في مقالة تم نشرها حديثًا في المجلة العلمية (Nautitlus) لصاموئيل اربيسمان (Samuel Arbesman) تناقش الاحتماليّة “الخارجة عن المألوف” والتي تقترح بأنّ البحث عن المخلوقات الذكيّة خارج كوكب الأرض يمكن أن يتم بالنّظر في حمضنا النووي (DNA).

نعم، صحيح، في الحمض النووي. ليس فقط ذاك الخاص بالبشر، بل بالأحماض النووية لكل الكائنات الحية. إنّها لفكرة مذهلة حقًّا، لكنها خيالية بعض الشيء أتت في السنوات القليلة الماضية.

إذا أراد نوعٌ من الكائناتِ الحيّة التواصل خِلال الزمان والمكان – الفضاء والوقت (زمان طويل جدًّا)، تشفير رسالة في نسيج الحياة نفسها – في تسلسلات قاعدية مزدوجة – قد تكون طريقة لا بأس بها للقيام بهذا الأمر.

  لكن، كما يشير أربيسمان، واحدة من أكثر المشاكل المُستعصية عن الحل باستخدام الحمض النووي لترك رسالة “سرية” من النجوم، هي أن يقوم التطور بالتّخلص من بعض الرموز أو بعثرتِها، وهذا ليس بالشيء الإيجابي للكائنات الحية. وبالتالي، إذا قامت حضارة ما متطوّرة تكنولوجيًّا بترك “بطاقة الدعوة الجزيئيّة” قبل بضع ملايين أو مليارات السنين، فإنّها لن تكون حاضرة الآن أو لن نستطيع أن نتعرّف عليها، إلّا إذا تمّ بناؤها بإبداعٍ كافٍ لتكون جزءًا حيويًّا مهمًّا من تقّدم ووظيفية الحياة. وبالمثل، إذا ظهرت كائنات فضائيّة غريبة الشكل قبل مليارات السنين، قد نكون مدفوعين بقوة لمشاهدة أثرها في الشيفرة الوراثيّة الحاليّة، ولكن بصعوبة.

واحد من العديد من الحلول المحتملة لمفارقة فيرمي (إذا لم تكن الكائنات الفضائية نادرة، لماذا لم تظهر لحد الآن؟) هل هذا يعني أنّ الوقت قد انتهى. الإنسان الحديث قد وُجِدَ منذ أكثر –بقليل- من مئتي ألف سنة. هذه نافذة ضيقة من الفرص للمواجهة وجهًا لوجه، حتّى لو كان هناك كائنات تعيش في الفضاء الواسع بين النجوم.
وإذا كان لنا أن نفترض (وهذا افتراض فقط)، أنّ المخلوقات الفضائيّة أرادت حقًّا أن تترك لنا رسالة دعوة أو اتّصال، سيكون هناك احتمال ضئيل بأنّ شخصًا ذكي بما فيه الكفاية سيأتي بعد فترة طويلة ويقرأها لنا، فما هي الطريقة الأفضل للقيام بذلك؟

بوضع كوكب الأرض في مركز هذه الفكرة، كوكبنا ليس مكانًا جيّدًا لوضعِ شيء يحتاج للبقاء من ملايين إلى مليارات السنين وضمان استرجاعه. الدورات الجيوفيزيائية والجيوكيميائية ستفسد الهياكل الصناعيّة وتدمّرها، كما تفعل الأحياء المجهرية (الكائنات الميكروبيّة). وسيكون من الصعب جدًّا أن يتم إيجاد هذا الشيء، لإنّه سيدفن تحت الأرض – كدفنه في قلب جبلٍ صخريّ كبير، على سبيل المثال. وبعد ذلك تحتاج إلى أن تتأكد، على يد أيّ كائن ذكي سيتمّ اكتشاف الرسالة.

آرثر سي كلارك (Arthur C. Clarke) – كاتب خيال علمي – كان له نظرة متبصّرة عن هذه المشكلة. في قصّته (الحارس – The Sentinel) الصادِرة في سنة 1948، وصف كلارك قطعة أثرية متروكة على القمر، كمنارة تحذير لجنسٍ مدمر (نحن البشر)، بأننا يجب أن نتصرّف بحذر عندما نصل إلى النجوم. وفي قصّته عام (2001)، كان هناك حجر فضائي مدفون في تربة القمر، يمثّل العمود الفقري لبقاء البشر على قيد الحياة في هذا الكون.

