أُخِذت الاحتياطات اللازمة تحسبًا لحلول «يوم القيامة»، فقد شُيِد قبو سفالبارد للبذور العالمية المسمى «قبو يوم القيامة» في مجموعة من جزر القطب الشمالي المعزولة في النرويج، يحتوي القبو على أكثر من مليون عينة من البذور في مكان أشبه بالحصن، وقد صُمم ليكون مخزن البذور الأكثر تحصينًا في العالم. لا تكتفي سفالبارد بحماية البذور فحسب؛ بل تمتلك في الجبل البعيد نفسه منجمًا مهجورًا للفحم جُهِّز ليصبح حصنًا حيويًا آخر يعرف باسم أرشيف القطب الشمالي العالمي، تُحفظ فيه حاليًا بيانات العالم تحسبًا لمستقبل يحيط به الغموض، وقد جُهِزت المنشأة للتو بمساهمات تحير العقل حقًا ضمن نطاق حفظ البيانات.

نجحت شركة GitHub وهي أكبر شركة مستضيفة للشفرات المصدرية في العالم في نقل كل مستودعات شفراتها المصدرية العامة النشطة في فبراير عام 2020 إلى أرشيف القطب الشمالي العالمي، هذا العمل هو جزءٌ من جهود الشركة التي تسعى إلى تأسيس قبوها لحفظ الشفرات في القطب الشمالي.

21 تيرابايت من الشفرات المصدرية دفنت في القطب الشمالي تحضيرًا للمستقبل المجهول - أرشيف القطب الشمالي العالمي - قبو سفالبارد للبذور

قالت جوليا ميتكالف مديرة البرامج الاستراتيجية في شركة GitHub في تصريح نشر على مدونة الشركة: «مهمتنا هي حفظ البرمجيات مفتوحة المصدر لتستفيد منها أجيال المستقبل عبر تخزين شفراتكم في أرشيف صُمم ليدوم آلاف السنين».

شهد المشروع الذي أُعلِن عنه أول مرة في العام الماضي نقل أول شحنة للبيانات إلى سفالبارد في نهاية عام 2019 نتيجة إيداع 6000 من أهم مستودعات المنصة للشفرات مفتوحة المصدر.

تذهب الشحنة الجديدة التي أُديرت بشق الأنفس خلال إغلاق الحدود والحظر المفروض بسبب جائحة كورونا إلى أبعد من ذلك، إذ تحافظ على كمية هائلة من البيانات تصل إلى 21 تيرابايت، مكتوبة على 186 بكرة من فيلم أرشفة رقمي يسمى piqlFilm.

هذه الوسائط المبنية لهذا الغرض -مصممة لتدوم حتى 500 عام، مع وجود عمليات محاكاة تشير إلى أنها يجب أن تدوم فترةً أطول مرتين- تُحفظ الآن بعمق 250 مترًا في حاوية بجدران فولاذية داخل غرفة محكمة الإغلاق في أرشيف القطب الشمالي العالمي.

يبدو الفيلم المكون من هاليدات فضية مثبتة على البوليستر طبعةً مصغرةً لرموز الاستجابة السريعة (QR)، بفارق أن كل إطار يُضغط ليصل حجمه إلى نحو 8.8 مليون بكسل مجهري، وكل بكرة تمتد مسافة كيلومتر واحد تقريبًا، وهذا هو الحجم الهائل للبيانات المخزنة.

وفقًا لشركة piql: «يستطيع هذا الفيلم الصمود تحت تأثير التعرض الفائق للإشعاع الكهرومغناطيسي، وقد خضع لاختبارات شاملة بخصوص عمره وإمكانية الوصول إلى البيانات المخزنة فيه».

من المؤمل أن تمنح هذه الوسائط المعمرة -جنبًا إلى جنب مع العزلة الطبيعية للأرشيف والأمان الهندسي- أفضل فرصة لبرمجيات العالم مفتوحة المصدر ما يتيح رؤية مستقبل بعيد قد تحتاجه الأجيال القادمة يومًا.

فسر الموقع الإلكتروني هذه الجهود لأرشيف GitHub بقوله: «من السهل تصور مستقبل تبدو فيه برمجيات الحاضر غريبةً ومنسيةً وغير مهمة، حتى تظهر حاجة غير متوقعة إليها. ومثل أي عملية نسخ احتياطية، فإن هذا الأرشيف مُعد لأي حدث غير متوقع يطرأ على العالم حاليًا».

من الصعب أن نعرف تحديدًا ما الذي سيفعله البشر مستقبلًا بمحتويات الأرشيف المشفرة في حال وقوع هذا الحدث الطارئ، أو كيف سيتمكنون من الوصول إليها واستخدامها.

لهذا السبب، سيتضمن القبو أيضًا بكرةً قابلةً للقراءة البشرية (دون الحاجة إلى الآلة) تسمى شجرة التقنية، تفسر هذه البكرة التاريخ التقني والحالة الثقافية لمحتويات الأرشيف.

لا يقتصر عمل شجرة التقنية على نقل البشر المستقبليين إلى عالم الشفرات مفتوحة المصدر للقرن الحادي والعشرين، بل ستعمل أيضًا بمثابة كتاب تمهيدي لماهية هذه البرامج ونوع التقنية التي تعمل عليها.

قالت ميتكالف: «سيشمل أيضًا الأعمال التي تشرح الطبقات العديدة للأسس التقنية التي تجعل علم البرمجيات ممكنًا مثل المعالجات الدقيقة والشبكات والإلكترونيات وأشباه الموصلات حتى تقنيات ما قبل الصناعة. سيسمح هذا لورثة الأرشيف بفهم عالم اليوم وتقنياته فهمًا أفضل، وقد يساعدهم أيضًا على إعادة إنشاء أجهزة الكمبيوتر لاستخدام البرمجيات المؤرشفة».

اقرأ أيضًا:

ذكاءٌ صنعيٌّ جديد قادر على كتابة الأكواد البرمجيّة

قبو سفالبارد، خزينة يوم القيامة: البذور التي قد تنقذ العالم

ترجمة: رياض شهاب

تدقيق: راما الهريسي

المصدر