هل نزلت مرة في فندق وشعرت أنك ضحية استغلال؟ هذا ليس جديدًا، أصحاب الفنادق منذ القدم يملكون سمعة سيئة، لدرجة أن تشريع حمورابي الذي يعود إلى عام 1754 قبل الميلاد حدد عقوبة غش الزبون الذي يطلب شرابًا بالموت، بالرمي في الماء.

ربما لم تعرفوا أن مهنة أصحاب الفنادق قديمة. كثيرًا ما نتكلم عن وظائف قديمة عفا عليها الزمن، لكن مهنًا أخرى استمرت لقرون. غالبًا أي مهنة تخدم وظيفة أساسية لا غنى عنها، كعمال النظافة ورجال الدين والبيروقراطيين.

هل يراودكم الفضول لمعرفة الوظائف التي استمرت عبر الزمن حتى يومنا هذا؟ إليكم عشرة وظائف مستمرة منذ 2000 عام على الأقل، وبعضها أقدم من ذلك بكثير!

1- الخبّاز

وُجد خبازون محترفون منذ نحو 3000 عام قبل الميلاد على أقل تقدير، في عهد المملكة المصرية القديمة. صوَّرت أعمال فنية منقوشة على المدافن القديمة والتماثيل والتحف المصرية الأخرى مشاهد أعداد كبيرة من الناس تعجن أو تخبز.

يُظهر تنقيب لمخبز أثري في الجيزة يعود إلى قرابة 3000 عام قبل الميلاد أن في ذلك الوقت صنع الخبازون خبزهم باستخدام قوالب فخارية ثقيلة، ثم وضعوا القوالب على الجمر للخَبز. بحلول عام 1500 قبل الميلاد حضّر الخبازون الخبز في أفران مصنوعة من الطين. تضمنت عملية الخَبز في الأفران الطينية لصق قرص عجين على جدار الفرن الساخن ثم نزعه عندما ينضج، قبل سقوطه على الجمر.

في العصور الوسطى، خضعت المخابز الأوروبية لإشراف نقابات حرفية حددت سعر رغيف الخبز وغرامة للغش ومعايير للجودة. في تلك الفترة اعتاد الناس تناول الفطير (خبز غير مخمر). الذي كان صعب المضغ والهضم، ما دفع الخبازون لإعداد الفطير على شكل أقراص رقيقة استخدمها الناس بوصفها أطباقًا. أثناء تناول الطعام فيها، يمتص الفطير المُعد على شكل طبق السوائل، ما يجعل أكله في النهاية ممكنًا.

في يومنا الحالي، حافظت المخابز على أهميتها سواء كانت متجر كعك أو جزءًا من سلسة متاجر كبيرة.

2- القصّاب (الجزّار)

من الصعب تحديد متى أنشأ أول جزّار متجره. لكن وجد علماء آثار وآخرون متخصصون بالآثار تحت الماء بجامعة ميامي بقايا حيوان كسلان مذبوح يرجع إلى ما قبل 12000 عام في غور في ولاية فلوريدا. سواء كان من ذبح حيوان الكسلان قصّابًا محترفًا أم لا، فإننا نعرف أن مهنة اللحّام كانت من الوظائف الموجودة في الإمبراطورية الرومانية القديمة بحلول عام 100 بعد الميلاد. يُظهر نحت بارز يعود إلى تلك الفترة جزارًا في محله يحمل شاطورًا في يده، وخطاطيف متدلية من أعلى وتظهر بالقرب منه طاولة تقطيع اللحم.

أصبحت هذه المهنة من الوظائف المشهورة على مر الزمن، حتى بلغت ذروة ازدهارها في القرنين التاسع عشر والعشرين، عندما هيمن عمالقة تعبئة اللحوم مثل العاملين لدى شركة شيكاغو يونيون ستوك ياردز على هذه الصناعة، وزاد الطلب على الجزارين المهرة.

مع نهاية القرن العشرين، أطاحت سلاسل المتاجر الكبرى بمحلات الجزارة، وانتشرت ثقافة تعد استهلاك اللحوم مضرًا للصحة، ما سبب تراجع مهنة الجزارة بين وظائف أخرى. إلا أنه في أوائل القرن الحادي والعشرين انتشرت المنتجات عالية الجودة من منتجين صغار مثل الجبن المصنوع باحترافية والبيرة المصنوعة يدويًا واللحوم الخاصة المنتجة محليًا. اليوم، يرى خبراء الصناعة أن الطلب على الجزارين ومحلات الجزارة الراقية في تزايد.

