قد لا يمكنك حاليًا شراء سيارةٍ ذاتية القيادة بالكامل. لكن مصنّعي السيارات حول العالم يتسابقون فيما بينهم على من سيكون أول من ينتج هذا النوع من السيارات تجاريًا، ومع ذلك لا تتفق شركتان منهم على نفس النهج التقني لتحقيق هذا الهدف، فبعضهم يوظفون تقنيات الاستشعار عن بعد مثل نظام الكشف وتحديد المدى الضوئي (LiDAR) أو ليدار، بينما يعتمد البعض الآخر على أجهزة الاستشعار القائمة على نظام الكشف وتحديد المدى الراديوي (RADAR) أو الرادار للمساعدة في تحديد العوائق التي تصعب رؤيتها على الطريق.

تستخدم الشركات التي تعمل على تقنيات السيارات ذاتية القيادة مزيجًا من الليدار والرادار والكاميرات، بينما تسلك شركة تسلا مسلكًا مختلفًا، إذ تعتقدُ أن أنظمة الاستشعار القائمة على تقنيات التعرف على الصور المرئية باستخدام الكاميرات هي السبيل للوصول إلى قيادة ذاتية أكثر استقلالية وأقل تكلفة.

لكن تظهر لنا مشكلة في طريقة تسلا وهي أن إتقان القيادة الذاتية بناءً على الرؤية فقط أمر غاية في الصعوبة لأنه يتطلب استخدام نظام ذي تحسين مستمر يمكنه التكيف بسرعة مع ظروف الطريق الجديدة والمتغيرة، ومن ثم يجب أن يكون قادرًا على مشاركة هذه المعلومات مع السيارات الأخرى على الطريق فيتطلب هذا النوع من التعلم معالجات بقدرات أكبر مما هو ممكن لمركبة واحدة أو بعبارة أخرى: يتطلب حاسوبًا خارقًا.

كشف أندريه كارباثي وهو كبير مديري الذكاء الاصطناعي في شركة تسلا خلال حديثه في المؤتمر الدولي المشترك حول الرؤية الحاسوبية والتعرف على الأنماط المنعقد في شهر يونيو عام 2021 أن شركة تسلا كانت تعمل على مشروع حاسوب فائق للقيام بذلك تحديدًا.

حاسوب تسلا الخارق -والذي لم يسم علنيًا حتى الآن- عبارة عن عنقود من 720 حاسوبًا فرديًا يُسمون العقد، وتحتوي كل عقدة على ثمان وحدات لمعالجة الرسومات (GPU) من نوع نيفاديا A100 80GB تُمكنه من إجراء حسابات عالية الدقة وبالغة التعقيد بقدرة تصل إلى 500 ضعف قدرة معالجات الحواسيب المكتبية القياسية.

وبالمجمل يحتوي العنقود الحاسوبي على 5760 وحدة لمعالجة الرسوم، أو فلنقل ما يكفي من الأجهزة للوصول إلى قوة معالجة بقدرة 1.8 إكسافلوب (وحدة قياس سرعة معالجات أجهزة الحواسيب الخارقة) ومن هنا يعتقد كارباثي أن هذه القدرة تجعل حاسوب تسلا الخارق نظريًا في المرتبة الخامسة عالميًا ضمن أكثر البيئات الحاسوبية قدرة.

تستخدم سيارات تسلا الحديثة نظامًا متقدمًا لمساعدة السائق يسمى نظام السائق الآلي، وتتيح باقة المميزات هذه للمركبة الاستفادة من ثماني كاميرات خارجية لرؤية محيط السيارة وعند تفعيلها وحيثما أمكن تقوم بالتحكم جانبيًا بالتوجيه، وطوليًا بالتسارع أو الكبح، تحت إشراف السائق، ويختلف هذا النظام عن نظام القيادة الذاتية المطور من شركة وايمو (Waymo) الذي يعتبر مرحلةً انتقاليةً أو حلقة وسيطة تستخدم الأتمتة الجزئية لسد الفجوة بين القيادة اليدوية والتحكم الذاتي الكامل.

نعود لنظام السائق الآلي الذي يوظف المعلومات التي تُجمع من جميع سيارات تسلا على الطرق لتحسين قراراته في القيادة، فبينما تسير سيارة تسلا في الشوارع تجمع كاميراتها الخارجية البيانات باستمرار عن البيئة الخارجية ثم تدرس أجهزة الكمبيوتر داخل السيارة هذه البيانات وتضع تنبؤات حول كيفية التصرف في أي سيناريو مُحتمل من دون أن ترسل أي أوامر تحكم فعلية إلى السيارة ذاتها.