إذا حلقتَ في النظام الشمسي واعتقدتَ أنّ كوكب الأرض هو المكان الأنسب للكائنات الذكية، وأنّ قمرنا يُعتبر مكانًا مثاليًّا لتركِ بطاقةِ “اتّصل بي لاحقًا”. البيئة القمرية هي قديمة ومستقرّة إلى حدٍّ ما، وخالية من التآكل الكيميائي والكيميائي الحيوي الموجود على الأرض. قد تضرب بعض الأجسام سطحه، لكن الكبير منها نادر جدًّا، لذا لا تحتاج لمقدار كبير من الحماية، وهناك كومة من ثرى القمر (تربة سطحيّة ناعمة تكوّنت من ارتطام النيازك على المدى الطويل) اللينة التي تؤدّي هذه الخدعة.

إذًا أين يجب أن يتمّ وضع الرسالة على القمر بالضّبط؟

يجب أن نضعها في مكان مثير، مكان يجعل الأجناس المسافرة في الفضاء تريد زيارته. أعتقد أنّه يجب أن يكون واحدًا من ثلاثة أماكن واضحة: ودائع الماء المتجمّد القطبيّ، كهوف الحمم، أو واحد من الخصائص الطبيعية – مثل هضبة أريستاركوس Aristarchus.

في كل حالة، هذه هي الأماكن التي سوف تقوم الأجناس الفضوليّة المُحبّة للتساؤل بدراستها في نهاية المطاف.

لكن هناك عيب في هذه الفكرة. إنّها تفترض بأنّ الكائنات الفضائيّة ستعتبر الأرض بأنّها الرهان الأكبر والأفضل للزيارة من قبل الجمهور (الكائنات الخارجيّة. بالاعتماد على وقت الزيارة، يبدو بأنّ المرّيخ هو المؤهّل الأكبر للزيارة، وهو الأكثر جاذبيّة، أو واحد من أقماره الجليديّة ومحيطاتها التحت سطحية (والتي من المحتمل أنّها قد عاشت لفترات طويلة).

بالنسبة للمريخ، فإنّ وضع قطعة أثريّة على واحدٍ من الأقمار المريخية – فوبوس (Phobos) أو ديموس (Deimos) – يبدو منطقيًّا للأسباب التي تجعل قمر الأرض منطقة جيدة. العيب في فوبوس أنّه قد يتحول لأشلاء في الخمسين مليون سنة القادمة. كائن فضائي ذكي قد يرى هذا المصير ويضع القطعة الأثريّة على القمر الأصغر، الخارجيّ، وهو ديموس.

وبالنسبة لمكان مثل يوروبا (أحد أقمار المشتري)، الاختيارات ستكون محدودة أكثر. فتضاريسه خادعة، سواء على السطح –وهو شاب نسبيًّا وأكثر نشاطًا بالاعتماد على الجداول الزمنيّة الجيولوجيّة – وفي الفضاء المداري له، حيث الإشعاعات الجسيميّة الكثيفة.

وقد قلت ذلك، إنّ فكرة وضع الرسالة داخل يوروبا قد تكون جيّدة. فإمّا أن يقوم جنس طموح بالحفر والغوص في أعماق يوروبا واستخراج الرسالة، أو أن تقوم محيطات يوروبا برفعها بنفسها لنشوء حياة واعية، ستبدو كرسالة طافية في زجاجة. المشكلة ستكون في التوقيت (التوقيت المناسب للاكتشاف). ولا أعلم كيف يمكننا حل مشكلة التوقيت تلك.

هناك خيار آخر جميل، لضمان أنّ أيًّا كان من سيكتشف الرسالة قد وصل لمرحلة متقدمة من التقدم التكنولوجي، لجعل الرسالة منطقيّة وهو وضعها في “البوابة” لبقية الكون – النظام الشمسي الخارجي.

بافتراض أنّ هذه المنطقة مُنظمة وتتماشى مع مدارات الكواكب، قد يعني هذا كوكب نبتون. قد يعني أيضًا واحدًا من أكبر أجسام حزام كايبر (Kuiper-belt) الذي قد تريد المخلوقات الفضائية زيارته بدافع الفضول، أو استخدامه كقاعدة للانطلاق. واحد من هذه الأجسام هو بلوتو.

أنا لا أفضّل أي سيناريو يقترح بأنّ مسبار (الآفاق الجديدة – New Horizons) عندما يصل مدار بلوتو في صيف 2015 (وهو قد وصل بالفعل الآن) قد يجد رسالة من آخر مخلوق فضائي زار المجموعة الشمسية. لكن لحد الآن ليس لدينا إحابة واضحة لمفارقة فيرمي، وعليه سيكون باب الاحتمالات مفتوحًا بشكل واسع. قد يكون من المفيد تأمّل الصور الأولى التي تأتي من بلوتو قاطعتًا أربع ساعات ضوئية ونصف (المسافة التي يقطعها الضوء خِلال هذا الوقت) – وهي قد وصلت بالفعل أيضًا، فلا أحد يعلم ماذا سنجد.