يُعد فيلم المريخيّ (The Martian) لآندي وير فيلمًا رائعًا، بل ويعد أكثر فيلم فضائي استكشافي واقعي على الإطلاق وقد أثرى مكتبة السينما بشكل كبير.

كلما يُصنع فيلم خيال علمي جديد، فإنّ أغلب النقد والحديث سيدور حول مدى دقته العلميّة، وعادةً ما يشار إلى العلم بتلك الأسئلة.

هل يمكن للحمض النوويّ الديناصورات أن يأتي حقًّا من البعوض المحفوظ الراجع من تلك الحقبة؟

هل يمكن أن نتفادى كويكبًا ما بواسطة قنبلة نوويّة؟

حتى أنّ هناك منظمة تدعى تبادل العلم والترفيه في لوس انجلوس والتي تربط كُتّاب الخيال العلمي مع العلماء الحقيقيّين للتشاور حول عملهم.

لكن لا ينبغي أن تتوقف دقة فيلم الخيال العلمي أو واقعيّته على العلوم والتكنولوجيا فقط، بل يجب أن تقوم أيضًا على تقديم العلماء وثقافتهم.

مع الأخذ بالاعتبار أنّ فيلم المريخيّ قد يكون الفيلم الفضائي الأكثر واقعية (ولكن بطريقة خيالية).

ومثل كتاب آندي وير الذي يحمل نفس الاسم، فالفيلم يجسد ثقافة العلوم في تجسيد طريقة العلماء، وطريقة تفاعلهم، ودوافعهم وردود أفعالهم تجاه الفشل الذريع.

والواقع أنّ الكثير منهم أذكياء للغاية.

ومن المبهر أنّ الفيلم صُنع بطريقة واقعية جدًّا لدرجة تساؤل البعض حول ما إذا كان الفيلم مبنيًّا حول قصة حقيقية أم لا؟

نبذة عن الفيلم

يدور الفيلم حول شخصية شاب يدعى مارك واتني، التي يجسدها نجم الفضاء الأمريكي مات دامون، الذي يُترك وحيدًا على سطح كوكب المريخ بعد اعتقاد الجميع أنّه قد مات في عاصفة رملية، والتي بسببها غادرت رحلته الفضائية قبل موعدها المحدد.

ويحاول مارك في أحداث الفيلم أن يبقى على قيد الحياة بما تبقى لديه من أغذية ومعدات تكفيه لمدة 31 يومًا فقط، ويضيف إلى أحداثه بعض المواقف الطريفة ليتكيف مع مصيره.

وتتابع مشاهد الفيلم حول إمكانية العيش على الكوكب الأحمر، إذ يستغل مارك المحطة الفضائية التي بُنيت على سطح المريخ لتجاربه.

نعرض الآن بعض نقاط الفيلم ونقدها بشكل تفصيليّ:

العلماء مرحون وليسوا رجالًا آليين

تتصور معظم الأفلام ذات الميزانيات الضخمة العلماء كأنّهم رجالًا آليين أكثر من كونهم بشرًا، وتُظهر تلك التصورات حول العلماء شخصياتهم كشخصيات حمقاء وقديمة الطراز، وغير متفاعلة اجتماعيًّا، وبالكاد تضحك أو تمرح.

أطاح مارك واتني (الشخصية الرئيسية) بذلك الطابع القاسي الذي اتخذناه لسنوات عن العلماء.

إنّه مضحك، وقد يكون حس فكاهته هو ما أنقذه من فقدان الأمل أو فقدان استقراره النفسي، وذلك عندما تُرك وحيدًا على سطح المريخ.

كما يشابهه الكثير من العلماء والمهندسين في الفيلم (والأكثر منهم أيضًا في الكتاب) في الذكاء وروح الدعابة.

يتعارض العلماء والمهندسون الآخرون في الفيلم أيضًا مع الصورة النمطية للعلماء.

إنّ القائدة لويس التي ترأس تلك البعثة البشرية إلى المريخ، والتي تقوم الفنانة جيسيكا شاستاين بتمثيل هذه الشخصية ببراعة، وهي عالمة جيولوجيا ذكية، مدربة في البحرية الأمريكي، فهي تحب موسيقى الديسكو والبرامج التلفزيونية من السبعينيات.

تلك الشخصية تكسر بشدة تلك الصورة النمطية عن العلماء الجامدين.

ولنكن منصفين، هناك شخصية واحدة في الفيلم تُجسد تلك الصورة النمطية وهي شخصية ريتش بورنيل، ولكنّنا نتقبلها في الفيلم لكونها استثناءً وليست الصورة المعتادة للعلماء.

نشأ درو غودارد، الذي كتب سيناريو فيلم المريخيّ في لوس ألاموس، نيو مكسيكو.

تلك المدينة التي بنيت حرفيًّا حول مختبر علوم وطني وكما قال درو غودارد بنفسه: «تُسكن تلك المدينة بالكامل بواسطة علماء الصواريخ».

