخ الذي قدم برهانًا على إمكانية تطبيق هذه التقنية، في اللقاء الـ 250 للجمعية الكيميائية الأمريكية، حيث تمكن فريقُ الباحثين من ترميز حمض نووي بنص حجمه 83 كيلوبايت من الميثاق الاتحادي السويسري من 1291 وطريقة أرخميدس من القرن العاشر. بعدها، تم تغليفه بمادة السيليكيا العازلة للحرارة2 ووضعه في أسطوانات صغيرة. بعد ذلك تم صهر الأسطوانات في درجة 160 فهرنهايت لمدة أسبوع – أي ما يعادل إبقاءها في 50 درجة لمدة 2000 سنة – النتيجة كانت أن الحمض النووي داخل الأسطوانات بقي دون أي تأثر. ومن خلال حفظ الحمض النووي في وسط بارد، فإن كل واحدة من هذه الكبسولات يمكن أن تبقى لعشرات الآلاف وحتى ملايين السنين.

 

مِثلَ الحواسيب، لكن أفضل:

“بعد اكتشاف البنية الحلزونية المزدوجة للحمض النووي بفترة قليلة، لاحظ البشر أن لغة ترميز الطبيعة مشابهة جداً للنظام الثنائي الذي نستخدمه في الحواسيب”. يقول غراس في أحد التصريحات

في الأقراص الصلبة، يتم استخدام الأصفار والواحِدات لتمثيل المُعطيات. بينما يستخدم الحمض النووي أربع قواعد كيميائية نتروجينية (بيورينات (purines) و بيرميدينات (pyrmidines)) هي (أدنين A، غوانين G، ثايمين T، سايتوسين C) التي تشكل مع السكر الخماسي والفوسفات البنية الأساسية للـ DNA.

لغة الـ DNA تمتلك أربع أحرف بدلاً من رقمين، لكن كِلا النظامين يُمكنه تخزين أعداد لانهائية من المعلومات المعقدة المختلفة.

اليوم، قرص صلب بحجم كتاب صغير يمكنه تخزين 5 تيرابايت من البيانات، ومحتويات هذا القرص يمكن أن تبقى بأمان لما يقارب ال 50 سنة. إلا أن الحمض النووي برأي غراس أفضل بكثير. حيث يمكن لقطرات مجهرية من الحمض النووي أن تحمل معلومات هائلة تضم – المليارات والمليارات من البيانات والمعلومات – للآلاف من الكائنات الحية.

من الناحية النظرية، فإن جزء من أونصة من الحمض النووي يمكنه حفظ ما يزيد عن 300.000 تيرابايت من المعلومات. حتى أنه أفضل من دراسات علوم الآثار وعلوم الأحافير لأنه يحافظ على صلاحيته لمئات الآلاف من السنين.

هذه التقنية تبدو واعدة للغاية، لكن عملياً مازالت تواجه بعض العقبات الكبيرة. أحدها، أن السجلات التي يمكن أن تحفظ في الحمض النووي غير قابلة للبحث بعد، وهذا يطرح مشكلة كبيرة في مدى استخداميتِها. تخيل كم سيكون كابوسًا مُزعِجًا إذا كنت تريد إيجاد ملف مفقود على محرك الأقراص وعليك البحث وتفقد كل ملف واحداً تلو الآخر بنفسك. إضافة لذلك يعتقد غراس أن كلفة هذه التقنية باهظة جداً حيث تصل تكلفة ترميز وحفظ كم قليل من البيانات إلى آلاف الدولارات.

لكن العلماء متفائلون بإمكانية اجتياز هذه العقبات. حيث يعمل فريق غراس حالياً على طرق لتمييز بيتات التخزين في الحمض النووي، كخطوة أولى لإنشاء أرشيف قابل للبحث. وفي حال التمكن من تطبيق هذه الطرق وأتمتتها، ستنخفض تكلفة التخزين الوراثي بشكل كبير.

وهنا قد نتساءل، ما هي أنواع البيانات التي قد نرغب في تخزينها في الحمض النووي؟ برأي غراس فإن هذه التقنية يمكن أن تساعدنا في تعقب وحفظ كنوزنا المتطورة باستمرار والممثلة بمعلوماتنا على شبكة الانترنت. مثلاً، التغيرات على صفحات ويكيبيديا على مر الزمن. الحفاظ على النصوص التاريخية، الوثائق الحكومية أو المحفوظات كاملة من شركات القطاع الخاص، أو كامل تجربتك في لعبة ستاركرافت على الإنترنت، أو كل حلقة طبية مع أهم المقتطفات المختارة. وكل ذلك في قطرة مجهرية واحدة من الحمض النووي!.

تلك التجارب محفزة بالفعل للاهتمام بالتخزين البيولوجي. تخيل لو استطعت ليس فقط تخزين جيناتك في كبسولة، بل أيضاً الاحتفاظ بكامل سيرة حياتك. وهذا يوصلنا إلى احتمالية تمكن البشر في المستقبل من استنساخك وإعادتك إلى الوجود وإعادة كامل ذكرياتك. ترى هل سيكون هذا مدهشاً أم مرعب!

  • تصطف القواعد النتروجينية معاً كل منها مع جزيء سكر خماسي(سكر الرايبوز منقوص الأوكسجين) وجزئية فوسفات لتشكل نيوكليوتيد وتشكل كل سلسلتين نيوكليوتيديتين بدورها الحمض النووي الريبوزي منقوص الأوكسجين DNA.
  • ثنائي أكسيد السيليكون أو السيليكا (SiO2): هو أكسيد السيليكون المعروف بقساوته منذ العصور القديمة. يوجد السيليكا في الطبيعة في الرمل والكوارتز، وفي جدران خلايا الدياتوم، وهو مكون أساسي في معظم أنواع الزجاج.

 

المصدر الأول

المصدر الثاني