الكثير من قصص الخيال العلمي تبدأ (وأحيانًا تنتهي) بكوكب المريخ في صورته القابلة لاستضافة الحياة. ولكن مع درجات حرارته المنخفضة للغاية، وبعده عن الشمس يمثل استصلاح المريخ تحديًا حقيقيًا وصعبًا.

تصور تخيلي لعملية استصلاح المريخ ليصبح كوكبًا مشابهًا للأرض.

تصور تخيلي لعملية استصلاح المريخ ليصبح كوكبًا مشابهًا للأرض.

الكوكب الميت:

يكمن الأمر في أن المريخ كان كوكبًا دافئًا. فمنذ مليارات السنين، كان لدى كوكب المريخ غلاف ثخين وغني بالكربون، ما ترتب عليه وجود بحيرات ومحيطات من الماء السائل، وربما كان هناك غيوم بيضاء كالتي لدينا على الأرض.

في تلك الفترة الذهبية للمريخ كانت الشمس أصغر وأضعف مما هي عليه الآن، ولكن نظامنا الشمسي حينها كان أكثر عنفًا، بمعنى آخر أن النظام الشمسي الآن أكثر ملاءمة لنشأة الحياة مما كان عليه قبل ثلاثة مليارات سنة.

ولكن للأسف كان مصير المريخ معروفًا منذ البداية، إنه أصغر من الأرض، ما يعني أنه يفقد حرارته على نحو أسرع. وكذلك فإن لدى كوكبنا مجال مغناطيسي قوي بسبب وجود لب سائل غني بالحديد والنيكل يدور حول اللب الداخلي الصلب في مركز الأرض.

يعد المجال المغناطيسي للأرض مجالًا قويًا بالمعنى الحرفي، فهو قادر على إزاحة ومقاومة الرياح الشمسية، وهي تيار متواصل من جزيئات الشمس عالية الطاقة.

عندما فقد المريخ حرارته، تجمد لبه الداخلي، ما أوقف المجال المغناطيسي بالكامل، وترك الغلاف الجوي والكوكب معرضًا للرياح الشمسية دون درع واقٍ من يحمي الغلاف الجوي من الرياح الشمسية، ولذلك خسر الكوكب غلافه الجوي تدريجيًا خلال نحو 100 مليون سنة، وعندما انخفض الضغط الجوي، تبخرت المياه السائلة بأشكالها، وجف الكوكب كليًا.

اقرأ أيضًا: استصلاح المريخ: كيف نجعل الكوكب الأحمر قابلًا للحياة

والمسألة الآن: كيف تمكن إعادة أحد الكواكب الشبيهة بالأرض إلى حالته السابقة؟

أقطاب المريخ:

لحسن الحظ فنحن البشر لدينا الكثير من الخبرة في تدفئة الكواكب. دون أن ندرك خطأنا، لقد قمنا خلال قرون عدة بزيادة انبعاثات الكربون، الذي بدوره رفع درجات حرارة الأرض من خلال آليات الاحتباس الحراري البسيطة.

ضخ المزيد من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي سمح لأشعة الشمس بالدخول، ومنع ارتداد الإشعاعات الحرارية المنعكسة منه بسهولة، تلك الغازات تشبه غطاءً عملاقًا غير مرئي يحيط بالأرض.

يحفز ارتفاع درجات الحرارة على تبخر المياه على نحو أشد، ومكوث بخار الماء في الغلاف الجوي بكمية كبيرة، يؤدي إلى ارتفاع أكبر لدرجة حرارة الكوكب، ما يحفز على تبخر المزيد من مياه المحيطات، وهكذا يمكن أن تفقد الأرض مياهها السائلة إذا استمرت درجات الحرارة في الارتفاع بسبب الاحتباس الحراري، ولكن دعونا نعود إلى موضوعنا الآن.

إذا أمكن حدوث ذلك على الأرض، أفلا يمكن أن يحدث على المريخ؟ لا يمكننا إعادة الغلاف الجوي للمريخ لأنه أُزيح بعيدًا تمامًا في الفضاء، ولكن ما زال المريخ يمتلك كمية ضخمة من رواسب الكربون والماء المتجمد تحت سطحه، التي يقع البعض منها أسفل أقطابه الجليدية، والبعض الآخر أسفل سطح الكوكب مباشرةً.

