مع ارتفاع شدة التوتر بين الولايات المتحدة وكوريا الشماليَّة ــ البارز من خلال تجارب الصواريخ النوويَّة وتبادل العبارات الحادَّة بين الطرفين ــ احتماليَّة حدوث حربٍ نوويَّة تبدو أقرب أكثر مقارنةً بالسنوات الماضية ، حسب خبراء.

أعلن مسؤولون عن البنتاغون في 28 نوفمبر عن قيام كوريا الشماليَّة بتجارب إطلاق صاروخٍ باليستي عابرٍ للقارات يصل مداه إلى غاية العاصمة واشنطن، في حين يؤمن الجيران في كوريا الجنوبيَّة بقدرة كوريا الشماليَّة على إقران الصاروخ برأس نوويَّة في فترةٍ ما من السنة القادمة 2018، حسبما نقلت السي إن إن.

رغم عدم قدرة كوريا الشماليَّة حاليًا على قصف العامة الأمريكية، تضع الإمكانية الضئيلة لحدوث هجومٍ نووي سكان العالم بأسره على حافة الخطر.

في حال ما إذا قرَّرت كوريا الشماليَّة مهاجمة الولايات المتحدة، هل من طريقة لإيقاف الصواريخ النووية بعد إطلاقها؟

من بين الخيارات المطروحة خلال السنوات، تقوم على بناء درعٍ معين أو نظام دفاعي لحماية الناس من الهجمات النوويَّة.

منذ بدايات استخدام الصواريخ الباليستيَّة العابرة للقارات (ICBM) عام 1959، المصممة لحمل أسلحة نوويَّة، عملت الولايات المتحدة على إيجاد طرقٍ لحماية الناس من هكذا هجوم.

ورغم مرور عقودٍ على ذلك، لا تزال أمريكا تملك نظامًا دفاعيًا معيبًا، حيث يعتقد معظم الخبراء بعدم قدرته على صد هجومٍ نووي وحماية حياة الأمريكيين، يقول فيليب كويل (Philip E. Coyle III) المستشار العلمي لمركز الحد من التسلُّح والحد من انتشار الأسلحة، والمدير السابق للتجارب العملاتيَّة والتقييم في البنتاغون، وهو الذي قام بتجربة أنظمة الدفاع تلك بشكلٍ متواصل.

لكن ما الذي جعل الولايات المتحدة تأخذ كل هذا الوقت لبناء درعٍ ضد الصواريخ النوويَّة؟ وهل من إمكانية لرؤية هذه التكنولوجيا في المستقبل؟

في هذا الصدد يقول كويل : “هذا أصعب شيءٍ حاول البنتاغون القيام به، كما تشير إليه السنوات السبعون من المحاولة”.

البذرات الأولى :

المحاولات الأولى لبناء برنامج دفاع ضد الصواريخ النوويَّة انطلقت بمجرَّد ظهور الصواريخ الباليستيَّة العابرة للقارات في خمسينات القرن الماضي، رغم أنَّ معظم تلك الجهود قد وضعت على لائحة الانتظار سنة 1972، حين وقَّعت الولايات المتحدة على معاهدة منع الصواريخ الباليستيَّة مع الاتحاد السوفيتي، حيث أضحى العدد الذي بإمكان كلا الطرفين الإبقاء عليه من الصواريخ الباليستيَّة محدودًا.

بعد ذلك ظهرت بعض الأفكار الغريبة المقترحة خلال السنوات المتلاحقة، بما في ذلك عمليَّة آرجوس (Operation Argus)، والتي طمحت لصنع حزامٍ إشعاعي فوق الأرض عبر تفجير سلاحٍ نووي في الغلاف الجوي، ومشروع سيسو (Project Seesaw) الذي اقترح استخدام أشعة من الجسيمات لتدمير الأسلحة النوويَّة.

في سنوات الثمانينات، أعرب الرئيس الأمريكي رونالد ريجان (Ronald Reagan) عن قلقه من معادلة ‘الدمار المتبادل المؤكَّد’ (وهي حقيقة توفر كل من روسيا والولايات المتحدة على أسحة نوويَّة كافية لتدمير بعضهما البعض خلال حربٍ نوويَّة) كالشيء الوحيد الذي يحميهم من الاتحاد السوفيتي.

لهذا السبب، قام بالحرص على تطوير مبادرة الدفاع الاستراتيجي، أو مشروع حرب النجوم (Star Wars program)، والذي يقوم على وضع ليزر يعمل بالطاقة النوويَّة في الفضاء من أجل التصدي للأسلحة النوويَّة.

