لطالما اعتقد العلماء بأنّه بدون القمر سيتغيّر ميلان الأرض بشكل كبير مع مرور الوقت، انطلاقًا من درجة الصفر حيث تكون الشمس عمودية على خط الاستواء إلى 85 درجة، حيث تكاد تشرق الشمس بشكل متعامد مع أحد قطبي الأرض.

إنّ استقرار أي كوكب ذو تأثير كبير على تطوّر الحياة فيه، فتأرجح كوكب ما حول محوره أثناء دورانه حول الشمس سيترتّب عنه تقلّبات مناخية كبيرة، والتي قد تؤثر على تطوّر أشكال الحياة المعقّدة عليه.

مع ذلك، تُظهر عمليات محاكاة حديثة أن ميلان الأرض حول محورها سيتغير بنحو عشر درجات فقط في غياب القمر، فتأثير الكواكب الأخرى في المجموعة الشمسية كان ليبقي على ثبات الأرض بدون وجود القمر.

إنّ تأثير قمرنا كبير الحجم نسبيًا الباعث على استقرار دوران الأرض؛ قد لا يكون ذو دور حاسم كما كنا نظن سابقًا، وذلك طبقًا لبحث قدمه جيسون بارنز «Jason Barnes» بالتعاون مع زملائه في اجتماع عقد مؤخّرًا في الجمعية الفلكية الأمريكية.

أشار البحث الجديد أيضًا إلى أن الكواكب الأخرى في الكون لا تحتاج إلى أقمار لكي تكون قادرة على استضافة الأشكال الحية.

يقوم محور أي كوكب بالدوران مثل دوامة يلعب ولد صغير بها، بسبب قوة جاذبية النجم التابع له، وذلك على مدى عشرات آلاف السنين.

على الرغم من أنّ مركز الثقل يبقى ثابتًا؛ فإنّ جهة الميلان تتغيّر مع مرور الوقت، وهو ما يطلق عليه الفيزيائيون اسم “الحركة البدارية”*.

بشكل مشابه، تطرأ حركة بدارية على المستوى المداري للكوكب.

عندما يتزامن كل منهما مع الآخر [بدارية المستوى المداري مع بدارية المحور]، يمكن لتلك التركيبة أن تؤدي إلى تأرجح ميلان الأرض حول محورها بشكل عنيف.

لكن تبيّن أنّ لجاذبية القمر التابع للأرض تأثير باعث على الاستقرار.

عن طريق تسريع بدارية دوران الأرض، ومنعها من التزامن مع بدارية محور الأرض؛ يقوم القمر بالتقليل من التقلبات لأدنى حد ممكن، ما يجعل ذلك النظام أكثر استقرارًا.

كما هو حال أقمار الكواكب الأرضية* قمر الأرض ذو حجم كبير، حيث أنه يصغرها بنحو 100 مرة فقط.

وعلى سبيل المقارنة؛ يفوق حجم المريخ حجم أكبر أقماره (فوبوس) بـ6 ملايين مرة.

ذلك فرق كبير وذو أهمية أساسية، فبينما يبدو أن أقمار المريخ هي عبارة عن كويكبات قد قام باصطيادها، يظن العلماء أنّ قمر الأرض قد تكوّن عندما اصطدم جسم بحجم المريخ بالأرض، ما أدّى إلى تناثر أجزاء منها، حيث اندمجت هذه الأجزاء مع بعضها فيما بعد وكوّنت القمر الذي نعرفه والذي يؤثر على ميلان محور الأرض.

يقدّر العلماء أنّ ما لا يزيد عن 1% من جميع الكواكب الأرضية تملك قمرًا ذو حجم كبير.

يعني ذلك أنّ معظم تلك الكواكب هي عرضة لتقلّبات حادّة في درجة ميلان محورها.

جاذبية الكواكب:

بينما يساهم القمر التابع للأرض بتعزيز ثباتها؛ تشير البيانات التي ظهرت مؤخرًا إلى أنّ جاذبية الكواكب الأخرى التي تدور حول الشمس -وخاصة كوكب المشتري- ستمنع الأرض من التأرجح بشكل كبير، على الرغم من حركتها الفوضوية.

يقول بارنز: «لأن المشتري هو الكوكب الأضخم في المجموعة الشمسية؛ فهو من يحدّد السلوك العام لها».

لقد قام بارنز بالاشتراك مع زملائه بالتوصّل إلى أنّ ميلان محور الأرض -بدون وجود القمر- سوف يتغيّر بمقدار 10-20 درجة خلال نصف مليار سنة.

لا يبدو ذلك كبيرًا، لكن التغيّر الحاصل الآن في ميلان محور الأرض بدرجة واحدة أو اثنتين قد يكون مسؤولًا بشكل جزئي عن العصور الجليدية.

بحسب ما قاله بارنز: «التغيّر الحالي هو ذو أثر ضئيل، لكن مرافقته للمناخ الحالي لكوكب الأرض تؤدي إلى تغيّرات كبيرة».

«مع ذلك ليس التغيّر بمقدار 10 درجات مشكلة كبيرة فيما يتعلق بموضوع الحياة، ستكون له تأثيرات لكنها لن تعيق تطوّر أشكال الحياة المعقّدة».

علاوة على ذلك، في حال كان المشتري أقرب مما هو عليه؛ ستكون حركة الأرض البدارية أعنف، وسيقوم القمر بجعل كوكبنا متأرجحًا بشكل أكبر، لا أقل.

«يمكن أن يسهم تأثير القمر في الاستقرار أو العكس، وذلك بحسب المجريات الأخرى الحاصلة في النظام المدروس».

فائدة الحركة التراجعيّة:

اكتشف الفريق أيضًا أنّ للكواكب ذات الحركة التراجعية* تغيّرات أقل من تلك الخاصة بالكواكب التي تدور في اتجاه مماثل لاتجاه حركة النجوم التابعة لها، سواء بوجود قمر كبير الحجم أم لا.

«نعتقد بأن اتجاه الحركة المبدئي هو أمر عشوائي، إنْ كان كذلك فعلًا فإن نصف الكواكب الموجودة لن تكون لديها مشكلة في تغيّرات ميلان محورها».

احتمال حركة تراجعية يبلغ 50%، بالإضافة إلى أرجحية قيام كواكب أخرى ضمن النظام ذاته بالحفاظ على الكوكب من أن يميل على جانبه بشكل عنيف، كل ذلك يعني إمكانية المزيد من الكواكب الأرضية لاستضافة الأشكال الحية.

قام بارنز بإعطاء تقدير جزافي ينص على أن 75% من الكواكب الصخرية الواقعة ضمن النطاق الصالح للسكن؛ قد تكون مستقرة بشكلٍ كافٍ للسماح بتطوّر الحياة عليها.

مع ذلك، يقرّ بأنه هناك حاجة لإجراء دراسات إضافية بغرض إثبات تلك الفكرة أو دحضها.

بالمقارنة، اعتقادنا القديم بأن هناك حاجة لقمر كبير الحجم نسبيًا ضروري لتثبيت ميلان الأرض حول محورها، كان يعني وجود مناخ ثابت في 1% فقط من جميع الكواكب الصخرية.

يقول بارنز: «قد يقوم قمر كبير الحجم بتحقيق الاستقرار لكوكب ما، لكن في معظم الحالات ليس هناك من حاجة له».