يُقصد بالغالاكتوزيميا وجود الغالاكتوز في الدم، ويمنع هذا المرض الوراثي الجسم من تفكيك سكر الغالاكتوز، ويؤدي إلى ارتفاعه في الدم إلى نسب سامة، يجب على مرضى الغالاكتوزيميا تجنب منتجات الألبان والإرضاع الطبيعي ومعظم طعام الأطفال، فقد تسبب تهديدًا على حياة الرضيع إذ لم تُشخَّص باكرًا.

ما هي الغالاكتوزيميا؟

الغالاكتوزيميا هي اضطراب استقلابي يفشل فيه الجسم في هضم الغالاكتوز ما يزيد من وجوده في الدم، قد يسبب هذا المرض مشكلات للرضّع لاحتواء معظم أغذيتهم عليه (كحليب الرضاعة أو معظم منتجات الأطفال الغذائية)، لذلك من الضروري تشخيصه باكرًا لتجنب عواقبه التي قد تهدد حياة الطفل، ولهذا تبحث المستشفيات الأميركية عن المرض عند الولادة لأن الكشف المبكر مع حمية خالية من الغالاكتوز يؤمّن للمرضى حياة طبيعية نسبيًا.

كيف تؤثر هذه الحالة في الطفل؟

عندما يفشل جسم الطفل بهضم السكر يزداد وجود الغالاكتوز في الدم، ما يؤدي إلى تجمعه ضمن أعضاء ليس من المفترض أن يوجد فيها، يحول أحد الأنزيمات الغالاكتوز إلى غالاكتيتول وهو مشتق كحولي سام يتجمع في أعضاء الطفل وأنسجته وقد يسبب أضرارًا كبيرة، يسبب وجود الغالاكتوز في الدم دون معالجة كثيرًا من الآثار منها:

  •  ساد (إعتام عدسة العين).
  •  تأخر النمو.
  •  إعاقة ذهنية.
  •  صعوبات النطق.
  •  اضطراب بالمهارات الحركية الدقيقة.
  •  اضطرابات عصبية.
  •  أمراض كلى.
  •  قصور المبيض المبكر.
  •  قصور كبدي.
  •  إنتانات.

إذا كان تشخيص الطفل بوجود الغالاكتوز في الدم باكرًا، فإن نموه يكون كافيًا لدى تلقيه العلاج باكرًا، قد لا يظهر على بعض الأطفال أي اختلافات عن باقي الأطفال الأصحاء، بينما قد يعاني آخرون عدة صعوبات لعدم إمكانية التخلص من وجود الغالاكتوز في الدم كاملًا، فحتى مع اتباع حمية خالية الغالاكتوز ينتج الجسم كمية محددة منه ذاتيًا ما قد يسبب بعض المشكلات والأعراض، ومنها:

  •  تأخر في الكلام.
  •  صعوبات التعلم.
  •  اضطرابات سلوكية.
  •  اضطرابات التوازن والتنسيق (الرنح الحركي).
  •  رجفان.
  •  عوز الهرمونات الذي قد يسبب تأخر البلوغ عند الإناث.

كيف تؤثر الغالاكتوزيميا في البالغين؟

قد يحظى البالغين المصابين بوجود الغالاكتوز في الدم بحياة طبيعية نسبيًا، لكن بعضًا ممن عانوا أعراضًا خلال الطفولة قد تستمر لديهم هذه الأعراض مدة طويلة، إذ يعتمد ظهورها على مدى التزام المريض بالحمية الخالية من الغالاكتوز، وبعض الأعراض الأخرى مثل العوز الهرموني شائعة رغم العلاج. تواجه معظم الإناث خطر الإصابة بقصور المبيض المبكر حتى عند التشخيص والعلاج الباكر، ما قد يسبب صعوبة في الحمل والإنجاب، إذ تخضع نساء كثيرات للعلاج بالهرمونات البديلة لعلاج مشكلات البلوغ والخصوبة.

من تصيب الغالاكتوزيميا؟ وما مدى شيوعها؟

يُعد وجود الغالاكتوز في الدم اضطرابًا وراثيًا، فقد يصيب أي شخص تنتقل إليه الجينات المحوَّرة، مع احتمالية إصابة تصل إلى 25% إذا كان كلا الوالدين حاملين للجين، فهذه الحالة تحدث عند مختلف المجموعات العرقية حول العالم.

وتعد الغالاكتوزيميا الكلاسيكية حالة نادرة، إذ تحصل عند 1 إلى 45000 شخص تقريبًا. لكنّ الشكل المعتدل منها أكثر شيوعًا ويسمى غالاكتوزيميا دوارت ويتميز بحساسية أقل للغالاكاتوز مقارنة بالكلاسيكية، وتصيب 1 إلى 4000.

