يَسحب مراهقٌ سريع التأثر نفخةً من سيجارة صديقه، وينتهي به المطاف في قسم السرطان بعد خمسة أشهر، يبدو هذا السيناريو الخيالي أسوأ ما قد يحصل بعد المدرسة، لكنه ببساطةٍ استجابةٌ مبالغٌ فيها للرد على تقرير وزير الصحة الأمريكي عام 2010، والذي تناول مخاطر تدخين السجائر، إذ كانت العناوين الاخبارية آنذاك مهتمة بنشر العديد من التحذيرات الجدية والمروعة كعنوان (سيجارةٌ واحدةٌ يمكنها القضاء عليك!).

من المعروف أن تدخين السجائر مضرٌّ للغاية، ويمكن أن يزيد خطر إصابة الشخص بالعديد من الأمراض، كأمراض القلب، وسرطان الرئة، وغيرها، ومع ذلك من المبالغ فيه أن نعتبر سيجارةً واحدةً هي القشة التي ستقصم ظهر البعير، لأنك إن نظرت عن كثبٍ سترى أن هناك المزيد من التفسيرات العملية للمعلومات التي وردت في تقرير وزير الصحة.

فعلى سبيل المثال، ينص التقرير على أن نفخة سجائر واحدةً تُدخل حوالي 7000 مادةٍ كيميائيةٍ للجسم، وأظهرت الأبحاث امتلاك مواد كهذه لتأثيرٍ مدمرٍ على حمض الإنسان النووي، ونظريًا، يُمهد تدمير الخلايا هذا، إن حدث ولو لمرةٍ واحدةٍ الطريق للسرطان والأمراض الأخرى، ومع ذلك، لا يوجد حاليًا أي بياناتٍ مسجلةٍ تربط بشكلٍ قاطعٍ بين سيجارةٍ واحدةٍ والإصابة بالسرطان، إلا أنه وبالأخذ بعين الاعتبار أن التدخين يسبب الإدمان عليه، فمن الممكن اعتبار سيجارةٍ واحدةٍ بادرةٌ لعادةٍ قد تستمر مدى الحياة، وتعيث فسادًا في الجسم.

طريقةٌ أخرى لإدراك خطر تدخين سيجارةٍ واحدةٍ هو النظر إليها بهذه الطريقة: إن كان الشخص مصابًا بحالةٍ صحيةٍ خطيرةٍ بالأصل، كالربو، أو مرض الانسداد الرئوي المزمن، أو كان مُعرضًا للإصابة بأمراض القلب، أو للسكتة الدماغية، فإن تدخين سيجارةٍ واحدةٍ عندها من الممكن أن يتتسبب نظريًا بحالةٍ صحيةٍ طارئة، ومع ذلك تنتج الإصابة بالسرطان، إثر ضررٍ تراكمي، ولا يمكن أن تحدث فجأةً من مجرد نفخةٍ واحدة.

وكما هو الحال في جميع الحكايات التحذيرية، يلعب الغُلوُّ والمبالغة دورًا هامًا في الرسائل التوجيهية لمكافحة التدخين، ويُعتبر السرطان مرضًا معقدًا يملك العديد من عوامل الخطورة، بما فيها السلوك الشخصي، والاستعداد الوراثي، لكن هذا لا يعني أنه لا يوجد بحوثٌ صحيحة، وواسعة النطاق تربط بين تدخين التبغ، وخطر الإصابة بالسرطان، بل يعني بأنه ليس عليك البدء بتجهيز اجراءات جنازتك، بسبب سيجارةٍ واحدةٍ دخنتَها في حفلةٍ قبل خمس سنوات.

وفي الحقيقة، قد تُشجعك معرفة قدرة جسم الانسان المذهلة على إصلاحه لنفسه، وحتى المدخنين لفترةٍ طويلةٍ يمكنهم الإحساس بتحسنٍ في صحتهم، بمجرد إقلاعهم عن التدخين، ووفقًا لوزارة الصحة والخدمات البشرية الأمريكية، فإن أول أكسيد الكربون في الدم، يمكن أن يعود لمستوياته الطبيعة خلال 12 ساعة فقط، بعد آخر سيجارةٍ دخنتها، وسينخفض خطر موت الشخص بسبب سرطان الرئة للنصف، بعد 10 سنوات من إقلاعه عن التدخين، لذلك حتى وإن لم يُعر تحذير وزير الصحة انتباهك في الماضي، ما زال بإمكانك الاستفادة منه في الحاضر.

مواضيع ذات صلة :


  • ترجمة: ميس أبوشامة.
  • تدقيق: م. قيس شعبية.
  • تحرير: عيسى هزيم.
  • المصدر