لقد كان البرنامج جدُّ باهض، جزيئًا لكون المفهوم بأسره خياليًا بشكلٍ كبير، حسب لورا جريجو (Laura Grego)، عالمة الفيزياء الفضائيَّة والخبيرة في الصواريخ الدفاعيَّة والدفاع الفضائي.

التحديَّات لأنظمة الدفاع ضد الصواريخ النوويَّة :

بشكلٍ ما، فشل تلك المشاريع ليس مفاجئًا : التصدي لصاروخ باليستي عابرٍ للقارات هو أمر صعبٌ للغاية، تقول جريجو.

يُطلق هذا النوع من الصواريخ في الهواء، ليقضي 15 دقيقة عبر الفراغ في الفضاء ويعود ليدخل الغلاف الجوي من جديد قبل إصابة هدفه.

لذلك يمكن التصدي للصاروخ الباليستي خلالٍ لحظاتٍ قليلة للغاية في رحلته: عند إطلاقه، أو عند وصوله إلى الفضاء، أو عند عودته للغلاف الجوي والانطلاق نحو هدفه.

كلٌّ من هذه المقاربات لها حدودها.

حيث تقول جريجو: “مرحلة الإطلاق تستغرق حوالي دقيقة إلى بضع دقائق.”

وهذا لن يمنح وقتًا كافيًا لإطلاق صاروخ من أجل التصدي و”قتل” الصاروخ النووي، تضيف.

ما الذي لدينا كذلك، منافسا الولايات المتحدة التاريخيُّين، روسيا والصين، لهما مساحات بريَّة شاسعة.

من المفترض أن يبقيا على الصواريخ بعيدًا داخل البر، وهذا يعني أن معترضات الصواريخ المبنيَّة فوق البحر لن يكون لها الوقت الكافي للتصدي للهجومات خلال مرحلة الإطلاق.

لذلك ومن أجل قتل الصاروخ خلال مرحلة الإطلاق، يجب التحليق فوق مواقع الإطلاق، تقول جريجو.

قبل سنوات، اقترح الجيش وضع طائرة بوينغ-747 أس مع ليزر في السماء فوق روسيا والصين.

تقول جريجو في هذا الشأن: “قد تلاحظ سريعًا الصعوبة التطبيقيَّة لهذا الأمر… قد تقوم بتشغيل العديد من طائرات 747 أس لعقود بشكلٍ متواصل، وانتظار شيءٍ ما ليحصل؟”

أبعد من ذلك، هناك مشاكل أخرى مع طريقة “مرحلة الإطلاق” تلك.

إذا لم يتمكن النظام المعترض من ضرب النقطة الصحيحة تمامًا في الصاروخ، قد “لا يصل الصاروخ النووي إلى الوجهة المبرمج عليها.

سيسقط في مكانٍ آخر، مثل كندا، وهذا شيءٌ لن يعجب كندا” تقول جريجو.

“يجب أن تكون دقيقًا بشكلٍ كبير وأن تصيب الحمولة في رأس الصاروخ”.

استخدام طائرات بدون طيَّار طُرح كذلك كخيارٍ للموضوع، لكن مشكلة هذه الأجهزة أنها تفتقر للقوة الهجومية لتدمير صاروخ، تضيف.

التصدي للصاروخ في الفضاء :

الخيار الثاني، والأكثر قابليةً للتطبيق، هو اعتراض الصاروخ خلال رحلة طيرانه الأطول في الفضاء.

النقطة الإيجابية لهذه الطريقة تكمن في وجود أعداء الولايات المتحدة تقريبًا غرب المحيط الهادىء، سيكون عليهم برمجة صواريخهم لاتخاذ مسارٍ فوق القطبين، مما يعني إمكانية وضع معترض صواريخ أرضي واحدٍ فقط على ألاسكا لحماية الولايات المتحدة بأكملها.

لكن اعتراض صاروخ في الفضاء له نصيبٌ من المشاكل كذلك.

يقول كويل في هذا الشأن: “الصاروخ القادم ينطلق بسرعة ما بين 15.000 إلى 17.000 ميلٍ في الساعة (24.000 إلى 27.000 كلم/سا)… وبتلك السرعة، إذا أخطأت إنشًا واحدًا، قد تخطىء ميلًا بأكلمه”.

