83% من البشر سيعانون من اضطراب عقليّ عند بلوغهم منتصف الثلاثينات


لا يفهم عامة الناس عادةً المرض العقلي.

وعندما يتعلق الأمر بأمراض مثل القلق أو الاكتئاب السريريّ، يعتقد الناس أن المصابين بهذه الأمراض يمكنهم “تجاوزها”.

لكن لا يمكنك قول ذلك لثلاثمئة وخمسين مليون شخص حول العالم يعانون من الاكتئاب، أو لثمانمئة ألف شخص ينتحرون كل عام نتيجة لترك الاكتئاب دون علاج.

تشير دراسة جديدة أُجريت في جامعة ديوك ونُشِرت في دورية “Abnormal psychology” إلى أنه من غير المعتاد ألا تُصاب باضطراب عقلي عند بلوغك منتصف العمر.

فمن بين 988 مشاركًا تمت دعوتهم للمشاركة في الدراسة، منهم 171 شخصًا فقط لم يكن مصابًا بقلقٍ أو اكتئابٍ من سن الحادية عشرة إلى الثامنة والثلاثين.

 

وهذا يعني أنه عند بلوغك 38 عامًا — وبافتراض تساوي كل العوامل الأخرى، يمكن أن تكون واحدًا من بين الـ 83% من الناس الذين يعانون من مرض عقلي.

من بين هذه النسبة (83%)، عانى نحو نصف عدد المشاركين في الدراسة من حالة واحدة على الأقل من الاضطراب العقلي المؤقت (قصير المدى) أو حالة ذات صلة، بما في ذلك تعاطي المخدرات.

وعانت النسبة المتبقية من اضطرابات عقلية مزمنة، مثل الاكتئاب طويل المدى، أو الاضطراب ثنائي القطب، أو أنواع أخرى من الحالات الذهانية المتكررة أو المستمرة.

كانت هذه الدراسة “طويلة المدى”، بمعنى أنه قد تمّ تقييم الصحة النفسية للأفراد ثماني مرات بين هذين العمرين.

وبهذه الطريقة، كان من الممكن متابعة حالتهم العقلية بعناية على مدار المراحل المبكرة من حياتهم.

من المثير للاهتمام أنه كان يُعتقَد في السابق أن النشأة في أسرة ثرية والتمتع بصحة بدنية جيدة ودرجة ذكاء كبيرة يعني أن الشخص سيكون أقل عرضة للإصابة بمرض عقلي.

لكن يبدو أن هذه الدراسة لا تؤكد هذا الرأي.

 

وإنما توضح أن الناس الذين نادرًا ما يعبرون عن مشاعرهم السلبية، ويتمتعون بحياة اجتماعية صحية، ويتسمون بالقدرة على إظهار درجة جيدة من التحكم في الذات والسيطرة عليها، كانوا الأكثر تمتعًا بالصحة العقلية، حتى من سن صغيرة للغاية.

وفيما يتعلق بالبالغين، كان الأكثر استقرارًا من الناحية العقلية هم الحاصلون على تعليم أفضل ووظيفة جيدة وعلاقات مُرضية.

ولا يعني ذلك أن هؤلاء الناس ينعمون دومًا بدرجة كبيرة من السعادة، لكنهم أقل عرضة بكثير للإصابة بالاكتئاب وغيره من الأمراض الأخرى.

ومن الجدير بالذكر أن هذه الدراسة أُجريت على ناس من مكان واحد فقط، وهو دنيدن في نيوزيلندا. ومن ثم، فإن النتائج ليست ممثلة سوى عن ذلك المكان على وجه التحديد.

بيد أن العديد من الدراسات في أماكن مختلفة من العالم، بما في ذلك سويسرا والولايات المتحدة، أظهرت أرقام مماثلة في هذا الشأن.

 

الرسالة المُراد توصيلها هنا هي أن احتمالية إصابتك باضطراب عقلي في حياتك تفوق احتمالية عدم إصابتك به.

وكلما زاد عدد مَن يعرفون ذلك، زاد عدد الأفراد الذين يعاملون المصابين باضطراب عقلي بقدر أكبر من الاحترام والتفهّم.

من المهم أيضًا إدراك أن العلماء لا يزالون يحاولون فهم إلى أي حد يُعتبَر الاكتئاب اضطرابًا وراثيًّا أو بيئيًّا أو نفسيًّا أو عصبيًّا – أو مزيجًا بين كل ذلك.

من العوامل التي يتم إغفالها كذلك في هذا الشأن حبوب منع الحمل.

 

فعلى الرغم من أن الأدلة الظرفية على وجود علاقة بين هذه الحبوب والاكتئاب شهدت تزايدًا، أكدت دراسة بارزة حديثة هذه العلاقة، إذ كشفت على نحو مثير عن أن السيدات اللاتي يحصلن على حبوب منع الحمل أكثر عرضة بنسبة 23% للحاجة لأدوية مضادة للاكتئاب مقارنة بمن لا يحصلن عليها.

بفضل كل هذه الأبحاث، بدأت تتضاءل تدريجيًّا الوصمة الاجتماعية المرتبطة بالاضطرابات العقلية، لكن لا يزال يوجد الكثير مما ينبغي فعله، فيما يتعلق بالعلم وكيفية توصيله لعامة الناس.


ترجمة: أميرة علي عبد الصادق
تدقيق: عبدالله الصباغ

المصدر