ولد هنري لويس برجسون في باريس في 18 أكتوبر سنة 1859، وتوفي بها أيضًا في 4 يناير سنة 1941. وهو فيلسوف فرنسي، يعد أول من تحدَّث عما سمي لاحقًا بفلسفة الصيرورة، التي رفضت القيم الجامدة والثابتة لصالح قيم الحركة والتغيير والتطور. وقد امتلك هنري برجسون أيضًا أسلوبًا أدبيًّا بارعًا حاز على رضا القراء والأكاديميين، وحصل بفضله على جائزة نوبل للآداب سنة 1927.

سنواته المبكرة:

كان والد برجسون موسيقيًا موهوبًا من عائلة يهودية بولندية ثرية، سُمِّيت «أبناء بيريك أو Berek-sons»، واشتُق منها اسم «برجسون»، بينما كانت والدته من عائلة إنجليزية يهودية. أما برجسون نفسه فقد كانت دراسته وتربيته واهتماماته فرنسية بحتة، وأمضى مسيرته المهنية وحياته كلها في فرنسا، وعاش معظم أيامه في باريس.

تلقى برجسون تعليمه المبكر في مدرسة «كوندروسيه» في باريس، حيث ظهرت مواهبه العظيمة في كل من العلوم الطبيعية والإنسانية. ودرس من سنة 1878 إلى 1881م في المدرسة العليا للأساتذة في باريس، وهي المؤسسة المسؤولة عن تدريب أساتذة الجامعات، وقد جعلته الثقافة العامة التي اكتسبها هناك قادرًا على قراءة الأدب الكلاسيكي اليوناني واللاتيني بنفس الدرجة من الإتقان، ومكنته من الحصول على ما يحتاج إليه من علوم عصره، ومنحته أيضًا فرصته المهنية الأولى في الفلسفة التي ركز اهتمامه عليها بعد تخرجه.

هنري برجسون السيرة الذاتية - فيلسوف فرنسي - ظهور مدرسة برجسونية في الفلسفة - العلوم الطبيعية والإنسانية - جائزة نوبل للآداب سنة 1927

بدأ مسيرته المهنية في التدريس في مدارس مختلفة خارج باريس، بداية من مدينة أنجيه بين سنتي (1881-1883)، ثم في كليرمون-فيران في السنوات الخمس اللاحقة، حيث استخدم حدسه وإلهامه للبدء في تأليف كتبه الفلسفية الأولى. مثلما كتب لاحقًا للعالم البراغماتي الأميركي الشهير «ويليام جيمس»: «لقد تشبًّعت تمامًا بالنظريات الميكانيكية، التي قادتني إليها باكرًا قراءاتي ل «هربرت سبنسر»، إذ قلب تحليل مفهوم الزمن المتداخل مع الميكانيك والفيزياء أفكاري كلها رأسًا على عقب، إذ اكتشفت -لدهشتي الشديدة- أن الزمن العلمي لا يدوم، وأن العلم الإيجابي يتألف أساسًا من حذف الديمومة، وكانت هذه نقطة الانطلاق نحو سلسة من الأفكار أجبرتني تدريجيًا على رفض كل الحقائق التي كنت أقبل بها في السابق وتغيير وجهة نظري تغييرًا كاملًا».

كانت النتيجة الأولى لهذا التغيير في عام 1889م مقالته «الوقت والإرادة الحرة: مقالة عن المعطيات الفورية للوعي»، والتي منحته درجة الدكتوراه في العام نفسه. كان هذا العمل في المقام الأول محاولة لتأسيس مفهوم «الديمومة» أو الوقت المُعاش، خلافًا لما نظر إليه برجسون بوصفه التصور المكاني للزمن المُقاس بالساعة، والمُستَخدم في العلوم.

وحلَّل أيضًا الوعي الذي يحمله الإنسان لذاته الداخلية ليبين لنا أن الحقائق النفسية تختلف عن غيرها نوعيًّا، مُتَّهِمًا علماء النفس على وجه الخصوص بتزوير الحقائق في محاولتهم قياسها وإحصائها. وانتقد خاصة قانون «فيشنر» الذي يدَّعي وجود علاقة قابلة للحساب بين قوة التحفيز والإحساس المقابل. وعندما أُزيلت الالتباسات التي خلطت بين الديمومة والمدى الزمني وبين التعاقب والتزامن وبين النوعية والكمية، قال إن الحدود المُقيِّدة لحرية الإنسان التي تُفرَض علينا باسم الحتمية العلمية قد لا يكون لها أي أساس من الصحة.

التأثير:

رغم أن إنجازات برجسون لم تؤدِّ إلى ظهور مدرسة «برجسونية» في الفلسفة، فقد كان تأثيره بين فلاسفة فرنسا كبيرًا، وظهر أيضًا في الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى، خاصة في كتابات العالمَين الميتافيزيقيين العظيمين «جورج سانتيانا» و«ألفريد نورث وايتهيد».

اقرأ أيضًا:

غزو النورماندي … أكبر إنزال بحري في التاريخ

الفيلسوف الفرنسي لوي ألتوسير: سيرة شخصية

ترجمة: نيفين الشلي

تدقيق: محمد الصفتي

مراجعة: وئام سليمان

المصدر