حصل المهندسون الثلاثة على اعتراف عالي المستوى بعد أكثر من أربعة عقود من تطويرهم للنظرية المؤثرة حول الجاذبية الفائقة. يحصل كل من سيرجيو فيرارا ودانييل فريدمان وبيتر فان نيوينهويزن على جائزة اكتشاف خاص في الفيزياء الأساسية لصياغتهم للجاذبية الفائقة عام 1976، حسبما أعلن ممثلو الجائزة في السادس من أغسطس.

وقال إدوارد ويتن، رئيس لجنة الاختيار في الفيزياء النظرية بمعهد الدراسات المتقدمة في برينستون بنيوجيرسي في بيان: «كان اكتشاف الجاذبية الفائقة بداية تضمين المتغيرات الكمومية في وصف ديناميكية الزمكان. ومن الملفت للنظر أن معادلات أينشتاين تُقر بالتعميم الذي نُعرِّفه باسم الجاذبية الفائقة».

الطريق إلى الجاذبية الفائقة

في الستينيات والسبعينيات، طور الباحثون النموذج القياسي لفيزياء الجسيمات، والذي يصف ثلاثًا من القوى الأربع المعروفة للطبيعة: الكهرومغناطيسية والنووية القوية والضعيفة.

كان النموذج القياسي ناجحًا بشكل لا يصدق على مر السنين؛ مثلًا تنبأ بوجود بوزون هيجز الذي اكتُشِف عام 2012.

البوزونات بالمناسبة هي أحد نوعي الجسيمات المعروفة إلى جانب الفرميونات. تتمايز الفئتان بـ«الدوران المتباين» أو «الزخم الزاوي». الفيرميونات، التي تشمل الكواركات واللبتونات وجميع الجسيمات المركبة، لها دوران نصف عدد صحيح، مثل 1/2 و 1 1/2. جسيمات هيغز والغلوونات والبوزونات الأخرى لها دوران عدد صحيح 0، 1 وهكذا.

قد يبدو هذا تمييزًا بسيطًا، لكنه يسبب اختلافات كبيرة في سلوكها؛ فتُشكل الفيرميونات المادة «الطبيعية» (عكس المادة المظلمة، التي تشكل 85٪ من الكون المادي لكنها تظل غامضة، لا أحد يعرف مما هي مصنوعة)، أما البوزونات فتحمل القوة.

النموذج القياسي غير كامل. بالنسبة للمبتدئين، لا يتعامل النموذج مع القوة الأساسية الرابعة «الجاذبية» التي تصفها النظرية النسبية العامة لألبرت أينشتاين. بالإضافة إلى ذلك، فإن الكتل الفعلية للعديد من الجزيئات أقل بكثير من تلك التي تنبأ بها النموذج.

لذلك استمر الفيزيائيون في العمل على تحسين النموذج القياسي. جاءت إحدى النظريات المبتكرة عام 1973 وهي مفهوم «التناظر الفائق»، التي تفترض أنه لكل من الجزيئات المعروفة شريك غير مكتشف. إذ يُقرن كل بوزون بـ«فيرميون فائق»، وكل فيرميون بـ«بوزون فائق».

كالنموذج القياسي، لم يشمل التناظر الفائق الجاذبية في البداية. لكن فيرارا وفريدمان وفان نيوينهويزن غيروا ذلك.

بدأ العمل الثلاثي عام 1975 بمناقشات بين فيرارا وفريدمان في المدرسة العليا في باريس، وسرعان ما أحضرا فان نيوينهويزن الذي كان يعمل على الجاذبية الكمية في جامعة ستوني بروك في نيويورك.

ابتكر الثلاثة معًا نظرية التناظر الفائق التي تضمنت الجرافيتينو، الشريك الفائق للجرافتون، وهو البوزون الافتراضي الذي ينقل قوة الجاذبية.

الفائزون الثلاثة بجائزة 3 ملايين دولار في الفيزياء الأساسية. من اليسار إلى اليمين: بيتر فان نيوينهوزن وسيرجيو فيرارا ودانييل فريدمان.

قال فان نيوينهويزن: إن الباحثين كتبوا برنامجًا جديدًا للكمبيوتر لإجراء الحساب النهائي الذي كان من الصعب جدًا القيام به يدويًا. تضمن هذا الحساب حوالي 2000 مصطلح، ووجب أن تصبح كلها صفرًا لتقوم نظرية الجاذبية الفائقة الخاصة بهم.

وقال فان نيوينهويزن إنه عندما قام الكمبيوتر بالتعامل مع الأرقام، نشرها على دفعات 100 أو 200. استمرت الأصفار بالتكرار. أخيرًا بعد عدة ساعات، جاءت الدفعة النهائية كلها أصفار، مرة أخرى.

