تخيل لو اختفى البشر عن المشهد في المستقبل البعيد، كيف سيكون شكل الحياة؟ فعلى الأرجح أن البشر سيختفون حتى قبل أن تتوسع الشمس لعملاق أحمر ومن ثم تبيد كل كائن حي على الأرض.

على افتراض أننا لم نخمد كل أشكال الحياة الأخرى مع اختفائنا (تصرف غير راجح بالرغم من ميلنا نحو قيادة عملية الانقراض)، فالتاريخ ينبئُنا بتوقع بعض التغيرات الأساسية التي قد تحدث حين يتنحى البشر عن كرسي سيادة الأرض.

فلو أُعطينا هذه الفرصة لاختلاس النظر على مستقبل الأرض بعد 50 سنة من انقراضنا، ماذا سنجد؟ من هو الحيوان أو مجموعة الحيوانات التي ستحل محلنا؟ هل ستكون الأرض كوكبًا للقردة كما في معظم قصص الخيال العلمي؟ أم سيكون الدلافين، الفئران، دببة الماء، الصراصير، الخنازير، أو النمل هم أولاء عهدنا؟

لقد ألهم هذا السؤال العديد من التكهنات الشعبية وقد طرح الكثير من الكتّاب قوائم بالأنواع المرشحة لذلك.

ولكن قبل أن نبدأ باعطاء أية تخمينات سنحتاج أولًا تعريفًا دقيقًا وحذرًا لما نقصده بمفهوم النوع السائد.

قد يناقش البعض فكرة سيادة النباتات بدلًا من الحيوانات بحجة أن العصر الحالي هو عصر ازدهار النباتات.

ولكن معظم الناس لا يرد الى أذهانهم صورة أودري الثانية في فيلم Little Shop of Horrors* حينما يتيخلون المستقبل (حتى أن نبتة تريفيدز **Triffids الخيالية كانت تمتلك بعضًا من الصفات الحيوانية، كالسلوك والقدرة على الحركة والتنقل).

إذًا سيتمحور نقاشنا حول الحيوانات.

ولغرض عملي أكثر منه فلسفي سنقول أن: بعض المعايير تشير الى أن البكتيريا كانت ولاتزال هي الكائن السائد، بصرف النظر عن النهاية الاسمية لما يعرف بـ «عصر الميكروبات» قبل 1.2 مليار سنة.

هذا ليس لأن البكتيريا لم تعد موجودة، أو أنها توقفت عن الانتشار، ولكن لأننا وبإبصارنا المحدود نلتفت لكائنات مرئية بالعين المجردة، ومتعددة الخلايا جاءت بعد البكتيريا.

اعتمادًا على بعض الحسابات فإن أربعة من بين خمسة حيوانات هي ديدان خيطية (أسطوانية).

من المثالين السابقين نعرف أن صفة الوفرة، الانتشار والتعدد لا تعد مستلزمات أساسية ليصبح الكائن سائدًا على الأرض، بل تلفت أنظارنا الكائنات الكبيرة الكاريزمية عوضًا عن ذلك.

هنالك درجة لا يمكن انكارها من النرجسية حين يقوم الانسان بتعيين أقاربه لشغل هذا المنصب.

فصورة كوكب القردة تعكس أن أقاربنا من الدرجة الأولى سيتمكنون من تطوير القدرة على النطق والتكيف مع التكنولوجيا ما إذا ترك لهم الوقت والمساحة المناسبان.

هنالك فرصة ضئيلة لمجتمع الحيوانات الأخرى التي تقرب الإنسان أن ترث الأرض، وذلك لأنه من المرجح انقراض القرود قبلنا.

إن شكل التحولات الحاصلة حاليًا لا تشكل تهديدا على النوع البشري، والأزمة العالمية التي من الممكن أن تنهي وجودنا على الأرض من المرجح لها أن تؤثر على بقاء القردة العليا الأخرى أيضًا.

في الحقيقة فإن مسسبات انقراضنا ستكون مؤثرة بالمثل على الكائنات التي تشبهنا في المتطلبات الفسيولوجية الأساسية.

هل سيطور أحد أقربائنا من الدرجات الأخرى (الرئيسيات، الثديات، غير ذلك) مهارات الذكاء والتنظيم الاجتماعي البشري؟ إن تلك الصورة لخلفائنا تبدو غير واردة.

من بين كل الأنواع التي يمكن القول أنها سادت الأرض قبل الانسان في فصل ما من فصول تاريخ الأرض، كان الانسان دون منازع صاحب قدرات الذكاء والمهارة العالية.

فالتطور لا يفضل ميزة الذكاء لذتها مالم تمنح صاحبها البقاء والتكاثر.

بناء على ذلك فان تصورنا على أن من سيخلفنا سيمتلك ذكاءً خاصًا، أو مهارات اجتماعية، أو قدرة على النطق، أو التأقلم مع تكنولوجيا الانسان هو خطأ فادح.

إذًا ما هي التخمينات التي من الممكن ان تكون صائبة بخصوص وريث الأرض بعد 50 سنة تقريبًا من انقراضنا؟ الجواب مخيب للأمل ومثير بنفس الوقت، حيث أننا واثقون نوعًا ما أنه لن يكون شمبانزي متحدث، ولكننا بنفس الوقت لا نعرف من هو.

لقد شهد العالم عددًا من أحداث الانقراض الجماعية خلال تاريخ الارض.

إن التنوع الذي تلى كل حدث من تلك الاحداث كان سريعًا نسبيًا –و«موجة تكيف» الأنواع الجديدة التي بقيت أنتجت أشكال جديدة عديدة على عكس أسلافها التي انحدرت منها التي هي الأخرى نجت من حدث انقراض سابق.

إن الكائنات الصغيرة جدًا التي هرعت تحت اقدام الديناصورات في آخر العصر الطبشوري تبدو مختلفة جدًا عن دببة الكهوف، والصناجات، والحيتان التي انحدرت منها خلال الحقبة المعاصرة.

كذلك الزواحف التي نجت من انقراض العصر البرمي الترياسي المتأخر قبل حوالي 250 مليون سنة، الانقراض الذي قتل 90% من الكائنات البحرية و70% من الكائنات البرية، لم تنذر التيروصورات والديناصورات والثديات والطيور التي انحدرت منها بعد ذلك.

في كتاب حياة رائعة (Wonderful Life) لمؤلفه ستيفن جاي غولد، ناقش فكرة أن تلعب (الصدفة)، كما سماها الكاتب، دورًا هامًا خلال عملية تحول الحيوانات.

هنالك مجال لمناقشة الأهمية النسبية للصدفة في تاريخ الحياة، الموضوع الذي لا يزال محل خلاف الى يومنا هذا.

مع ذلك يرى غولد أن كون التنبؤَ بأنساب جدد ناجحين بعد الانقراض المستقبلي أمر صعب، هو تذكير متواضع بمدى تعقيد عملية التحولات التطورية.

في حين من الممكن، كما تكهن الكثيرون، أن يكون أحفادنا على الارض من النمل، لا يسعنا إلا أن نتخيل كيف ستبدو أحفاد النمل السائد.

هامش:

* فيلم كويميدي موسيقي يحكي قصة بائع الزهور الذي يجد طريقه نحو النجاح بمساعدة نبتة مفترسة.

** (في الخيال العلمي) نوع من النباتات المفترسة القادرة على التنقل ولها لسعة سامة كما أنها تنمو لأحجام عملاقة. صيغت من قبل جون ويندهام في رواية Day of the Triffids (1951). (قاموس أكسفورد)

تحرير: كنان مرعي
المصدر