ما هي أعراض وعلامات الغالاكتوزيميا؟

تظهر أعراض وجود الغالاكتوز في الدم في الغالاكتوزيميا الكلاسيكية بعد أيام قليلة من الإرضاع، وقد تكون متوسطة إلى شديدة وتتضمن:

  •  نقص شهية.
  •  خمول.
  •  إقياء.
  •  إسهال.
  •  وهن.
  •  فشل نمو.
  •  يرقان.
  •  تضخم كبد.
  •  امتلاء البطن بالسوائل (حبن).
  •  وذمة دماغية.

يجب التدخل الطبي عاجلًا عند ملاحظة هذه الأعراض، وتتحسن عند تشخيص الغالاكتوزيميا واتباع الحمية المخصصة.

ما الذي يسبب الغالاكتوزيميا؟

تحدث الغالاكتوزيميا بسبب تحوُّر إحدى الجينات بالانتقال من الأبوين إلى الطفل (جينًا من كلا الأبوين)، لا تظهر أعراض المرض لدى الوالدين الحاملين إلا إذا حملوا نسختي الجين المحوّر، وبهذا يشكّل انتقال المرض للطفل مفاجأة.

يُسبب هذا الجين المحوّر غياب الإنزيم المسؤول عن تحطيم الغالاكتوز وتحويله إلى طاقة، ما يُسبب زيادة وجود الغالاكتوز في الدم وتجمُّع مواد كيميائية مُشتقّة من الغالاكتوز في أنسجة الجسم.

ما هي الأنواع المختلفة للغالاكتوزيميا؟

تتطور الغالاكتوزيميا من ثلاثة أنواع مختلفة من الجينات المحوّرة، كلّ نوع ينتج عنه نمط محدد من الغالاكتوزيميا

 النوع الأول الكلاسيكي

هو النمط الأكثر شيوعًا وحدّةً وينتج عن خلل في الجين GALT، إذ يُعد هذا الجين مسؤولًا عن إنتاج الإنزيمات التي تُجزِّئ الغالاكتوز إلى غلوكوز وجزيئات أخرى يستخدمها الجسم للحصول على الطاقة، غياب هذا الجين يؤثر في الأنزيمات فلا تستطيع تحطيم الغالاكتوز ليتراكم في جسم المريض ويزداد مستوى وجود الغالاكتوز في الدم.

 النوع الثاني (عوز الغالاكتوكيناز)

يُسبب الخلل في الجين GALK1 إحداث النمط الثاني، فهو مسؤول عن إنزيمات داعمة لعملية استقلاب الغالاكتوز، يُسبب النمط الثاني أعراضًا أقل من النمط الأول وتتمثل خطورته الأساسية في حدوث الساد.

 النمط الثالث (عوز إيبي ميراز الغالاكتوز)

ينشأ من خلل الجين GALE الذي ينتِج إنزيمات داعمة لاستقلاب الغالاكتوز، وأي نقص فيها يؤدي إلى زيادة وجود الغالاكتوز في الدم وتراكمه، وقد يسبب أعراض معتدلة إلى شديدة، يسبب النوع الحاد منه ظهور أعراض مشابهة للنمط الأول مثل الساد وتأخر النمو و الإعاقات الذهنية وأمراض الكبد والكلى.

غالاكتوزيميا دوارت

ينتج هذا النوع عن خلل في الجين GALT المسؤول أيضًا عن النمط الأول، لكنه أقل حدّة منه لأنه ينقص من فعالية الإنزيم الرئيسي المسؤول عن استقلاب الغالاكاتوز ولا يخرّبه تمامًا، قد يواجه المرضى المصابين بهذا النمط أعراضًا هضمية عند تناول الغالاكتوز لكن ليس بالضرورة ظهور باقي الأعراض وﻻ يجبرهم ذلك على تجنب تناول الغالاكتوز تمامًا حتى.

كيف تُشخَّص الغالاكتوزيميا؟

يُعد البحث عن وجود الغالاكتوز في الدم إجراءً اعتياديًا في المستشفيات الأمريكية، فهو جزء من مجموعة اختبارات للبحث عن أمراض أخرى أيضًا قد تسبب أذيات قبل ظهور الأعراض، يُشار إليه أحيانًا باختبار PKU الذي يكشف أيضًا بيلة الفينيل كيتون، ويتضمن الفحص سحب الدم من قدم الطفل بعد 24 ساعة من الولادة، ويتبين نقص في فعالية الإنزيم GALT لدى الإصابة فيُكمل الفريق الطبي الفحوص الجينية لتحديد نمط الإصابة.