لدينا إشكاليَّة أخرى كذلك: لا وجود لمقاومة الهواء في الفضاء.

وهذا يعني أنَّ بالون مزيَّف على هيئة رأس نووي باستطاعته السفر بنفس الطريقة كالرأس الحقيقي، مما يجعل التفرقة بين الصاروخ الحقيقي والمزيَّف أمرًا صعبًا.

ولأن البالونات خفيفة للغاية، قد يطلق رأس حربي متطور من 20 إلى 30 بالونًا لتضليل مساره، تقول جريجو.

الأمل الأخير :

أخيرًا، سيكون الأمل المتبقي لاعتراض الصاروخ النووي هو عند رجوعه إلى الغلاف الجوي، قبل ضربه للهدف.

من ميزات هذه الطريقة قد تكون عودة مقاومة الهواء التي ستجعل من الصواريخ المزيفة غير فعَّالة لتضليل المسار.

من جهة أخرى “ليس لديك وقتٌ كبير للدفاع، لأنه قادمٌ نحوك بسرعة كبيرة، لذلك ليست بالاستراتيجية العمليَّة”، تقول جريجو.

كما أن تشويش الرؤوس الحربيَّة النووية بشيء مثل النبضات الكهرومغناطيسيَّة (EMP) لن يجدي نفعًا على الأرجح؛ لأن الأسلحة النووية مصممة لتكون صلبةً بشكلٍ كافٍ من أجل التصدي لتأثير النبضات الكهرومغناطيسيَّة من الأسلحة النوويَّة القريبة، تقول جريجو.

كنتيجةٍ لذلك، ركزَّ الجيش في العقود الأخيرة على ضرب الصاروخ الباليستي العابر للقارات خلال المرحلة الثانية، ويعرف ذلك بنظام صواريخ الدفاع الأرضية.

لقدَّ طور الجيش نموذجًا أوليًا خلال إدارة كلينتون وعرف ذلك نجاحًا مبكرًا.

خلال إدارة بوش، دفع الجيش بالسلاح من مجرَّد نموذج أولي إلى جاهزٍ للعمل.

منذ ذلك الحين، أخطأ النظام الدفاعي الهدف لـ 9 مرَّات من أصل 17 تجربة، حسب تصريحات الجيش.

ما بين 2010 و2017، فشل النظام في إصابة الهدف لـ3 مرَّات من أصل 4 تجارب (هذا وقد أعلن الجيش الأمريكي عن قيامه بعمليَّة تصدي ناجحة في ماي الماضي).

يقول كويل في هذا الشأن : “الفشل في اختبارات الاعتراض هو أمر مفاجىء جدًا، لأن التجارب توضع أساسًا لتحقيق أعلى درجة من النجاح.

إذا ما برمجت هذه التجارب لخداع الدفاعات الأمريكية، وكما سيقوم عدو حقيقي بذلك، فسيكون معدل الفشل أسوأ من ذلك”.

ويبقى جزءٌ من المشكلة أنَّ الأنظمة قد خرجت بسرعة من العمليَّة الهندسيَّة وعانت من عيوبٍ في التصميم، كما قال كويل وجريجو.

بالإضافة إلى ذلك، يجب على الجيش الأمريكي أن يبني هياكل تكنولوجية إضافيَّة، مثل رادارٍ بموجاتٍ متعددة، أو أقمار صناعيَّة أفضل لالتقاط الصواريخ، وهو الأمر الذي بإمكانه تسهيل عمليَّة تحديد ورؤية الهدف.

لكن، ورغم إعادة تصميم المشاريع من القاعدة، مع مرعاة الاستخدام الأفضل للتكنولوجيات المتوفرة والجديدة، تبقى أنظمة الدفاع النوويَّة تواجه صعوبات لا يمكن تجاوزها، تقول جريجو.

على سبيل المثال، حتى الآن، لم يتمكن أحدٌ من حل إشكاليَّة الرؤوس الحربيَّة المزيفة في الفضاء.

تقول جريجو أن التركيز على “الاستراتيجيات الدفاعيَّة” التي بإمكانها حماية المدن الأمريكية نصف الوقت قد تكون باهضةً وأكثر خطورةً على العالم، مقارنةً باستخدام هذه الموارد في استراتيجيَّات رادعة للحروب أكثر كفاءةً مثل الدبلوماسيَّة.


  • إعداد : وليد سايس.
  • تدقيق: رؤى درخباني.
  • تحرير: عيسى هزيم.
  • المصدر