تهدف ناسا إلى توطين البشر على سطح القمر توطينًا دائمًا بمساعدة بذلتها الفضائية الجديدة طراز (XEMU) المجهزة بأحدث النُظم الداعمة للحياة. «هذه خطوة صغيرة للإنسان، لكنها قفزة عملاقة للبشرية». كانت هذه الكلمات التي قالها نيل أرمسترونج عندما اعْتلت قدمه سطح القمر وأصبح أول إنسان -يُذكر أنّ الثاني كان باز ألدرين- يفعل ذلك في 20 يوليو 1969 جزءًا من مُهمة أبولو 11، ومنذ ذلك الحين، سار 12 شخصًا على سطح القمر.

في الغالب اشتملت البعثات القمرية على مركبات مدارية ومركبات هبوط دون إنشاء أي وجود بشري دائم. ومع ذلك أعلنت وكالة الفضاء الأمريكية ناسا عن برنامج أرتميس الطموح لإنشاء وجود بشري دائم على سطح القمر لإجراء التحقيقات العلمية، فضلًا عن إنه نقطة التقاء لبعثات كوكب المريخ مستقبلًا.

فالوجود الدائم على سطح القمر هو أمرٌ مُختلف تمامًا عن مُجرد التجول على سطح القمر بضعة أيام ثم العودة إلى الأرض، وبالتأكيد هذا يتطلب صواريخ إطلاق جديدة وبدلات فضائية جديدة، وبنية تحتية معيارية لكي تدعم الوجود البشري على المدى الطويل.

دعونا نغوص أعمق في التحديات التي ستُمثلها الحياة على سطح القمر.

تحديات البقاء حيًا على سطح القمر:

الجسم البشري يُشبه الآلة التي تتكيف لتعمل على النحو الأمثل على الأرض.

التحديات التالية تُعيق وجودنا الدائم على القمر:

إن جاذبية القمر أضعف بنحو 6 مرات من جاذبية الأرض، وهذا يُؤدي إلى قوة جاذبية مُنخفضة تجذب الجُزيئات بالقرب من السطح، وجراء ذلك فإن القمر يفتقر إلى غلاف جوي يُضاهي الأرض، ينتج عن هذا ضغط جوي مُنخفض (3.0 × 10^ -15 بار -فراغ تقريبًا مُقارنة بالأرض).

في الفراغ، تنخفض نقطة غليان السوائل كثيرًا، ما يعني أن السوائل تُكوِّن غازات تلقائيًا، على هذا فإن الهواء في رئتينا سوف يتمدد، ويتوسع نطاق سوائل الجسم ما يدفعها ضد أنسجة الأعضاء والأوعية الدموية وهذا سيُسبب الانتفاخ، فالتعرض لفترات طويلة -أكثر من 90 ثانية- قاتل، مثل حادثة انخفاض الضغط في سفينة الفضاء سويوز 11 عام 1971.

انعدام الغلاف الجوي يعني نقص غاز الأكسجين. سينتشر غاز الأكسجين الموجود سابقًا في الرئتين إلى خارج الرئتين بسرعة بسبب نقص الضغط الجوي.

قد يعني نقص غاز الأكسجين أن الشهيق لن يوصل المزيد من الأكسجين إلى الرئتين وهذا يؤدي إلى توقف الأعضاء عن تلقي الدم المؤكسج وسيفقد وعيه وسيدخل في غيبوبة، واستمرار نقص غاز الأكسجين سيؤدي إلى قتله.

عدم وجود مجال مغناطيسي قوي وطبقة أوزون يعني أن الجسم سوف يتعرض للإشعاع المؤين الضار للفضاء الخارجي وهذا قد يؤدي إلى مشاكل على الأرض، الجهاز العضلي الهيكلي البشري مُهيأ لمقاومة الجاذبية، ونقصان الجاذبية يؤدي إلى سرعة ضمور العضلات وضعف الهيكل العظمي، وهوّ يُشبه إلى حد ما المرضى طريحي الفراش.

تختلف درجة حرارة القمر كثيرًا في النهار عنها في الليل، ففي النهار 120 درجة مئوية، وفي الليل 130 درجة مئوية تحت الصفر.

الملايين من ضربات النيازك سنويًا والاختلاف الكبير في درجات الحرارة اليومية -الفرق بين درجة حرارة الليل والنهار- ونقص الهواء كانت سببًا في جعل سطح القمر تجمعًا من الحبوب الدقيقة جدًا، وكشظايا الزُجاج فإن هذه القطع ربما تلحق الضرر بالأدوات وبدلات الفضاء.

التطورات التكنولوجية الجديدة في صواريخ وبدلات الفضاء.

إنّ الوجود البشري الدائم يتطلبُ كميات هائلة من حمولة الطعام والأوكسجين والماء وقطع الغيار وغيرها من العناصر اللازمة للعمل والحياة لتسليمها بانتظام للقمر. وهذا دفع وكالة الفضاء الأمريكية ناسا إلى تطوير تقنيات جديدة، أبرزها:

  1.  نظام النقل في الفضاء الشاسع يتكون من مركبة أوريون الفضائية ونظام الأطلاق الفضائي ونظام الاستكشاف الأرضي.
  2.  بدلة فضاء من نوع (xEMU).

لنتعمق أكثر ونعرف عن بدلة xEMU: المُتطلبات التي يجب توافرها في بدلات الفضاء

1-المُتطلبات الأساسية:

يجب توفير ضغط جوي مستقر يحاكي الضغط على كوكب الأرض.