تحدث جودارد في حلقة نقاش بعد عرض الفيلم في نيويورك، حول مدى تناول الكتّاب واقع الثقافة العلمية التي تعرف عليها من نشأته.

ويقول غودارد: «استطاع آندي وير مؤلف الكتاب أن يُصور هيئة وشخصيات العلماء في الحقيقة.

فإنّه لم يكن مجرد حديث عن الأشياء التقنية التي دائمًا ما تكون على حق، مع ذكر أنّه ليس بالعمل السهل مع ذلك، ولكن يمكننا أن نتطلع على تلك الأشياء في أيّ كُتَيّب.

الجزء الصعب هو تصوير طريقة تحدث العلماء، وعادة ما أجد أنّ أفلام هوليوود تفعله بصورة خاطئة».

بالمقارنة مع العلماء الذين تجسدهم معظم الأفلام، يذكر غودارد أنّه يتذكر العلماء كونهم مرحين أكثر.

ويقول: «يوجد هناك هذا الجو من الزمالة والصداقة الذي يحدث عندما تحاول الناس الذكية العمل معًا.

وهذا ما صوَّره الكُتّاب وكان من المهم بالنسبة لي حماية تلك الصورة.

وبالنسبة لي، كان يدور كل شيء حول حماية تلك الروح النابعة من العلماء الذين يعملون معًا من أجل حل المشكلة وعدم المعرفة الأكيدة حول كيفية حلها، ولكنّ الثقة بغرائزهم حول ما يفعلون موجودة».

يتطلب الأمر الكثير من الناس لإنجاح رحلة إلى الفضاء

من كان ليتوقع أن تكون مواعيد البناء لمسابير الفضاء بتلك الروعة؟
بالطبع أنّ ذلك يضيف قدرًا كبيرًا من الدراما عندما تُقرر تلك الجداول هل سيعيش رائد الفضاء أم سيموت، كما هو الحال في الفيلم.

في الكثير من الخيال العلمي المستقبلي، تعتبر الرحلة الفضائية تقريبًا أمرًا مفروغًا منه، يقفز الناس في الصواريخ ويبدأ الصاروخ في الإقلاع بطريقة سهلة جدًّا كسهولة تشغيل محرك السيارة.

وفي أغلب أفلام الخيال العلمي أيضًا يتجسد الدخول والخروج من الفضاء الذي يستغرق بضع ثوانٍ.

ولكن في رحلات الفضاء في العصر الحديث، تتطلب هذه الأشياء ساعات، وأيام، وأسابيع من التحضير، بِغضّ النظر عن عدد المرات التي نفذوا فيها هذا الأمر.

وهذا يعني أنّ هناك عشرات أو مئات من المهندسين والمشرفين على المشاريع والعاملين الآخرين الذين لا غنى عنهم من أجل جعل مسابير الفضاء تُحلق في الفضاء، فما بالك برواد الفضاء.

في حين أنّ مارك واتني (الشخصية الرئيسية) هو نجم الفيلم بلا شك، فإنّه مثير للإعجاب جدًّا، كما يحصل فيلم المريخيّ على الكثير من العرفان من قبل الناس الذين يدعمونه.

وذلك لأنّه يوضح الكفاح والصعوبات التي تواجه الناس في محاولة بناء مسبار فضائي لإرسال المواد الغذائية إلى الشخصية واتني المتروك وحيدًا على سطح المريخ، ووضح أيضًا العديد والعديد من الأشياء التي يمكن أن تسوء خلال إطلاق الصواريخ.

وهذا ما يجعله فيلمًا رائعًا لأولئك المعجبين برحلات الفضاء في العالم الواقعي.

ومن الجدير بالذكر أنّ مختبر الدفع النفاث التابع لناسا (JPL) هو عمليًّا شخصية رئيسية مستقلة حتى لو لم يكن هو المختبر الظاهر داخل الفيلم.

الفضاء خطير، حتى من دون حوادث غريبة

هناك العديد والعديد من الحبكات داخل كثيرٍ من الأفلام التي تدور حول شيء ما رهيب يحدث في الفضاء.

مثل كويكب متجه نحو الأرض، أو أنّ مركز الأرض يتوقف عن الدوران، أو أنّ الشمس تبدأ في إشعاع الكثير من الجسيمات، أو أنّ هناك كويكبًا آخر وراء الكويكب المتجه، وسيكون هناك الكثير من الحطام الفضائي القاتل، أو أنّ هناك وحشًا يعيش على سطح القمر، أو على سطح المريخ، أو على سفينة فضائية قديمة، أو يعيش الناس في الفضاء لفترة طويلة ويتحولون إلى وحوش، أو بطريقة ما هناك أيضًا كويكب آخر متجه نحو الأرض.

يبدأ فيلم المريخيّ بظرف استثنائي: رائد فضاء يظنّ زملاؤه بالخطأ أنّه مات على سطح الكوكب أثناء الإقلاع من على سطحه لظروف عاصفة رملية مفاجئة، ويتركونه وحيدًا على سطح المريخ.

