يُعد شرب الماء أساسيًا وضروريًا لصحة الإنسان، لكن النصائح المتضاربة حول هذا الموضوع مثيرة للجدل. فما مدى صحة أننا جميعًا يجب أن نولي مزيدًا من الاهتمام لكمية الماء التي نشربها يوميًا، التي تعد ضرورية لترطيب أجسامنا؟

ينتشر اعتقاد شائع بين الناس أن مفتاح الوصول إلى التناغم الداخلي يكمن في شرب كميات كبيرة من الماء، مستندين إلى حجة ساذجة مفادها أن جسم الإنسان مكوّن بمعظمه من الماء.

يَزخر عالم المؤثرين الصحيين بوجهات نظر متضاربة؛ طبعًا إذا لم تكن من الحيَل المستخدمة لاختبار مستويات شربنا للماء، أو إنّها مجرد إعلانات عن أحدث الأجهزة، أو الأدوات والأواني التي تُستخدم للشرب، وينتشر أيضًا هذا التوجّه المقلِق لنظام غذائي “من دون ماء”؛ إذ يقسِم محبّو ومتّبعو هذا النّهج جميعًا على التقليل من شرب الماء، أو عدم شربه مطلقًا، وذلك ليس قرارًا نوصي، أوننصح به. حتى النصائح الرسمية في هذا المجال يمكن أن تكون مقلقةً، ومثيرةً للشكّ.

توصي هيئة الخدمات الصحية الوطنية NHS في المملكة المتحدة بأن يستهلك البالغون من ستة إلى ثمانية أكواب من السوائل يوميًا، التي تشمل الماء والحليب قليل الدسم والشاي والقهوة، وغيرها من المشروبات الخالية من السكر.

وهنا تكمن المشكلة الأولى؛ لأن التوصية السابقة لا تحدد بوضوح حجم الكوب بالضبط. لذلك من الصعب استقراء كمية السائل الموصى بشربها من النصيحة السابقة.

أمّا في الولايات المتحدة، فإنّ النصيحة أكثر وضوحًا على الأقل من سابقتها، إذ تقترح الأكاديميات الوطنية للعلوم والهندسة والطب (National Academies of Sciences, Engineering and Medicine) أن يكون الاستهلاك اليومي للمرأة البالغة 2.7 لتر(أي ما يعادل 11.5 كوب)، و3.7 لترات (أي ما يعادل 15.5 كوب) بالنسبة للرجل البالغ.

مع ذلك فإن هذه التوصية لا تشمل فقط السوائل الموجودة في المشروبات، ولكن تلك الموجودة في الأطعمة التي نتناولها أيضًا. وبالطبع ليس من السهل معرفة كمية السوائل التي تحتويها الأطعمة المختلفة التي نتناولها في اليوم، ناهيك عمّا نشربه من سوائل خلال اليوم.

وعمومًا تُقدَّم نصائح مماثلة من قبل الحكومات، والهيئات الصحية في جميع أنحاء العالم. ولكن بالمجمل يبدو بالإجماع أن الكمية المناسبة من الماء التي علينا شربها هي بين لترين و 3 لترات يوميًا، وتُعد الكمية الأمثل التي يحتاجها الجسم للحفاظ على ترطيبه وصحـته.

إذن من أين تستمدّ هذه النصيحة مصداقيّتها؟

ماذا يحدث عندما لا نشرب كميةً كافيةً من الماء؟

من المؤكد أن عدم شرب كمية كافية من الماء يمكن أن تكون له عواقب وخيمة، وربما حتى مميتة. إذ يحدث التجفاف بسبب فقدان سوائل الجسم بكمية أكبر مما نستهلكه. ويعد الشعور بالعطش من العلامات الأولى والمميزة التي تدلّ على بداية الإصابة بالتجفاف.

ومع تقدّم وتفاقم هذه الحالة، سيلاحظ المريض أن لون البول أصبح غامقًا، مع وجود رائحة واخزة، إضافةً إلى شعوره بالتعب والإرهاق. ومع تطور حالة التجفاف سيعاني المريض جفاف الفم، واللسان.

أُثبت أن المرضى بحالات صحية معينة، مثل داء السكري، هم الأكثر عرضةً لخطر الإصابة بالتجفاف. وقد يزداد خطر الإصابة أيضًا عند الذين يتعرّقون بشدّة بعد ممارسة التمارين الرياضية، أو الذين يزداد تعرّقهم بسبب الطقس الحارّ، أو في حالة الإصابة بالإسهال، وربّما تناول لأدوية المدرة للبول لعلاج ارتفاع ضغط الدم، أو في حالة وجود أية اضطرابات أُخرى. أيضًا فإنّ الرضع والأطفال هم أيضًا الأكثر عرضةً لخطر المضاعفات المرتبطة بنقص السوائل في الجسم.

قد تجعلنا معرفة المخاطر المرتبطة بالتجفاف نشعر بحاجتنا لشرب قدر ما نستطيع من الماء كي نتلافى تلك المخاطر. وبالتأكيد فالأفضل أن نكون في مأمن على أن نندم لاحقًا، أو أن نعرّض صحتنا للخطر. ولكن لسوء الحظ الأمر ليس بتلك البساطة.

ما كمية الماء التي تعد زائدةً عن حاجة الجسم؟

فهم العلماء آثار الاستهلاك المفرط للماء منذ أوائل عشرينيات القرن الماضي تقريبًا؛ التي عُرفت باسم حالة التسمم المائي.