تُشارَك تلك المعلومات بعدئذ عبر آلية للتعلم الآلي تُسمى الشبكة العصبونية ثم تًسجل هذه التنبؤات ويعاد إرسالها إلى تسلا لتحديد فيما إذا كان القرار المفترض صحيحًا أو أنه قد تم التعرف على بعض بيانات بشكل خاطئ، وفي تلك الحالة تُشغل البيانات باستمرار باستخدام الحاسوب الخارق معدلةً بذلك سلوكه وقراراته حتى يحصل على معالجة خالية من الأخطاء، ما يؤدي إلى تدريب مستمر لنموذج السائق الآلي المُطور من تسلا.

يمكننا بسهولة أن نستنتج أن هذه الطريقة لا تستهلك فقط كمية كبيرة من قدرة المعالجات بل إنها تتطلب قدرًا هائلًا من المساحة لتخزين مليون مقطع بمدة 10 ثوان لكل منها والتي تمثل قاعدة بيانات تسلا لتدريب السائق الآلي، تشغل هذه المقاطع وحدَها ما حجمه 1.5 بيتابايت (1 بيتابايت يساوي 1000 تيرابايت) بينما يمكن لنظام السيارة أن يخزن ما يقارب الـ 10 بيتابايت من البيانات على ذاكرة الفلاش NVMe فائقة السرعة.

أعلن الرئيس التنفيذي لشركة تسلا إيلون ماسك عطفًا على نفس الموضوع عن «مشروع دوجو»، وهو عبارة عن حاسوب خارق صممته تسلا في منشآتها خصوصًا لتجربة وتدريب نموذج الشبكة العصبونية، وأشار ماسك إلى أن التوفيق بين الاتصال عالي السرعة وبين التبريد الجيد لمكونات الحاسوب كان تحديًا حاضرًا حتى نهاية عام 2020 وعلى الرغم من ذلك فقد استمر العمل على المشروع.

وبما أن مجموعة كارباثي تستخدم معالجات رسوم نيفاديا فيبدو أنها ليست على صلة بمشروع دوجو. ومع ذلك فما زال لها دور حيوي في مسار تحقيق هدف تسلا النهائي بأن تكون أول شركة مصنعة للسيارات تضع مركبة ذاتية القيادة بالكامل على الطرق.

قُوبِل هذا الهدف الطموح لتسلا بالتشكيك نوعًا ما على أرض الواقع من قبل قادة صناعة السيارات ومن قبل رافضي السيارات ذاتية القيادة القائمة على الرؤية الحاسوبية فقط، خصوصًا بعدما رفضت تسلا إضافة تقنية الليدار ذات الدقة العالية حتى ولو كجزء من مجموعتها في مشروع السيارات ذاتية القيادة بالكامل.

لا تستخدم أيٌ من سيارات تسلا العاملة تقنية الليدار حاليًا، وفي الواقع فقد صرح إيلون ماسك في 2018 باستنكار أن الليدار مجرد عائق مادحًا في المقابل نظام تسلا القائم على الرؤية الحاسوبية فقط وذلك قبل أن يتم التخلص من جميع الرادارات التكميلية في وقتٍ سابقٍ من عامنا هذا، وقد كلف هذا القرار تسلا مصادقاتٍ إضافية للأمن والسلامة من قبل الإدارة الوطنية للسلامة المرورية على الطرق السريعة بواشنطن.

في المقابل، فقد اختارت شركة فولفو جعل تقنية الليدار ميزةً أساسية في الجيل القادم لسياراتها من نوع XC90 SUV.

سيساعد الجيل الحالي من حواسيب تسلا الخارقة في تدريب نموذج السائق الآلي الخاص بسياراتها، ومن المرجح أن يذهب مشروع دوجو لأبعد من ذلك بكثير، وحده الوقت فقط ما سيحدد ما إذا كانت تقنيات تسلا القائمة على الرؤية الحاسوبية فقط سوف تتفوق على تقنيات منافسيها أم العكس، ما يعني أن تلك التقنية هي مغامرة قد تبقي على شركة تسلا شركة رائدة في مجال أتمتة القيادة الذاتية الكاملة أو قد تزيحها من على عرشها، فمن يعلم ما تخفي الأيام لماسك وتسلا؟

اقرأ أيضًا:

إيلون ماسك يتباهى باقتراب سيارات تسلا من المستوى الخامس للقيادة الذاتية الكاملة

هل تريد أن تتبع سيارة تسلا رودستر في الفضاء؟ هناك موقع على شبكة الإنترنت لذلك.

ترجمة: أحمد محروس

تدقيق: أسعد الأسعد

المصدر