كيف تعالج الغالاكتوزيميا؟

الطريقة الأفضل في علاج وجود الغالاكتوز في الدم هي حذف الغالاكتوز من الغذاء، ويتطلب ذلك عدم تناول منتجات الألبان والاستعاضة عنها بأغذية مليئة بالعناصر أو فول الصويا لدى الرضع، ويجب على الأطفال والبالغين تناول المكملات الغذائية كالكالسيوم والفيتامين د بسبب نقصها عند عدم تناول الألبان للحفاظ على كثافة العظام جيدًا.

ما علاج الآثار طويلة الأمد للغالاكتوزيميا لدى الأطفال؟

قد يحتاج بعض الأطفال المصابين بوجود الغالاكتوز في إلى الدم دعم إضافي فيما يتعلق بالتعلم والنمو مثل:

  •  علاج النطق.
  •  العلاج الوظيفي.
  •  العلاج السلوكي.
  •  خطط التعلم المستهدفة.

هل يمكن منع الإصابة بالغالاكتوزيميا؟

لا يمكن التحكم بإمكانية نقل المرض من عدمه، لكن بوسع الزوجين الخضوع لفحوصات جينية للبحث عن الجين المتحوّر قبل الإنجاب، قد يكون الشخص حاملًا للمرض دون أعراض لذلك يجب على الأبوين الحاملَين للجين فهم احتمالية نقله إلى الطفل، تُساعد الاستشارة الوراثية في معرفة الإمكانيات المحتملة، ويبقى الكشف المكبر لوجود الغالاكتوز في الدم أفضل وسيلة للحد من آثاره.

ما هي التوقعات لحياة المصاب؟

يؤمّن التشخيص الباكر مع حمية خالية الغالاكتوز حياة عادية للمريض، لكنّ حدوث ضرر دائم في أحد الأعضاء عند حديثي الولادة يؤثر في صحة الطفل المستقبلية.

كيف يعتني المصابين البالغين بأنفسهم؟

سر الحياة العادية لأي شخص يعاني من وجود الغالاكتوز في الدم هو الحمية الخالية من الغالاكتوز، تحتاج الحمية إلى الانضباط والالتزام لذلك من الجيد أن يشارك المرضى في نشاطات مع الآخرين وتبادل الوصفات، والحصول على الدعم الاجتماعي خصوصًا للذين يعانون من أعراض على المدى الطويل.

يجب على المرضى الخضوع لفحوصات دورية لمراقبة الأعراض ومستوى وجود الغالاكتوز في الدم لديهم، مثل:

  •  فحوصات عينية للكشف عن الساد.
  •  الفحوصات العصبية لاختبار الوظائف التنفيذية واضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه والرجفان والرنح.
  •  فحوصات كثافة العظام وعوز الكالسيوم والعناصر المعدنية.
  • فحوصات هرمونية للإناث.

تساعد هذه الفحوصات في الكشف والعلاج المبكر لأي اضطراب سابق.

وجود الغالاكتوز في الدم مرض نادر، لكن بالوسع توقعه من خلال الفحوصات الجينية، تساعد هذه الفحوصات الزوجين المقبلين على الإنجاب في البحث عن الجين المتحوّر لديهم، مع إمكانية إصابة الطفل تصل إلى 25% إن كان كلا الأبوين يحملان الجين.

قد يتعرض الوالدين لصدمة عند تشخيص طفلهم بالغالاكتوزيميا خصوصًا مع عدم وجودها سابقًا في العائلة، فهي حالة نادرة وغير معروفة حتى عند مقدّمي الرعاية الصحية أحيانًا، لكن بالوسع تجنب أعراضها جيدًا عند التشخيص الباكر.

تؤمن الحمية الخالية من الغالاكتوز حياة طبيعية نسبيًا للطفل، لكن قد تحدث بعض مشكلات النمو التي تتطلب اهتمامًا إضافيًا.

يمثل وجود الغالاكتوز في الدم أحد التحديات المفاجئة التي تصادف الأهل، لكنّ معرفة الحالة وفهمها ضروريّ لتوقع هذه التحديات ومواجهتها لحياة أفضل.

اقرأ أيضًا:

عدم تحمل اللاكتوز: لماذا لا يستطيع بعض البشر شرب الحليب؟

كيف يهضم الجسم الكربوهيدرات؟

ترجمة: غنى عباس

تدقيق: لين الشيخ عبيد

مراجعة: محمد حسان عجك

المصدر