3- النجارة

ازدهرت مهنة النجارة أيضًا من بين وظائف أخرى في مصر القديمة. كان بعض النجارين موظفين دائمين لدى الفرعون، في حين عمل آخرون في ورش نجارة. كان معظم عملهم مرتبطًا ببناء المدافن، لكنهم احترفوا صناعة الأبواب وزخرفة النوافذ والأسرَّة والطاولات. تبيِّن رسوم مصرية عمرها نحو 2000 عام أثاثًا خشبيًا، وقد عُثر على الأثاث ذاته في المدافن. اخترع المصريون القدماء أيضًا تقنية الكسوة أو القشرة، أي تغطية المشغولات الخشبية بقشرة خارجية للزينة أو للحماية، وتعتمد هذه التقنية على لصق قشور خشبية رقيقة معًا. كان المصريون أيضًا أول من يصقل المشغولات الخشبية ويطليها.

كان لدى الإغريق والرومان والصينيين والشرق أوسطيين القدماء نجارون يبنون السفن والألواح الخشبية المنقوشة بمهارة والقنوات المائية وحتى الأسلحة مثل المنجنيق والكبش (آلة حربية قديمة استخدمها القدماء لدك أسوار المدن المحاصرة). وجد علماء آثار متجر أثاث في مدينة بومبي أثناء تنقيبهم في الموقع الشهير المدفون تحت الرماد البركاني.

في الوقت الحاضر، لا زالت النجارة من الوظائف الشائعة، مع إقبال الناس على تعلمها عبر التدريب المهني كما في الماضي. يعمل النجارون على كل شيء من الأبنية والجسور حتى الأثاث والأعمال الفنية. يُتوقع نمو سوق هذه المهنة في الولايات المتحدة بنسبة 24% بين عامي 2012 و2022، وهو معدل مرتفع مقارنةً بكثير من الوظائف الأخرى.

4- صاحب النُزل (الفندق)

كانت تلك الوظيفة من الوظائف سيئة السمعة في العصور القديمة. في زمن الإمبراطورية الرومانية، مكث أغلب المسافرين في غرف ضيوف في بيوت خاصة. وفرت الفنادق إقامة متواضعة في غرف نوم مشتركة مع مساحة خارجية لربط الحيوانات. غالبًا ما تعاون أصحاب الفنادق مع اللصوص وأمنوا لضيوفهم العاهرات. وفقًا لبعض الرواة كانت مريم ويوسف -في الكتاب المقدس- يبحثان عن مأوى في غرفة ضيوف وليس في نُزل بسبب طباع أصحاب الفنادق السيئة. بسبب انتشار الغش والاحتيال، يعج القانون الروماني بغرامات عقوبةً لتلك المخالفات. لسوء حظ أصحاب الفنادق الشرفاء، فقد صيغت القوانين مفترضةً أن صاحب النزل مذنب دائمًا.

في العصور الوسطى أصبح الرهبان مالكي خانات بحكم الواقع، فقد استضافوا المسافرين لمسافات طويلة في رحلات الحج الدينية. في إنكلترا، أصبح أصحاب الفنادق من أفراد الطبقة الراقية وذوي نفوذ. وفرت الفنادق غرف نوم مشتركة، مع أن غرف النوم الخاصة بدأت بالانتشار.

في الولايات المتحدة سافر الناس في البداية للعمل أو المتعة في العقد الأول من القرن السابع عشر، ما دعا لظهور الفنادق الصغيرة التي كانت أماكن إقامة متواضعة جدًا، في بعض الأحيان اضطر النزلاء لمشاركة السرير مع شخص غريب! في العصر الحديث تطورت تلك المهنة بين وظائف أخرى، وأصبح بوسع الضيف الاختيار بين مبيت مع فطور رائعين أو سلسلة فنادق كبيرة أو فندق رخيص والعشرات من الخيارات الأخرى. ولحسن الحظ تحسنت سمعة أصحاب الفنادق على مر السنين.

5- القاضي

في زمن المملكة القديمة في مصر (3000 عام قبل الميلاد) لم يكن هناك قضاة، فقد ترافع الناس في قضاياهم أمام الكهنة. بدأ ظهور القضاة في عصر المملكة الوسطى (نحو 1500 قبل الميلاد)، وكانت مهنة القاضي من الوظائف المتوارثة. لم تختلف القضايا حينها عن قضايا الزمن الحالي، قتل وسرقة ونزاع حول ملكية عقار إلخ. وكثيرًا ما حاول الناس رشوة القضاة أو تغيير رأيهم عبر التملق والمجاملة لتجنب الأحكام القاسية، وكثيرًا ما خان القضاة الأمانة واستغلوا سلطتهم لخدمة مصالحهم الشخصية، خاصةً في عصور التردي. لكن إذا ثبت فساد القاضي، فالعقوبة شديدة. في أحد العصور في مصر قُطعت أنوف القضاة المدانين.

