لقد حقق البشر خلال القرن الماضي قدرًا هائلًا من التقدم العلمي والتكنولوجي. لقد أنتجنا تكنولوجيا غيرت من مجتمعنا وساعدتنا التطورات العلمية على الإجابة على أسئلة أساسية عن ماهيتنا والعالم الذي نعيش فيه. ومع ذلك فماتزال هناك أسرار وألغاز أخرى.

لماذا نضطر إلى النوم كل ليلة؟ لماذا لا نزال غير قادرين على رؤية المادة المظلمة؟ وأين هم الفضائيون؟
لقد ناقش الناس مثل هذه المسائل لعقود وأحيانًا لقرون. ولحسن الحظ، فإن إرادتنا الدؤوبة للكشف عن أسرار العالم جعلتنا أقرب من أي وقت مضى من الأجوبة.

نستعرض هنا ستة ألغازٍ أو أسرار علمية لاتزال تقض مضجع العلماء ومدى قربهم من حلها.

لماذا نحتاج إلى النوم؟

لماذا نحتاج إلى النوم؟ قد يبدو سؤالًا بسيطًا، لكن الجواب أكثر تعقيدًا مما تعتقد. لقد كانت هناك محاولاتٌ عديدةٌ لمعرفة السبب الحقيقي لحاجة الناس للنوم، لكن لا يزال العلماء عاجزين على تقديم إجابة نهائية واحدة.

ألقت نتائج علم النوم بعض الضوء على تعقيدات مراحل النوم ونشاط الدماغ، لكن يبقى ما عرضته هو مجرد قطعة واحدة من حل للغز متزايد النمو. وهذا الأمر لا يساعدنا لأننا لا نمتلك الكثير للمقارنة بيننا وبين الحيوانات التي لها أنماط نوم ونشاطات دماغ مختلفة عن الانسان. وهو ما يزيد غموض فهمنا للنوم.

يدرس «جيري سيجيل – Jerry Siegel»، وهو أستاذ الطب النفسي في «معهد سيمل للعلوم العصبية والسلوك البشري – Semel Institute of Neuroscience and Human Behavior» بجامعة كاليفورنيا، عادات النوم عند الحيوانات لفهم سبب حاجة البشر للدخول إلى حالة تشبه حالة السبات الشتوي كل ليلة.

وأوضح جيري للمجلة الإلكترونية «Futurism» أن:» فهمنا وتوجيهنا للنوم يختلف عن أي حيوان، ذلك أن أغلبنا يحبذ البقاء مستيقظا 24 ساعة يوميًا. لكن في العالم الطبيعي، الحيوانات التي تستخدم الكثير من الطاقة لن تبقى على قيد الحياة».

الطبيعة تثمن وتعطي قيمة للخمول. فعلى سبيل المثال، يسمح السبات الشتوي لبعض الحيوانات لاستعادة وتخزين الطاقة عندما لا تكون هناك حاجة إليها ويفسر سيجيل ذلك بأن: «الدافع التطوري الرئيس للنوم عند الأنواع هو توفير الطاقة».

فمثلا، الفيلة الأفريقية لا تنام إلا ساعتين في اليوم في الطبيعة لأنها تحتاج لمزيد من الوقت للغذاء لتزويد أجسامها الضخمة بالطاقة.

«توفير الطاقة» هي واحدة من عدة نظريات يستخدمها العلماء لشرح لماذا ننام. كما أوجد العلماء الأدوات التي يمكن أن تتتبع نشاط الدماغ أثناء النوم وبذلك اقتربوا من حل اللغز وكشف كل أسرار النوم.

على سبيل المثال، للدماغ آليات تسمح له بتطهير نفسه من المعلومات غير الضرورية أثناء النوم.

يقول «جوليو تونوني – Giulio Tononi»، أستاذ الطب النفسي في جامعة «ويسكونسن ماديسون – Wisconsin-Madison» لمجلة «New Scientist»: «النوم هو الثمن الذي ندفعه للتعلم».

أجرى تونوني وفريقه تجارب على فئران نائمة ووجدوا أنه بعد النوم، كانت نقاط الاشتباك العصبي أصغر بكثير من نظيراتها قبل النوم.

وخلص فريق تونوني إلى أن الدماغ يحتاج إلى تقليل هذا النشاط من أجل ترسيخ المعلومات التي جمعها عندما كان مستيقظًا. يتم خلال النهار قصف الدماغ بالمعلومات مع اتصالات عصبية قوية.

