هل تمكنت من الوجود في أكثر من مكانٍ في آن واحد؟ إذا كنت شيئًا أكبر من الذرة فستكون الإجابة لا بالتأكيد. لكن الذرات والجزيئات تحكمها قواعد ميكانيكا الكم، وهي تنص على إمكانية الوجود في أكثر من مكان مختلف في نفس الوقت.

تحكم أنظمة ميكانيكا الكم ما يسمى «الدالة الموجية» التي تصف احتمالية الوجود في أماكن مختلفة.

تلك الاحتمالات المختلفة قد توجد في الدالة الموجية فيما يعرف بتراكب الحالات. مثلًا عندما يوجد الجسيم في عدة أماكن مختلفة في نفس الوقت نطلق على تلك الحالة التراكب المكاني.

فقط عند القياس تنهار الدالة الموجية وينتهي النظام بأكمله إلى احتمال محدد.

عامةً، تُطبق ميكانيكا الكم على العالم متناهي الصغر من الذرات والجزيئات، أما الأجسام في المقاييس الكبيرة فهي معضلة لم يُحسم أمرها بعد.

نقترح في بحثنا المنشور في Optic تجربةً يمكنها حل تلك المسألة الشائكة نهائيًا.

قطة إروين شرودنجر

في ثلاثينيات القرن الماضي، خرج شرودنجر بتجربته الفكرية الشهيرة عن قطة محبوسة داخل صندوق، يمكن أن تكون حية وميتة في آن واحد وفقًا لميكانيكا الكم.

إذ إن في أثناء وجودها في الصندوق المغلق تظل احتمالية أن تكون حية أو ميتة قائمة بنسبة 50:50% حتى يُفتح الصندوق وتُرصد حالة القطة، وإلى أن يحدث ذلك تظل القطة حية وميتة في نفس الوقت.

بمعنى آخر تصبح القطة في دالة موجية -تحمل الكثير من الاحتمالات- قبل أن تُرصد حالتها وتُحدد.

بعد الكثير من المناقشات توصل المجتمع العلمي إلى رأي موحد نوعًا ما حول «تفسير كوبنهاجن» إذ لا يمكن تطبيق ميكانيكا الكم على ما هو أكبر من العالم الذري.

هل يمكن أن توجد قطة شردونجر في الحقيقة قد يجيبك الفيزيائيون قريبًا - إمكانية الوجود في أكثر من مكان مختلف في نفس الوقت - التراكب الكمي - التراكب المكاني

لكن تبين أنهم كانوا مخطئين!

إذ أنشأ الفيزيائيون حالات كمية من أجسامٍ مكونة من تريليونات الذرات التي تعد كبيرة بما يكفي لتُرى بالعين المجردة، ومع ذلك لم تشمل التراكب المكاني.

كيف تصبح الدالة الموجية حقيقة؟ كيف يمكن تطبيقها على جسم حقيقي؟

هذا ما يسميه الفيزيائيون مشكلة القياس الكمي التي أربكت العلماء والفلاسفة مدة قرن تقريبًا.

إذا وُجدت آلية تمكنها إزالة احتمالية التراكب الكمي من الأجسام الموجودة على المقاييس الكبيرة، سيتطلب ذلك طريقةً ما للإخلال بالدالة الموجية، ما تنتج عنه حرارة.

إذا رُصدت مثل تلك الحرارة، فإن ذلك يؤكد استحالة وجود حالة التراكب الكمي في المقاييس الكبيرة. أما إذا استُبعدت تلك الحرارة فلن تمانع الطبيعة وجودك في حالات متراكبة كميًا في أي حجم.

إذا كان الأمر كذلك، سيمكننا وضع الأجسام والكائنات الحساسة في حالات كمّية مع تقدم التكنولوجيا.

لا يعلم الفيزيائيون الآلية التي تمنع وجود الأجسام الكبيرة في حالات تراكب كمّي. وفقًا لبعضهم، قد يكون مجالًا كونيًا غير معروف، ويعتقد آخرون أن للجاذبية دور في الأمر.