قد يكون من الصعب تحديد أعراض تلك الحالة بدقة، ولكن عمومًا يمكن أن تشمل الغثيان والإقياء، إضافةً إلى تبدل الحالة العقلية؛ وهي حالة تصف الاضطرابات العقلية، وتتراوح بين الارتباك الخفيف أو الشديد، وإذا لم يتم علاجها فيمكن أن تتطور إلى نوبات وغيبوبة أو حتى أنها قد تصل إلى الموت.

للأسف كانت هناك العديد من الحالات الشهيرة لأشخاص أصيبوا بتوعك شديد، ومميت نتيجة شرب الكثير من الماء. من إحدى تلك الحالات نذكر حالة جينيفر ليا سترينج التي توفيَت في عام 2007 عن عمر ناهز 28 عامًا بعد مشاركتها في مسابقة إذاعية تتحدى المشاركين لشرب كمية كبيرة من الماء خلال فترة زمنية قصيرة، وذلك للحصول على فرصة للفوز بجهاز لألعاب الفيديو. على الرغم من اتصال أحد الأشخاص بالبرنامج لتحذير مقدميه من المخاطر المترتبة على مثل هذه التحديات.

وقد أصيبت امرأة أخرى في المملكة المتحدة بمرض خطير بعد اتباع نصيحة بشرب الكثير من الماء، لمساعدتها على التعافي من عدوى في المسالك البولية. وتسببت الكمية الهائلة من السوائل التي تناولتها في إصابتها بحالة تسمى نقص صوديوم الدم. إذ تصبح مستويات الصوديوم في الجسم منخفضةً بشكل خطير. وهي من الحالات التي قد تكون قاتلةً للمريض. ولكن، ولحسن الحظ، تلقت المرأة العلاج في المستشفى، وتماثلت للشفاء.

يجب التذكير مرةً أُخرى أن من الصعب معرفة الكمية الدقيقة من الماء التي من شأنها أن تكون سامةً ومضرّةً لصحة الفرد. وقد تضمنت تلك الحالات المرضيّة الخاصة شربَ كميات كبيرة جدًا من الماء خلال فترة زمنية قصيرة. لذلك من غير المحتمل أن يعرّض الإنسان نفسه للخطر خلال يومه العادي، وضمن حدود الاستهلاك الطبيعي من الماء. ومع ذلك يجدر بنا أن نتذكر أنه يمكننا الحصول على الكثير من المزايا الجيدة.

هل يجب أن نقلق بشأن حجم استهلاكنا للماء؟

أثبتت الدراسات أن التوصية الرسمية التي تَنص على شرب ما يعادل 2-3 لترات من الماء يوميًا، هو الخيار الصحّيّ الأمثل. مع الأخذ بعين الاعتبار المخاطر المرتبطة بشرب كثير من الماء أو التقليل الشديد منه.

لكن هل يجب أن نشعر بالذعر إذا لم نستطع إنهاء قارورة الماء بحلول نهاية يوم في العمل؟

ستكون الإجابة: بالطبع لا.

عمل عدد من الخبراء على توظيف جهودهم لتقييم هذه المسألة وأجمعَت وجهات نظرهم بأنه ليس علينا الالتزام الصارم بالإرشادات، عندما يتعلق الأمر بالمحافظة على صحة الجسم ومستوى ترطيبه.

أشارت كارين دواير؛ الاختصاصية في أمراض الكلى، إلى أن أجسامنا تتمتع بطرق قوية جدًا لإعلامنا بأنها عطشى، وبأنها تحتاج المزيد من السوائل. ونوّهَت بأن أفضل مقياس لمستوى ترطيب أو حاجة الجسم إلى الماء هو لون البول، إذ إن لون البول الطبيعي يميل إلى الأصفر الفاتح، أمّا إذا كان ذا لونٍ غامقٍ جدًا فذلك يشير إلى حالة الإصابة بالتجفاف، الأمر الذي يستدعي الحاجة إلى شرب المزيد من الماء. في حين أن البول الشفاف عديم اللون مثل الماء، يشير إلى ترطيب الجسم الكافي، وإلى عدم حاجتنا لشرب الكثير من الماء.

أضاف فنسنت هو؛ الاختصاصي في أمراض الجهاز الهضمي إلى أنه ليس بالضرورة أن يكون النهج المتّبَع من قبل الجميع مفيدًا دائمًا.

أما بالنسبة لجون بارتليت؛ الخبير في العلوم الرياضيّة، فقد عبّر عن موافقته على أن احتياجات الجسم اليومية من الماء تختلف من فرد لآخر، لأن تلك الاحتياجات اليومية من الماء تعتمد على عدد من العوامل الداخلية والخارجية ضمن البيئة المحيطة. فإذا كان الفرد يعاني من حالة طبية ما قد تؤثر في مستويات الماء والترطيب الضرورية لصحة الجسم، فمن الأفضل دائمًا طلب المشورة الشخصية من الطبيب المختصّ. خلاف ذلك علينا شرب الماء بشكل طبيعي عندما نشعر بالعطش ويجب الانتباه إلى أننا سنحتاج إلى شرب المزيد من السوائل في الطقس الحار، أو أثناء ممارسة التمارين الرياضية.

ليس علينا أن نجبِر أنفسنا على شرب كميات كبيرة من الماء، أو أن نقلل من شربه بشكل كبير.

اقرأ أيضًا:

احتباس الماء: ما سبب تراكم السوائل داخل الجسم؟ وما علاجها؟

علماء يبتكرون طريقة جديدة لغلي الماء دون استهلاك الكثير من الطاقة

ترجمة: أليسار الحائك علي

تدقيق: منال توفيق الضللي

المصدر