ولمزج المعلومات الجديدة مع كل المعلومات الموجودة واستيعابها يجب إضعاف تلك الاتصالات. وبعبارة أخرى، النوم يسمح للدماغ بتقديم معلومات جديدة مرنة بما فيه الكفاية لتتناسب مع المعلومات القديمة.

بالرغم من أن هذه النظرية تصف بشكل أنيق آلية عمل الدماغ لترسيخ معلومات جديدة أثناء النوم، لكن تونوني وغيره من علماء الأعصاب لم يثبتوا بعد أننا نضطر للنوم من أجل أن يحدث ذلك.

لفهم النوم بشكل كامل، يحتاج علماء النوم إلى معرفةٍ أعمق للعمليات العصبية الحيوية في الدماغ أثناء دورات اليقظة والنوم. على سبيل المثال، كيف يستطيع البعض النوم في أجواء صاخبة للغاية، بينما لا يستطيع البعض الآخرذلك؟

وفي صورة أصبحنا قادرين على القياس الدقيق لكيفية نوم واستيقاظ الدماغ البشري فإن ذلك سيدفعنا قدما لمعرفة كل ما يجب معرفته عن النوم.

ما هي المادة المظلمة ولماذا لا نستطيع أن نراها؟

نحن لا نعرف كيف تبدو ولا يمكننا رؤيتها. ولكن المادة المظلمة تشكل أكثر من 26 في المئة من المادة في الكون المعروف.

منذ أن افترض الفلكي الهولندي «جاكوبوس كابتين – Jacobus Kapteyn» وجودها في عام 1922، وصلنا إلى معرفة أن وجودها بسبب كيفية تفاعلها مع هذه المادة التي نستطيع أن نلاحظها، ولكن المادة المظلمة لا تزال غامضة ومبهمة بالنسبة لنا.

معظم المادة التي تظهر لنا هي من النيوترونات والبروتونات والإلكترونات. ولكن المادة المظلمة لا تلتزم بهذه التصنيفات. إنها تتكون من أنواع مختلفة من الجسيمات التي لم نتمكن حتى الآن من تصنيفها وهي تتفاعل مع الضوء والمادة بطريقة مختلفة تمامًا. فالمادة المظلمة لا تمتص الضوء أو تعكسه أو تبعثه. ولكن يستدل العلماء على وجودها من خلال تأثير جاذبيتها حيث ينحني الضوء عند المرور من القرب من المادة المظلمة.

وفي محاولة لكشف أسرارها، درس العلماء هذه الظاهرة تقريبا منذ ظهور فكرة وجودها. في الآونة الأخيرة، جعلنا مصادم الهادرون الكبير في المجلس الأوروبي للبحوث النووية «سيرن – CERN» قريبين من الحقيقة. حيث يعمل الباحثون على تحديد المواد غير المرئية عن طريق تسريع الجسيمات الصغيرة ومن ثم دراسة طاقة وزخم تحركاتهم عندما تتصادم بسرعات عالية.

وتشير الدراسات الحديثة إلى أن أجهزة الكشف عن موجات الجاذبية يمكن أن تسمح لنا ب «رؤية» المادة المظلمة للمرة الأولى. ولكن الحقيقة (إذا جاز التعبير) هي أننا مازلنا بعيدين عن معرفة واحدة من أكثر الكيانات وفرة في عالمنا.

كيف نشأ الكون؟

إننا نقترب من تجميع اللحظات الأولى للكون ولكن لا يزال أصل الكون لغزا.

يقول «بول سوتر – Paul Sutter»، عالم الفيزياء الفلكية بجامعة ولاية أوهايو وكبير العلماء في مركز العلوم والصناعة: «إن كل نظريات أو نماذج نشأة الكون هي مجرد تخمينات في هذه المرحلة».

ولعل النظرية الأكثر شهرةً حول بداية الكون هي نظرية الانفجار العظيم، التي توسع فيها الكون من نقطة وحيدة شديدة الحرارة والكثافة منذ حوالي 13.8 مليار سنة. لكن الناس مخطئون في اعتقادهم أن المادة انفجرت من لا شيء. يقول سوتر: «الانفجار العظيم حدث في كل مكان في الكون في وقت واحد. انه ليس انفجارًا في الفضاء بل انفجار الفضاء نفسه».

ولكن سبب الانفجار الكبير وبالطبع ما سبق الانفجار الكبير يظلان غير معلومين.