يعتقد الفيزيائي الحائز على جائزة نوبل هذا العام أن المسألة كلها قد تكمن في وعي الكائنات الحية.

تتبع حركات المقاييس الصغيرة

بحث الفيزيائيون بحماس عن كمية ضئيلة من الحرارة قد تشير إلى إخلال الدالة الموجية خلال العقود الأخيرة.

لنتمكن من إيجاد ذلك، نحن بحاجة إلى طريقة يمكنها أن تكبح بأكبر قد ممكن جميع مصادر الحرارة الزائدة التي قد تؤثر في القياس الدقيق.

سنحتاج أيضًا إلى الحفاظ على ما يسمى بفحص رد الفعل الكمي، إذ قد تولد عملية الملاحظة نفسها حرارة.

في بحثنا، صغنا تجربة تُمكننا من الكشف عن إمكانية حدوث التراكب المكاني للأجسام الكبيرة. أفضل التجارب التي صيغت مسبقًا لم تكن قادرة على تحقيق ذلك.

العثور على إجابة بواسطة أشعة دقيقة مهتزة

تستخدم تجربتنا رنانات أعلى ترددًا بكثير مما استُخدم مسبقًا، ما سيؤدي إلى إزالة أي حرارة قد تسبب خللًا.

وكما في التجارب السابقة سنحتاج إلى استعمال مبرد بدرجة حرارة 0.01 كلفن فوق الصفر المطلق.

وسط تلك الحالة من الترددات العالية ودرجات الحرارة المنخفضة جدًا تخضع الاهتزازات في الرنانات لعملية تسمى «تكثيف بوز».

يمكنك تصور هذا إذ يتجمد الرنان لدرجة التوقف عن الاهتزاز، حتى بواسطة حرارة المبرد نفسه.

سنستعمل أيضًا استراتيجيات قياس مختلفة لا ترتبط بحركة الرنان على الإطلاق، بل ستنظر إلى حالات الطاقة التي يمتلكها. ستعمل تلك الطريقة على كبح رد الفعل الحراري بفعالية.

كيف يمكن تحقيق هذا؟

ستُدخل جسيمات مفردة من الضوء إلى الرنان لترتد ذهابًا وإيابًا ملايين المرات لتمتص أي طاقة زائدة. وفي النهاية ستترك الرنان حاملةً الطاقة الزائدة بعيدًا.

بقياس طاقة جسيمات الضوء الخارجة، يمكننا التحقق من حمل الرنان للطاقة.

إذا وجدنا الحرارة، سيعني ذلك وجود مصدر مجهول للحرارة -لم نتمكن من التحكم فيه- قد أخل بدالة الموجة، ما يعني استحالة وجود التراكب في العالم ذي المقاييس الكبيرة.

هل كل شيء كمي؟

التجربة التي نقترحها في غاية الصعوبة. لن يستطيع أحد إجراءها حاليًا، بل قد تتطلب سنوات من التطوير وملايين الدولارات ونخبة من العلماء الفيزيائيين المهرة.

ومع ذلك يمكن تلك التجربة الإجابة عن أحد أكثر الأسئلة جدلًا، هل كل شيء كمي فعلًا؟ لذلك فإنها تستحق الجهد المبذول.

أما بخصوص وضع إنسان أو قطة في حالة التراكب الكمي ، فلا يوجد طريقة لمعرفة كيفية تأثير ذلك في الأجسام.

لحسن الحظ، هذا السؤال لا يجب أن نفكر فيه الآن.

اقرأ أيضًا:

خوارزمية ذكاء اصطناعي يمكنها تعلم قوانين ميكانيكا الكم!

ما هي ميكانيكا الكم ؟ تفسير ميكانيكا الكم وتبسيطها

ترجمة: آية قاسم

تدقيق: عون حدّاد

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر