قد يفضّل الناس التعلّم بطرق مختلفة، لكنّ الأبحاث أظهرت أنّ تخصيص التدريس حسب ما يفضّله الطلاب لا يساعدهم على الأداء بشكل أفضل.

وتعتبر الطريقة التي تسمّى «التعليم الجزيئيّ» طريقة مثبتة لمساعدة الطلّاب على التعلّم.

إنّ التواصل الجيّد بين المعلّمين والطلّاب هو أمر مهمٌّ للتعلّم أيضًا.

نحن نحبّ أن نفعل الأشياء بطرقنا الخاصّة.

هذا – على ما يبدو – صحيح بشكل خاصّ في البيت الأبيض، إذ يختار الرؤساء تلقّي المعلومات السريّة في صيغ مختلفة.

فالرئيس السابق باراك أوباما يحصل على تقريره اليوميّ على الكومبيوتر اللوحيّ، في حين أنّ الرئيس دونالد ترامب يفضّل التقارير الشفويّة.

وفقًا لتقرير واشنطن بوست، السبب في ذلك هو أنّ «القراءة ليست اسلوبًا مفضّلًا للتعلّم» لدى ترامب.

وعلى مدى عقود، وضع الناس فكرة «أساليب التعلم»، والتي غالبًا ما تُصنّف إلى ثلاثة أنواع: البصريّة، السمعيّة، والحركيّة.

ويعتقد الناس أيضًا أنّ بعض المتعلّمين أكثر واقعيّة من الآخرين التجريديّين.

وفقًا لهذا المنطق، يجب على المعلّم تحديد نمط التعلّم الأفضل لطلابه وتعديل طريقة تدريسهم لمساعدتهم على تحقيق أداء أفضل.

هناك جزء من الحقيقة هنا: يميل الناس إلى الاستمتاع بالحصول على معلومات بصيغ محدّدة ومميّزة.

وقد أوضحت دراسة أُجرِيت في عام 2008 هذا الأمر كالآتي: «يختلف الناس بدرجة تمتّعهم ببعض الاستعدادات المحدّدة لأنواع مختلفة من التفكير ولمعالجة أنواع مختلفة من المعلومات«.

ولكن فكرة أنّ ترامب يفضّل الاستماع وأوباما يفضّل القراءة لا تعني أنّه من الأفضل تلقّي المعلومات بهذا الشكل.

في الواقع، تُظهر الأبحاث أنّ تدريس الطلاب وفقًا لأساليب التعلّم المختلفة ليس له أيّ تأثير على كيفيّة أدائهم أثناء التقييمات.

فقد فشل العلماء في كلّ مرّة حاولوا فيها إثبات هذه النظريّة.

نشر فريق من الباحثين في عام 2012 ورقة بحثيّة بعنوان: «أساليب التعلّم، أين الدليل؟».

وجاء فيها «إنّ فكرة وجوب تصميم مستوى الدروس أو المعلومات ليناسبَ مستوى إدراك معيّن هو كلام لا أساس له من الصحة«.

في عام 2015، وجد عالم الأعصاب والمدرّس فيليب نيوتن من جامعة Swansea أنّ %64 من أساتذة الجامعات الأمريكيّة ما زالوا يعتقدون أنّ التعليم بالأسلوب المفضّل للطلاب سيساعدهم على التعلّم بشكل أفضل.

وقال نيوتن: «من المؤسف أنّ الأشخاص الذين ربّما يكونون أكثر حماسًا لتحسين طلابهم هم الذين يبحثون عن هذه الأدوات التي لا تعمل للأسف».

أسطورة «أساليب التعلم» معيبة بشكل خطير

إنّ الترويج لفكرة أنّ بعض الناس يتعلّمون بطريقة ما أفضل من غيرها ليس غير فعّال فقط؛ بل إنّه ضارّ أيضًا، ويحتمل أن يكون تمييزيًّا.

وقد استخدم فريق من علماء الفيزيولوجيا هذه الخرافة في بحثهم بناءً على اقتراح وجود اختلافات بين الجنسين في أساليب التعلّم التي يجب على المعلّمين أخذها بعين الاعتبار.

اقترحت دراسة أُجرِيت عام 2017 على طلاب طبّ إيرانيين أنّ طالبات الطبّ يتعلّمن بشكل أفضل من الرجال عند تطبيق نظام المجموعات.

ولكنّ نيوتن قال: «تخيّل أنّه قد قيل لك أنّك متعلّم بصريّ عندما كنت في السادسة من عمرك؛ قد تفكّر عندها أنّك لن تكون موسيقيًّا أبدًا»، مضيفًا: «إنّ ذلك يمكن أن يكون ضارًّا».

إنّ هذا لا يشكّل مشكلة للأطفال فقط؛ فقد أظهرت الدراسات أنّ أداء المرأة سيكون أسوأ في مشاكل الرياضيّات
مقارنةً مع الرجال عندما يشعرْن بأنّه قد حُكِم عليهنّ بأنّهنّ أقلّ قدرةً على حلّها.

بالطبع، لدى الجميع تفضيلاتٌ حول الطريقة التي يحبّون العمل أو الدراسة بها.

قال نيوتن إنّه يحبّ عادةً أن يقرأ وهو وحيدٌ.

قد يرغب آخرون في الحصول على المعلومات الجديدة عبر البودكاست-Podcast (ملفات صوتيّة من الانترنت) أو عبر النقاشات الاعتياديّة مع الأصدقاء أثناء التنزّه.

ولكنّ محاولة تعلّم معظم الأشياء طبقًا لنمط واحدٍ ليس أمرًا عمليًّا.

إنّ تعلّم مهارة معقّدة مثل العزف على آلةٍ موسيقيّةٍ مثلًا يتطلّب العديد من المهارات المختلفة.

فقراءة الموسيقى تتطلّب مهارة بصريّة، والاستماع إلى الصوت هو مهارة سمعيّة، والعزف على الآلة بحدّ ذاته هو العمل الحركيّ.

فكلّ ذلك يشكّ جزءًا من حزمة المهارات المطلوبة لأيّ شخصٍ يريد أن يعزف موسيقى جيّدةً.

إذن ما العمل؟

يظهر بحث نيوتن أنّ الاستراتيجيّات التي تساعد الطلّاب على التعلّم تتضمّن الاختبارات العمليّة، وتشجيع تعليم الأقران، والعمل على طرح المشكلات مع الحلول وإعطاء الأمثلة.

وهي تساعد أيضًا إذا تمكّن الطلّاب من ربط ما يتعلّمونه حاليًّا بما يعرفونه مسبقًا، وملاءمة معارفهم الجديدة مع فهمهم للعالم.

قال نيوتن إنّ الأساس الجيّد للتدريس الجيّد هو التواصل الجيّد دائمًا.

وقال: «إذا أخبرت طلّابك أنّك ذاهبٌ لفعل شيءٍ ما ولم تفعله، فإنّ مصداقيّتك ستقلّ».

وهذا هو الوقت الذي يمكن أن يتدهور فيه تعلّم الطلاب.

وأضاف: «إنّهم لا يعملون جيّدًا في الصفّ لأنّهم لا يصدقونك ولا يثقون بك بقدر ما ينبغي».

ولكنّ هناك أمر أساسيّ واحد يمكن أن يساعد في تحسين تعلّم الطلاب أكثر من أيّ أسلوب آخر وهو: ممارسة «التعليم الجزيئي».

وهذا يتطلّب من المعلّم أن يجهّز كاميرا في الصفّ أثناء التدريس، ويسجّل الدرس، ثمّ يشاهد الشريط لاحقًا مع زملائه.

يدفع هذا التمرينُ المدرّبين إلى إلقاء نظرة فاحصة على أنفسهم، ثمّ التفكير وتغيير طريقة تدريسهم.

في المرّة الأولى التي طبّق فيها نيوتن هذه الطريقة بنفسه شعر بالرعب، وقال: «لاحظت أنّني كنت أسير لأعلى ولأسفل، كنت أنقر أسناني، وأنتف شعري.

كلّ ذلك يشتّت انتباه طلّابي«.

لذلك قد تكون الدروس غير مريحة إلى حدٍّ ما؛ فالقليل منّا يستمتع بمشاهدة نفسه على شريط الفيديو، وخاصّة في غرفة مليئة بزملاء العمل الذين يراقبون ويحلّلون الطرق التي قد نطوّرها.

ولكن على العكس من أساليب التعلّم، فإنّ التعليم الجزيئيّ يؤدّي عملًا جيّدًا حقًّا.

وقد ثبت أنّه يشجّع الطلّاب على المشاركة وتحسين السلوك والدراسة بجدٍّ أكثر وتحسين فهمهم للمواد.

قد تسفر استراتيجيّة التدريس هذه عن نتائجَ مفيدةٍ للناس الذين أطلعوا الرئيس ترامب على الأخبار كلّ يوم.


  • ترجمة : بشار الجميلي
  • تدقيق: اسماعيل اليازجي
  • تحرير: ناجية الأحمد
  • المصدر