يوضح سوتر: «كلما عدنا في تاريخ الكون كلما قل فهمنا له». في الوقت الذي استطاع العلماء الحصول على لقطات لما يبدو عليه الكون بعمر 300,000 سنة فقط (من خلال صور التقطها تلسكوب هابل لبعض المجرات التي يعود عمرها لتلك الفترة)، إلا أنهم مازالوا يضعون تخمينات حول القوى المؤثرة على الكون في لحظاته الأولى.

وككل الأسرار الجيدة، السؤال الذي يبدو بسيطًا ينتج المزيد من الأسئلة التي يجب حلها قبل أن نتمكن من العثور على الجواب على السؤال الأولي.

يقول سوتر: «لا نستطيع معرفة اللحظات الأولى لنشأة الكون (مثل أقل من 10 ^ -40 ثانية) لأننا لم نفهم تمامًا الجوانب الكمومية للجاذبية».

ولكي نفهم تمامًا نشأة عالمنا، سنحتاج إلى فهمٍ شاملٍ لقوانين الفيزياء التي تحكم المادة والمادة المضادة. وتبدو تلك المعضلة كبيرةً، حيث أعلن العلماء في «سيرن» أن النموذج القياسي لفيزياء الجسيمات فشل في تفسير زيادة المادة عن المادة المضادة.

وحتى بوجود فهمٍ تامٍّ لطبيعة المادة المضادة وكيفية تفاعلها مع المادة، لن تكون لدينا إجابة نهائية حول أصل الكون، ولكننا سنقترب كثيرا من فهم كيفية حدوثه.

أين الكوكب التاسع؟

وراء حزام «كويبر»، تدور حول الشمس مجموعةٌ غامضةٌ من الأجسام. وهي أبعد عن الشمس من نبتون ولكن بعض مسارات هذه الأجسام لا تبدو متناسبة مع النمط المتوقع. فتحت تأثير الجاذبية القوية لنبتون، معظم هذه الأجسام تبقى في مداره. ولكن يبدو أن حفنة من هذه الأجسام يتم سحبها من مكانها من قبل شيء له كتلة أكبر بكثير.

ويعتقد الأستاذ «كونستانتين باتيجين – Konstantin Batygin»، أستاذ مساعد في علم الكواكب بمعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، أن هذه الخصائص هي على الأقل ناجمة جزئيًا عن وجود كوكب تاسع لم يكتشف بعد في نظامنا الشمسي.

تخيل النظام الشمسي كقرص عملاق. فهذه الأجسام التي تتصرف بغرابة لها مدارات تبدو وكأنها تثني حافة القرص إلى أعلى. وليمتلك هذا الحجم من التأثير، يحتاج الكوكب التاسع إلى أن يكون هائلًا وله كتلةً أكبر حتى من الأرض، ومع ذلك لم نتمكن بعد من إثبات وجوده. ويعود ذلك في جزء منه إلى أننا فقط بدأنا للتو نبحث عنه وبدأ العلماء التنظير لأول مرة عن وجوده في عام 2014.

ومع ذلك، هذا ليس السبب الوحيد الذي جعل هذا الكوكب غير مكتشفًا لحد الساعة.

يقول باتيجين: «لم نعثر عليه بعد لأنه خافت بشكل مذهل. وحتى مع أفضل التلسكوبات، نعتقد أنه بالكاد يمكننا كشف ذلك».

كما أن تحليل الأشعة تحت الحمراء غير مطروح، ذلك أن الأجهزة ليست حساسة بما فيه الكفاية. وهذا يجبر علماء الفلك على البحث عن الضوء المنعكس – وهو مهمة أكثر صعوبة من تحليل الأشعة تحت الحمراء. وذلك لأن أي ضوءٍ يعكسه الكوكب التاسع يجب أن يسافر من الشمس خلال النظام الشمسي ليرتد على الكوكب التاسع ومن ثم يعود إلى الأرض. يخفت الضوء المنعكس أضعافًا مضاعفة عندما يعبر مسافة ما؛ وهكذا تقف خصائص الضوء المنعكس عثرة أمام اكتشاف الكوكب التاسع.

ومع ذلك، فالتقدم التكنولوجي قد يمكننا بواسطة تلسكوب شديد الحساسية من تسجيل ضوء منعكس منه، لتؤكد للأبد وجود كوكبٍ تاسع. كما يستخدم علماء الفلك محاكاة الكمبيوتر لتقدير مدار الكوكب الذي قد يكون ببساطة في نقطة معينة من مداره لا يمكننا التقاطه فيها.