المثير للدهشة أن السعادة لم تطغَ على فان نيوينهوزن عقب هذه اللحظة الكبيرة. وقال إن الباحثين كانوا يعملون على النظرية كل يوم لعدة أشهر، وبالتالي فإن العاطفة اللحظية -بالنسبة له- كانت معقدة ومكللة بالتعب المتراكم. وقال فان نيوينهويزن لـ Space.com: «أقارنها بالمعدل العلمي لاكتئاب ما بعد الولادة، أنت تنتج شيئًا ما إلى الخارج، وتُترك منهكًا».

تأثير كبير

تعمل الجاذبية الفائقة على توسيع -وليس استبدال- النسبية العامة. على سبيل المثال، أدرج فيتن الجاذبية الفائقة في برهانه عام 1981 على نظرية الطاقة الإيجابية في النسبية العامة، العمل الذي حصل على ميدالية الحقول المرموقة عام 1990.

أثرت الجاذبية الفائقة على الفيزياء النظرية بعمق على مدار العقود الأربعة الماضية. مثالٌ آخر، أظهرت النظرية أن التناظر الفائق هو تفسير عملي للظواهر التي نلاحظها في الكون -بما في ذلك ظواهر الجاذبية-. وأصبحت الجاذبية الفائقة جزءًا لا يتجزأ من نظرية الأوتار، وهي المرشح الأشهر لـ «نظرية كل شيء»؛ تفترض أن ما نلاحظه من جزيئات هو في الحقيقة خيوط صغيرة تهتز.

وقال يوري ميلنر أحد مؤسسي الجائزة في نفس البيان: «عندما نفكر في الأعمال العظيمة للخيال الإنساني، فإننا نعني غالبًا الفن والموسيقى والأدب، لكن بعض أكثر الإنجازات عمقًا وجمالًا هي إبداعات العلماء. ألهمت الجاذبية علماء الفيزياء لعقود وقد تحتوي على حقائق عميقة حول طبيعة الواقع».

قد يكون الجرافيتينو أيضًا مكونًا للمادة المظلمة -وربما المكون الرئيس-. لكن ما زلنا لا نعرف ما إذا كانت تلك الجسيمات أو أي من الجسيمات الفائقة المفترضة الأخرى موجودة بالفعل، لم يُلاحظ شيء حتى الآن.

قد يكون هذا نتيجة قصور مسرعات الجسيمات لدينا، قد يتعين علينا بناء شيء أكبر وأقوى بكثير من مصادم هادرون الكبير في أوروبا LHC الذي كشف عن بوزون هيغز.

وقال فان نيوينهويزن: «إذا فعلنا كل ذلك، وظل الجرافيتينو بعيد المنال، فقد تكون الجاذبية الفائقة مجرد فكرة نظرية جميلة، وليست نظرية للطبيعة».

الاعتراف المتأخر

قال كل من فيرارا ونيونهويزن أن أخبار الجائزة جاءت بمثابة صدمة؛ نظرًا إلى أن الثلاثي قد طور النظرية قبل 43 عامًا. قال فيرارا، الذي يعمل في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس والمنظمة الأوروبية للبحوث النووية التي تدير LHC (تعرف المنظمة بالاختصار الفرنسي CERN): «فوجئنا حقًا، لأن هذا عمل قديم».

وقال لموقعSpace.com: «بالطبع كنا سعداء لحصولنا على هذه الجائزة وكنا فخورين بأن تحظى هذه اللجنة المرموقة بالتقدير».

كان لفريدمان، الذي كان يعمل سابقًا في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وهو الآن أستاذ زائر في جامعة ستانفورد، استجابة عاطفية عندما حادثه القائمون على الجائزة لإعلامه بالخبر. وقال لموقع Space.com: «عندما أقفلت الخط، بكيت. كنت مرتبكًا. إنه تتويج رائع لحياتي المهنية».

فيرارا إيطالي، فريدمان أمريكي، وفان نيوينهويزن هولندي. سيحصل الثلاثي رسميًا على الجائزة في 3 نوفمبر، في حفل توزيع الجوائز لعام 2020 في مركز أبحاث أميس التابع لناسا في وادي السيليكون. كما سيُكرم الحفل الفائزين بالجائزة السنوية للفيزياء الأساسية، والفائزين بجوائز الابتكار العلمي في علوم الحياة والرياضيات.

اقرأ أيضًا:

الميوعة الفائقة – سائل بخواص تعارض الجاذبية

هل الجاذبية كمومية ؟ وما هو الغرافيتون ؟

ترجمة: رتاج ابراهيم

تدقيق: محمد الصفتي

المصدر