في العصور الوسطى استمر القضاة بخيانة الأمانة، إذ كان المتخاصمون في الكثير من الأحيان ينجحون في شراء صمت القاضي، حتى وإن كان من رجال الدين. قضاة اليوم إما مسؤولون معينون أو منتخبون. وأغلبهم محامون بالأساس، مع أن التعيين في سلك القضاء لا يتطلب عمومًا أكثر من درجة جامعية وبعض الخبرة. يبقى هذا المجال محدودًا لأن التعيين بمنصب قاضٍ في الولايات المتحدة يتطلب موافقة الولاية أو الهيئة التشريعية الفيدرالية، ولا يزال القضاة يُتهمون بعدم الأمانة أحيانًا.

6- العراف

العرافون ويعرفون أيضًا بالمستبصرين أو المنجمين أو الروحانيين أو الوسطاء. وُجدت هذه المهنة منذ فجر التاريخ المسجل، وتعبر عمومًا عن شخص بوسعه رؤية المستقبل.

في الزمن القديم غالبًا ما كان العرافون ينتمون إلى حاشية البلاط الملكي ويستشيرهم الحكام قبل اتخاذ أي قرار كبيرًا كان أم صغيرًا، مثل المحاصيل التي تنبغي زراعتها أو المسؤولين الذي يجب تعيينهم أو المعارك التي يجب خوضها. مع أن العرّافين التابعين للملك معظّمين وذوي شأن، كان منصبهم محفوفًا بالمخاطر، فإذا نصحوا بخوض معركة وخسرها الملك لاحقًا، فقد يُطردون أو يُسجنون أو يُقتلون.

لما كانت هذه المهنة من الوظائف التي تتضمن التواصل مع كيان من عالم آخر، فقد أنكرتها لاحقًا الديانات التوحيدية، اليهودية والمسيحية والإسلام. وعدّت النصوص المقدسة لدى هذه الأديان التنجيم شرًا، لأن الرب وحده يعلم الغيب. عام 785 حرمت الكنيسة الكاثوليكية استخدام الشعوذة في تسوية النزاعات.

اليوم نرى إعلانات لعرّافين يطالعون المستقبل حول العالم. يعدهم أكثر الناس تسليةً أو استعراضًا دون قدرات حقيقية، ويعدهم آخرون دجالين يقتنصون الأموال من الغافلين، في حين يصدقهم البعض. نتائج الدراسات التي أُجريت على هذه أصحاب هذه الوظائف لا تثبت قدراتهم ولا تنفيها. ومن الغريب أن الشرطة استفادت من بعض العرّافين المحترفين الذين حققوا نجاحات واضحة في حل بعض القضايا.

7- الدعارة

يعود وصف الدعارة بكونها «أقدم مهنة في التاريخ» إلى قصة قصيرة لروديارد كيبلينغ عنوانها «على حائط المدينة». إن لم تكن أقدم مهنة فعلًا، فهي قريبة جدًا من ذلك. الدعارة هي ممارسة الجنس مع شخص بمقابل يتفق عليه الطرفان، كطعام أو مال أو لباس، ويعود تاريخها إلى آلاف السنين.

في العصور القديمة، كثيرًا ما جرت ممارسة الدعارة ضمن إطار مقدس بوصفها جزءًا من مراسم دينية أو من أجل غاية مقدسة. في الحضارتين السومرية والبابلية -منذ أكثر من 2400 عام قبل الميلاد- كان الجماع مع عاهرة المعبد وسيلةً للتقرب من إله الخصوبة.

في روما القديمة لم تكن الدعارة جزءًا من الدين. غالبًا ما أُجبر العبيد والأيتام على العمل فيها. في اليونان القديمة انتشر ممارسو الدعارة الذكور وكانوا صبيةً يافعين.

عام 2012، قُدر عدد من يمتهنون هذه الوظيفة في العالم بنحو 42 مليون، تتراوح أعمار 75% منهن بين 13 و25 عامًا، وتبلغ نسبة الإناث بين من يمارسون الجنس مقابل المال 80%. في عصرنا الحالي يمارس العاملون في الدعارة هذه الوظائف ضد رغبتهم، مثلما أُجبر العبيد والأيتام في العصور القديمة. وتبرز تجارة البشر بوصفها قضية شائكة من قضايا حقوق الإنسان.

8- الجندي

يُفترض أن الصراعات الأولى بين البشر كانت غير منظمة، بل مجرد اشتباكات عفوية. في مرحلة ما، فكر الناس في تنظيم مجموعة من المقاتلين المحترفين من أوساطهم ليحموا أنفسهم أو لشنّ الغارات للعنف والاعتداء. كانت هذه بداية فكرة الجيش، وظهور وظائف الجنود.

