إذا كانت حياتِك العاطفية كبالغة عبارة عن سلسلة لا تنتهي من الانفصالات، فقد يقع اللوم على أمِّك.

فقد وجدت دراسة حديثة أن البنات وأمهاتهن غالبًا ما يكون لهنَّ نفس عدد الزيجات. لكن الرابط ليس له علاقة بالمستوى المادي ولا بعدد الانفصالات التي شهدتها البنات. بل كان السبب هو سوء إدارة النزاعات وضعف مهارة إيجاد حلول للمشاكل الذي تتوارثه البنات من أمهاتهن، ما يؤثر على جودة علاقتهن المستقبلية.

على مر الأجيال:

تقول (كلير كامب داش- Claire Kamp Dush) الباحثة في مجال التنمية البشرية وعلوم الأسرة في جامعة ولاية أوهايو، أن السبب وراء طرح هذه الدراسة هو تغير نمط العلاقات في الولايات المتحدة. فقد ازداد عدد الأزواج الذين يعيشون معًا دون زواج رسمي من ١٤ مليون شخصًا في عام ٢٠٠٧ إلى ١٨ مليونًا في عام ٢٠١٦.

واهتمت كلير وزملاؤها بمعرفة كيف تؤثر تجارب الناس الشخصية على نوع العلاقات التي يدخلون فيها. واستخدم الفريق بيانات من استبيانين على نطاق واسع على الصعيد الوطني عام ١٩٧٩، وتابعت الدراسة ٧١٩٢ مشتركًا على مدار عقود من الزمن. ثم أتمت بنات المشتركات نفس الاستبيان بعد سنين، وبالتالي أصبح لدى الباحثين قاعدة بيانات عن جيلين متتابعين من المشتركات وأمهاتهم وحالاتهن الاجتماعية.

وكان أول استنتاج للدراسة أن هناك رابطًا ما بين عدد زيجات الأم وعدد شركاء بناتهن. فمقابل كل زيجة إضافية للأم زاد العدد الكلي لعلاقات بناتهن بنسبة ٦%.

ووفقًا للعلماء فإن الرابط نفسه ليس مفاجئًا، فالأطفال الذين انفصل ذووهم، لديهم ثقة أقل في مبدأ الزواج والعلاقات طويلة المدى. لكن بسبب وجود بيانات استُخلِصت على مدار سنين، تمكن العلماء للتوصل للسبب الفعلي للتشابه الشديد بين نمط العلاقات العاطفية للأمهات وبناتهن.

وقد كانت المهمة الأولى للبحث هي تحديد إذا ما كان هناك رابط بين عدم الاستقرار المادي بسبب تكاليف طلاق الأم وانخفاض المستوى الاقتصادي وبالتالي مستوى تعليم البنات وزعزعة استقرار علاقاتهن المستقبلية.

توارث أنماط السلوك:

عدم الاستقرار المادي لم يُعلِّل كليًا وجود ذلك الرابط، مع الأخذ بالاعتبار تدهور وتحسُّن الحالة المادية للأم على مدار السنين، ما جعل كلير تتساءل عما إذا كانت مشاهدة البنات لأمهاتهن وهن ينفصلن قد علمتهن أن فسخ الالتزامات وارد وجعلتهن أكثر استعدادًا لإنهاء علاقاتهن في المستقبل.

ودرس الباحثون نمط علاقات إخوة المشتركين للتأكد من هذه الفرضية. فإذا كانت مشاهدة الانفصال هي السبب الوحيد فقط وراء صعوبة الارتباط، فهذا يعني أن الأخوات الأكبر سنًا اللواتي شاهدن الانفصال عدد مرات أكثر ويتذكرنه أفضل يجب أن تكون حياتهن العاطفية غير مستقرة أكثر من أخواتهن الأصغر سنًا. لكن الأمر لم يكن كذلك ولم ينطبق هذا الافتراض عليهم.

وتقول كلير أنهم لم يجدوا أي فروقات بين الأخوات، ما جعلهم يشكُّون أن السبب الأساسي هو طريقة تصرفات والسمات الشخصية للأم، التي توارثتها بناتها إما عن طريق الجينات أو عبر تقليدها واتخاذها مثالًا. فقد كان لدى الأمهات ضَعف في مهارات حل النزاع وفقر في إيجاد الحلول الوسطية أو مرض نفسي متوارث ما يلعب دورًا كبيرًا في صعوبة البقاء في علاقة واحدة لفترة طويلة.

وأكدت كلير على أهمية أن تُركز الأبحاث المستقبلية على تلك العوامل. وأنّ تَعلُم مهارات التواصل الفعَّال وحل النزاعات والتفكير النقدي والتغلب على الإجهاد والانفعالات سيكون له أثر كبير على تحسين جودة العلاقات بين الناس.

وهذا أمر مهم للغاية وفقًا لكلير لأنه حاليًا يُولَد 40% من الأطفال في الولايات المتحدة خارج نطاق الزواج الرسمي، ويعيش ذووهم سويًا وينفصل حوالي ٦٠% منهم قبل إتمام الطفل عامه الخامس.

وقد لا يضمن الزواج رفاه الأطفال خاصةً إذا كانت العلاقة بين الطرفين سامة، ولكن أظهرت العديد من الأبحاث أن الاطفال يكونون في أتَّم حالاتهم النفسية عندما يترعرعوا في بيت فيه استقرار عائلي بين زوجين متحابين.

ما جعل كلير تؤكد على أهمية مساعدة الغير في تعلُّم المهارات الشخصية اللازمة لإيجاد علاقات صحية، مُرضية وطويلة المدى.


  • ترجمة: جينا عماد جمال
  • تدقيق: هبة فارس
  • تحرير: زيد أبو الرب

المصدر