ولكن ما بعد ذلك، فإنّ العقبة الوحيدة التي تواجه شخصية مارك واتني هي التحديات العادية للحياة على الكوكب الأحمر، تحديات مثل الحفاظ على السوائل على كوكب يكاد لا يملك أي غلاف جوي، أو زراعة النباتات حيث لا وجود لماء ولا ميكروبات في التربة، وحيث توجد التقلبات في درجات الحرارة القصوى.

بعبارة أخرى، تلك القصة عن البقاء على قيد الحياة في الفضاء التي لا تحتاج الكويكبات أو الوحوش أو أي من تلك الأشياء، لأنّ الفضاء مكان قاسٍ بما يكفي ليبقى فيه وحيدًا.

ربما يشعر العديد من صانعي الأفلام بالقلق لأنّ القصة التي لا تحتوي على كوارث مجنونة (تحتوي فقط على الأشياء «الطبيعية») قد تكون مملة للجمهور.

ومع ذلك يجب أن نوجه تصفيقًا حارًّا إلى المبدعين من فيلم المريخيّ، وذلك لإخراج فيلم حقيقي جدا وممتع للغاية.

تلك القصة التي أخرجت بعناية، والتي جعلت الجمهور يهتم لأمر الشخصية مارك واتني، ومشاهدة شخص ما يحاول أن يعيش على سطح المريخ.

إنّها حقًّا أمر رائع.

باستخدام العقبات الحقيقية كعدوّ لمارك واتني داخل الفيلم، تصبح مشاكل العلوم الحقيقية المملة مثيرة للاهتمام عندما تكون جزءًا من قصة رائعة.

تنشأ الصراعات الكبرى بسبب البرد القاسي في كوكب المريخ، ولأنّه يمتلك ضغطًا جويًّا مختلفًا عن كوكب الأرض، وبسبب السكن الاصطناعي لمارك واتني على سطح الكوكب الأحمر.

وتناضل ناسا من أجل التواصل مع مارك واتني، وتكافح أيضًا لإرسال الموارد له، وذلك بسبب المسافة البعيدة جدًّا جدًّا جدًّا، التي تبعد الأرض عن المريخ.

إنّ التغلب على هذه الأنواع من المشاكل هو ما يقول عنه المؤلف وير أنّه كان أصعب شيء بدأ في كتابته داخل هذا الكتاب، وحافظ الفيلم على استمرار العلم بشكل جيد للغاية.

ليس الفضاء عدوًّا

مع هذا العدد الكبير من أفلام الفضاء التي تركزت على كارثة مروعة، فلا عجب أنّ معظم رواد الفضاء في السينما غالبًا ما ينتهي المطاف بالندم على ترك الأرض.

تترك هذه الأفلام الجمهور مع الشعور بأنّ الفضاء نفسه هو نوع من أنواع الوحوش التي تلهم الجميع بأنّ الفضاء لا يبعث إلا خوفًا كبيرًا.

هذا الخوف، أو حتى الكراهية للفضاء قد يكون أكبر خطأ في معظم الأفلام التي ذات صلة بالفضاء.

يحتوي تاريخ الرحلات الفضائية على الوفيات، وبعضها حدث بواسطة ظروف مروعة، يمكن الوقاية منها.

في حين أنّ تلك الأحداث تدعو إلى الحداد، فإنّ ذلك لم يمنع الناس أبدًا عن الرغبة في استكشاف الفضاء.

إنّ الفيلم يجسد هذا بشكل جيد للغاية.

حتى عندما تظن ناسا أنّ مارك قد مات، فإنّها مستمرة في دفع مسابير الفضاء الخاصة بها إلى المجهول.

يستمر الناس في التفكير في رحلة الإنسان المقبلة إلى المريخ.

وهناك اعتراف بأنّه على الرغم من كل الجهود للحفاظ على رواد الفضاء على قيد الحياة، فإنّ رحلات الفضاء واستكشافه تحمل معها خطر الموت، ويتقبل رواد الفضاء ذلك عن طيب خاطر.

حتى عندما يجد مارك واتني نفسه في معنويات منخفضة جدًّا، عندما يكتب رسالة إلى والديه، مع العلم أنه من الممكن أن يكونوا ودعوه للأبد، فإنّه يقول لهم: «أنا أحب ما أقوم به».

إنه لأمر رائع أن تشاهد الفيلم يُجسد هذا الموقف الأخير.

مثل تلك العاطفة قد أُرسلت إلى عدد كافٍ من الناس، والتي تُفيد أنّ الإنسانية تبذل الآن خططًا جادة للهبوط بالناس على كوكب آخر.

وسوف تُعيق الطبيعة تلك الرحلات بطريقة أو أخرى، مرة تلو الأخرى، ولكن ذلك بات جزءًا من أي رحلة فضائية.


  • إعداد: مريم خالد
  • تدقيق: عبدالسّلام الطّائي
  • تحرير : رغدة عاصي
  • المصدر 1
  • المصدر 2