يتتبع المؤرخون العسكريون بداية ظهور الجندية حتى الحقبة السومرية، إحدى أقدم الحضارات على الأرض، ظهرت نحو عام 4000 قبل الميلاد، في العراق حاليًا. يعود تاريخ أول حرب مسجلة إلى عام 2525 قبل الميلاد بين مدينتين في سومر تصارعتا حول ملكية إقليم جونيديا، أرض زراعية في جنوب العراق. ابتكر السومريون –الذين استمرت حروبهم أكثر من ألفي عام- الخوذة والعربة والسيف المنجلي وغيرها من التجهيزات العسكرية.

ومن سومر انتشر الجنود إلى كل بقاع الأرض. من أشهر القوى على مر الزمان نذكر الجيش المغولي الذي تألف من مليون رجل قوي قهر معظم أوراسيا ابتداءً من عام 1206، والجيش الروماني الذي استولى على معظم أوروبا، والجيش العثماني الذي خضع لسلطانه الشرق الأوسط والبلقان وشمال إفريقيا مدة 500 عام حتى القرن التاسع عشر. حاليًا لا توجد أمة تقريبًا إلا وتملك جيشًا، لذلك من المؤكد أن مهنة الجندي هي من الوظائف التي ستبقى وتستمر.

9- البنّاء

يُعد هرم الجيزة الأكبر المبني منذ 4500 عام الأثر الوحيد الباقي من عجائب الدنيا السبع القديمة، ويتألف من نحو مليوني كتلة من الحجر الكلسي. ويُعد الصرح الحجري الأكبر والأدق في العالم. في الفترة ذاتها تقريبًا، بنى أناس موهوبون في إنكلترا نصب ستونيهينج، كلا المعلَمين نتاج معماريين قدماء ماهرين.

يحول البنّاء كتل الحجارة أو الصخر إلى أشكال هندسية تُستخدم في إنشاء مبنى أو عمل فني، من الأبنية والتماثيل حتى المعابد والنوافير. لقرون لم يطرأ تغير كبير على هذه المهنة، إذ استخدم البنّاء مطرقة وإزميل ومساطر معدنية لخلق سطح في الحجر أو الصخر. بقي الأمر على تلك الحال حتى القرن العشرين الذي حمل معه رياح التغيير على كثير من المجالات، إذ تمكنت المحركات من نقل الحجارة العملاقة بسهولة، وساعدت المناشير الكهربائية البنائين على قطع الصخور بسرعة ودقة.

اليوم توجد عدة أنواع من البنّائين، بعضهم يقسّم الصخور في المحاجر، في حين ينحت آخرون تصميمات في شواهد القبور أو يبنون المنازل والجدران.

10- الخيّاط

اليوم لا يعتمد الكثير من الأشخاص على خياط محترف إذ يشتري أكثر الناس الملابس الجاهزة وبعضهم يخيطون ملابسهم الخاصة. مع ذلك، فالخياطون موجودون في كل مكان، كما كانوا منذ العصور القديمة. يصمم الخيّاط اللباس ويقصّه ويخيطه لجعله ملائمًا.

وُجد الخيّاطون في المجتمعات القديمة. في روما القديمة مثلًا، انتمى الخياط إلى نقابة التجارة، ما يشير إلى أن الحياكة كانت من الوظائف الأساسية. دُرب العبيد على الحياكة أيضًا. ارتدى الناس آنذاك ملابس بسيطة إلى حد ما، وكانت الملابس دليلًا على المكانة الاجتماعية، لذلك كان الخياط الماهر ذا قيمة كبيرة. يظهر أحد الرسوم القديمة خياطًا يبيع البضائع باستخدام عينات على بطاقات. نظف الخياطون أيضًا التوغا (ثوب روماني فضفاض) لزبائنهم، وكانت تلك مهمة شائعة حين كان الناس يرتدون ملابس بيضاء في بيئات ملوثة.

اليوم، يعرف الخياط بأسماء أخرى كصانع اللباس وخياط الملابس الخاصة -الموصى عليها- وقد يملكون أعمالهم الخاصة أو يعملون في متجر بيع بالتجزئة أو لدى مصنع ملابس أو لصالح مصممي الأزياء وصانعي النماذج. مع أن مهنة الخياطة لا تتطلب درجة جامعية معينة، يحتاج الخياط المحترف إلى أن يتمتع بالمهارة في الحياكة وصنع النماذج وتصميم الأزياء.

اقرأ أيضًا:

تقرير جديد يوضح المهن ذات أعلى معدلات انتحار في الولايات المتحدة

أساسيات تطوير الأعمال

ترجمة: طارق العبد

تدقيق: سماح عبد اللطيف

المصدر