إذا تمكنا من تسخين ثاني أكسيد الكربون الكامن في الأقطاب وإذابته بطريقةٍ ما، حيث ينبعث في الغلاف الجوي للكوكب، سيحفز بذلك توليد احتباس حراري. ليصبح كل ما علينا هو الانتظار لقرون ونترك العمليات الفيزيائية تأخذ مسارها منتهية بتحويل الكوكب إلى مكان أقل سوءًا. ولكن لسوء الحظ، تلك الفكرة البسيطة قد لا تعمل.

اقرأ أيضًا: هل يمكن استصلاح المريخ والعيش فيه ؟

أفكار غير مألوفة:

المشكلة الأولى هي تطوير تقنيات قادرة على تسخين الأقطاب الجليدية وإذابتها. جاءت الاقتراحات بأفكارٍ حول ضخ الغبار عبر الأقطاب، ما يقلل مقدار الإشعاعات الحرارية المفقودة وذلك يعمل على جعلها أكثر سخونة، وأخرى تمثلت في بناء مرآة عملاقة تركز حزم الأشعة الضوئية على الأقطاب لتسخينها، ولكن تلك الاقتراحات المثيرة تتطلب تقنياتٍ جديدة غير مألوفة لتنفيذها، إضافةً إلى ذلك فإننا بحاجة إلى وجود صناعي ضخم يتجاوز قدرتنا الحالية بكثير. ففي حالة تنفيذ المرآة الضخمة سنحتاج إلى ما يفوق المئتي ألف طن من الألمنيوم في الفضاء، وليس في نطاق قدرتنا الحالية إيجاد طن واحد من الألمنيوم في الفضاء.

ومن ناحية أخرى قد لا يوجد هناك ما يكفي من ثاني أكسيد الكربون تحت الأقطاب لبدء الاحتباس الحراري، فحاليًا يمتلك المريخ ضغطًا جويًا يعادل 1% من الضغط الجوي لكوكب الأرض، وإذا تمكنا من إطلاق جميع جزيئات ثاني أكسيد الكربون والماء في الغلاف الجوي للمريخ، فمن المحتمل أن يصبح الضغط الجوي للمريخ 2% من الضغط الجوي الأرض فقط. سنحتاج إلى ضعف الكمية لصنع غلاف جوي ملائم بما فيه الكفاية للوجود البشري، وسنحتاج إلى عشرة أضعاف تلك الكمية كي لا نضطر إلى ارتداء ألبسة الوقاية من الضغط.

لمواجهة افتقار المريخ لجزيئات الاحتباس الحراري، هناك بعض المقترحات غير التقليدية للوصول إلى ذلك الهدف، تضمنت الآتي: مصانع لضخ جزيئات مركب الكلوروفلوروكربون، والتي تعد حقًا جزيئات سيئة للغاية لكنها رائعة في نشأة الاحتباس الحراري، أو ربما يمكننا توجيه أحد المذنبات الغنية بالأمونيا صوب المريخ، فالأمونيا أحد المركبات التي يمكنها صناعة غلاف حراري كبير، التي تتفكك في النهاية مكونة جزيئات النيتروجين غير الضارة والتي تشكل الجزء الأكبر من غلافنا الجوي الأرضي.

لنفترض أننا قد استطعنا التغلب على التحديات التقنية التي تواجهنا لتنفيذ تلك الأفكار، سيظل هناك عقبة رئيسية واحدة: وهي افتقار الكوكب الأحمر لمجال مغناطيسي، فما لم نحمِ المريخ من الرياح الشمسية سيذهب كل جزيء نقوم بضخه هباءً في الفضاء الخارجي، كمحاولة بناء هرم من رمال الصحراء، لن يكون الأمر سهلًا.

لدينا الكثير من الحلول الإبداعية، ربما نستطيع بناء مغناطيس عملاق في الفضاء ليزيح الرياح الشمسية بعيدًا. وأيضًا ربما نستطيع تطويق المريخ بموصل فائق مما يمنحه غلافًا مغناطيسيًا صناعيًا.

ولكن على أي حال لا نملك التقدم التقني الذي قد يدعم كلا الاقتراحين الآن. وبالعودة إلى سؤالنا الأول: هل يمكن استصلاح المريخ وجعله صالحًا للحياة؟ نعم، هذا ممكن، فلا يوجد قانون فيزيائي يقف في طريقنا.

اقرأ أيضًا:

مسبار إنسايت التابع لناسا يحدد البنية الداخلية لكوكب المريخ

ناسا تقترب من حل لغز العثور على الميثان على سطح المريخ

ترجمة: آية قاسم

تدقيق: عبد الرحمن داده

المصدر