توفير أكسجين للتنفس والتخلص من ثاني أُكسيد الكربون.

الحفاظ على درجة الحرارة المُحيطة من أجل التنظيم الحراري.

توفير حماية من الإشعاع.

توفير حماية من الغبار الكوني والحطام الفضائي.

2-المُتطلبات الثانوية:

وهذه ستُمكن رائد الفضاء أن يكون مُجديًا في الفضاء:

توفير حركة خالية لا تعيق الأطراف.

التخلص من الفضلات الجسدية أو إعادة تدويرها.

توفير أنظمة الاتصال.

لوازم مُناسبة للمهمة المُحددة، فعلى سبيل المثال في أثناء السير في الفضاء، وعند إصلاح وتوصيل وحدات بالمحطة الفضائية يتطلب أدواتًا مُتخصصة فيجب أن يكون بعضها مُدمجًا ببدلة الفضاء سواء داخلها أو عليها.

حقائب من أجل الوجبات الخفيفة والسوائل.

الولايات المتحدة الأمريكية وبذلة التنقل المُطورة xEMU.

منذُ عام 1982، تستخدم وكالة الفضاء الأمريكية ناسا بذلة (EMU) خارج المركبة في الفضاء الخارجي، حفزت مهمة ارتميس الأخيرة تطوير بدلة تكون من الجيل الجديد وهي (XEMU) ومن المُقرر أنها نُشرت وعُرضت في مُنتصف عام 2020.

مكونات بدلة (XEMU):

نظام دعم الحياة الاستكشافي القابل للنقل (xPLSS)، النظام المسؤول عن الحفاظ على الظروف المُلائمة للعيش داخل بدلة الفضاء، حقيبة ظهر تحتوي الإمدادات الأساسية للبقاء على قيد الحياة، إذ تحتوي مصدرًا للأوكسجين الأساسي والاحتياطي، وحلقات أُوكسجين أساسية واحتياطية.

يُحتوى الغاز في أسطوانات نحو 20700 باسكال أو 3000 رطل لِكُل بوصة مُربعة مثبتة على حقيبة الظهر.

تُزوِّد الحلقة الأولية الخوذة بغاز الأُوكسجين من أجل التنفس وفي جميع أنحاء البدلة للحفاظ على الضغط على الجسم وعلى التهوية وإزالة غاز ثاني أكسيد الكربون من الخوذة.

توفير أوكسجين للتنفس:

تعد الخوذة فُقاعة تبذل ضغطًا يقدر بعشرين كيلو باسكال بالتساوي مع الرأس، يدخل غاز الأكسجين من الأسطوانة إلى الجزء العلوي من البدلة عبر نظام الأنابيب التي تؤدي في النهاية إلى الجزء الخلفي من الخوذة.

يتدفق الأوكسجين بِمُعدل 0.17 m ^3 لكُل دقيقة. عندما يتدفق الأوكسجين إلى الأمام فإنّه يتخلص من ثاني أكسيد الكربون ويدفعه اتجاه أنابيب التجميع.

الحفاظ على ضغط ثابت:

تتألف البدلة من طبقة مثانة والتي يتمُ نفخها بغاز الأوكسجين المزود من xPLSS، وتُمارس المثانة ضغطًا يُقدر ب 20.7 كيلو باسكال بالتساوي ضد الجذع.
التنظيم الحراري.

يتكون هذا التصميم من جُزئين:

الأول ملابس تبريد سائلة مُناسبة لشكل الجسم، تستقبل الماء البارد من xPLSS وتدور حول البدلة بأكملها، ما يُحافظ على درجة حرارة قريبة من 20 درجة مئوية. بعد امتصاص الماء الحرارة، ينتقل مرة أُخرى إلى مُبخر غشاء الماء في XPLSS وهذا هو الجزء الثاني من النظام.

يتكون مُبخر الماء من مسام دقيقة جدًا (10^-6 m). يُحفظ الجزء الخارجي منه عند ضغط مُنخفض. عندما يتلامس الماء الساخن مع المسام، يتبخر بسبب الضغط المُنخفض على الجانب الآخر ويبدأ في فقدان الحرارة ويمر الماء المُتبقي تحت SWME ويبرد حيثُ تكون جاهزة بعد ذلك لحقنها مرة أُخرى في البدلة.

إمدادات الماء والغذاء

يحتوي الجزء العلوي من البدلة المذكور سابقًا حقائب لحمل الطعام والماء. مصدر الإمداد الأساسي هو السفينة الأم (قاعدة القمر) وكان رواد الفضاء يُخططون لوجبات الطعام قبل الشروع في نشاط خارج المركبة.

كان من المُقرر تقريبًا اتخاذ الخطوة الأولى نحو الوجود الدائم على القمر في مُنتصف عام 2020، إذ لا تزال التقنيات في مراحل التطوير ومع ذلك وبالنظر إلى سجل ناسا والطبيعة التعاونية للبرنامج، سيكون من الآمن قول إن الوجود الدائم على القمر مُمكن فعليًا، فكان يُعتقد أن محطة الفضاء الدولية مُستحيلة ولكنها الآن تدور فوقنا وتعد واحدة من أعظم إنجازات البشر، وربما تكون القاعدة القمرية هي التالية.

اقرأ أيضًا:

لماذا تعاني ناسا نقصًا في بدلات الفضاء؟

تاريخ الطرق التي اتبعها رواد الفضاء لقضاء حاجتهم في الفضاء

ترجمة: أحمد عبد الرحمن عديلة

تدقيق: روان أحمد أبوزيد

مراجعة: مازن النفوري

المصدر