 لماذا تشعرني هذه الأصوات بالوخز في دماغي؟

ربما قد قابلت على موقع يوتيوب الآلاف من أشرطة الفيديو التي يصحبها صوت شخص يتحدث بنبرة منخفضة ترافقها أصوات ناعمة، مثل تدليك قطعة نسيج أو غمغمة طفيفة من ماكينة قص الشعر. يعطيك ميكروفون متخصص الإحساس بأنك هناك. بالنسبة لبعض الناس، يخلق هذا الصوت إحساسًا بتدليك فروة الرأس لديهم.

نتيجة هذه التجربة: إحساس بالاسترخاء، وخز في الدماغ عند حوالي 90 في المئة من الناس. ولكن لماذا يحدث ذلك، ولماذا لا يحدث للجميع ولماذا لا يزال مجهولًا؟

يدرس «كريغ ريتشارد – Craig Richard»، أستاذ علوم الصيدلة الحيوية في جامعة «شيناندواه – Shenandoah » ومؤسس جامعة «الاستجابة الحسية لقنوات الجسم المستقلة – إيسمار ASMR  »، هذا الإحساس الغريب منذ عام .2013 يقول ريتشارد لمجلو «Futurism»: » نحن في بداية اكتشاف التفسير العلمي لتقنية «إيسمار- «ASMR».

في حين أظهرت الدراسات البيولوجية السابقة أن الاتصال الوظيفي (مناطق الدماغ التي تضيء على الرنين المغناطيسي الوظيفي) عند الأدمغة التي تشعر بهذه الظاهرة يختلف عن الأدمغة التي لا تشعر به.

تقنية «إيسمار -ASMR» بقيت لغزًا. لماذا لم يختبر ذلك سوى نسبة معينة فقط من البشر؟ لماذا وجدت أصلًا؟
يقول ريتشارد: «لا أعتقد أنه سيكون هناك تفسير واحد يرضي الجميع».

أين هي الحياة الذكية خارج كوكب الأرض؟

الكون عمره مليارات السنين. وبالنظر إلى عمر الكون ونطاقه الهائل، فإنه يصعب فهم لماذا لم نجد علامات أخرى للحياة الذكية. الاحتمال الأساسي يشير إلى أننا يجب أن نجد حياةً خارج الأرض، لكن أين هم؟

طرح علماء الفلك والفيزيائيون نظرياتٍ كثيرةٍ في محاولاتهم للتفسير. وتشير إحدى النظريات إلى أن هناك حدثًا كارثيًا كبيرًا يمنع أي حضارة من أي وقت مضى من الاتصال بنا، في حين يقترح آخر أن الفضائيين محاصرين تحت طبقات سميكة من الجليد والصخور على أقمار بعيدة.

إذا كانت الحياة خارج كوكب الأرض موجودة في نظامنا الشمسي، فالباحثون يرجحون إلى أنها قد تكون حياة مجهريّةً بدلًا من الحياة الذكية. ويعتقد أن هذه الكائنات الفضائية موجودةٌ على الكواكب الصغيرة والجليدية مثل أقمار زحل أو كوكب المشتري.

وقد أجرى العلماء في «ناسا» دراساتٍ للتحقيق في تركيبة المحيطات الكبيرة وحالتها على هذه الأقمار لأنها تتوقع وجود المياه الوفيرة بها والتي قد تسمح بازدهار الحياة الفضائية.

ولكن إلى حد الآن، هذه التخمينات تستند فقط على نتائج القمر الصناعي لناسا «غاليليو» والمسح الضوئي والمراقبة واسعة النطاق. كما أن ناسا تخطط للسفر إلى القمر الجليدي للمشتري «يوروبا» خلال العقد المقبل للحصول على نظرة فاحصة.

ولكن حتى لو وجدنا حياةً فضائية، فهل سنتمكن من التعرف عليها؟ إن البحث عن أشكال الحياة المألوفة القائمة على الكربون والتي تستخدم المياه كدعم للحياة قد تحدنا في سعينا للعثور على الحياة الفضائية.

يجب أن يكون العلماء قادرين على التمييز تمامًا بين الرسائل الفضائية وبين كل ضجيج آخر في الفضاء – وحتى هذا الأمر ليس بالبسيط. ماذا لو كانت رسالتهم لا يمكن تمييزها عن الترددات الأخرى؟ ماذا لو كانوا لا يريدوننا أن نعثر عليهم؟

على أي حال، فإن البحث لم ينته بعد. في الواقع، إنها مجرد بداية.


  • ترجمه: أشرف ابن نصر
  • تدقيق: المهدي الماكي
  • تحرير: أحمد عزب
  • المصدر