إن تجربة الفقدان من التجارب القليلة مؤكدة الحدوث في الحياة، إذ إننا في مرحلة من الحياة سنواجه جميعًا هذه التجربة أو قد سبق لنا خوضها، ويبقى الفراغ الذي يخلفه الشخص الغائب، فكيف نتكيف مع هذه الحالة؟

إن الحزن شيء نعالجه وليس شيئًا نتغلب عليه. إذ إن الفراغ الذي يخلفه الفقدان يبدو وكأنه يبتلع كل شيء بما فيه أنفسنا.

يبدو بالنسبة لبعض الأشخاص وكأنه ألقي بهم في البحر دون أدوات مساعدة على النجاة، يبدأ الأمر بشعور بالاصطدام بكتلة باردة تبتلعك، ثم بإحساس بفقدان الهواء ثم الصراع للقدرة على التنفس قبل أن تبتلعك الموجة الثانية.

يختلف الحزن من شخص لآخر ولكنه تجربة شائعة بين جميع الأعمار، ولا توجد وصفة سريعة للتأقلم معه أو حل سريع للفراغ المرافق لتجربة الفقدان. ورغم أننا نحزن إلا أننا نستمر بالعيش، فما الذي يجب أن نعرفه عن الحزن؟ وما الذي يمكننا فعله لنتعايش معه بأفضل طريقة؟

أدرك مشاعرك وتقبّلها

عندما يموت شخص تحبه ستختبر مزيجًا هائلًا من المشاعر المختلفة التي قد تكون متناقضة أحيانًا، وقد تأتي هذه المشاعر واحدة تلو الأخرى أو قد تأتي كلها دفعةً واحدةً.

كيف نتعامل مع الفراغ الذي خلفه شخص عزيز فقدناه - تجربة الفقدان من التجارب القليلة مؤكدة الحدوث في الحياة - التعامل مع فقدان شخص مقرب - الحزن

يشير المدرب الحياتي والاختصاصي في البرمجة اللغوية العصبية جيف برازيير في كتابه «دليل النجاة من الحزن» إلى العديد من المشاعر التي قد نشعر بها في أثناء مرحلة الحداد ومنها الغضب والذنب والوحدة والامتعاض والتوق واللوم. وهي جميعها ردود فعل طبيعية على الفقدان، وهي جزء من آلية التأقلم مع فكرة الموت وتأثيره على حياتنا.

والخدر العاطفي من المشاعر الأخرى التي يشير إليها برازيير في كتابه، إذ يقول: «تدخل أجسامنا في مرحلة من الشعور بالخطر، ويصعب علينا الإحساس بالمشاعر لأن أجسامنا تحمينا من الصدمة التي نواجهها».

من المهم أن نقرّ بما نشعر به أو ما يتضح أننا لا نشعر به بعد موت أحدهم ونتقبّل هذه المشاعر، فرفض هذه المشاعر أو محاولة حبسها داخلنا لمراعاة الآخرين أمر غير صحي وغير مجدٍ على المدى الطويل. يقول برازيير في الكتاب «إن القوة تعني أن نسمح لأنفسنا بأن نكون ضعافًا وحقيقيين وأن نجيب بصدق عن الأسئلة التي تتعلق بحالتنا العاطفية».

اسمح لنفسك بالبكاء عندما تريد أن تبكي، فالبكاء يهدئ المرء في حالات الكدر ويساعد على التخلص من الهرمونات المسببة للتوتر واستعادة التوازن العاطفي واستقرار المزاج.

الحزن ليس عملية تسلسلية

شاع وصف الحزن فيما سبق بأنه عملية تسلسلية بعدة خطوات يمر بها المفجوع في أثناء رحلته من الألم والصدمة إلى التعافي العاطفي الكامل.

وضعت الطبيبة النفسية إليزابيث كوبلر-روس مراحل الحزن الخمس وهي: النكران والغضب والمساومة والاكتئاب والتقبل. ولكن يؤكد آخرون على أن الحزن تجربة ذات نتائج عدة.

تعارض الدكتورة سوزان ديلايني مديرة خدمات الفقدان في مؤسسة هوسبيس الإيرلندية في دبلن فكرة “مراحل الحزن” واصفةً رحلة الفقدان بالفوضوية وغير المتوقعة وغير التسلسلية، مؤكدةً على أن الحزن ليس ذا هيكلية مريحة وليس له نهاية محددة، وأن لا وجود لمراحل الحزن الخمسة، وتقول: «حتمًا لا يقع الحزن بكيفية تسلسلية، فنحن لا نتوقف عن الشعور بالحزن كما لو أنه نزلة برد عابرة، توجد أيام يشعر فيها المرء بالسوء وأيام أخرى يشعر فيها بأنه بخير».

تشبه د. ديلايني الأمر بكتلة سوداء (تمثل الحزن) موجودة في وعاء (يمثل قدرتنا العاطفية)، فالكتلة لا تصبح أصغر بل يكبر الوعاء. وتشير إلى أن حزننا على فقدان شخص عزيز لا يختفي أو يخبو بمرور الوقت، بل يزداد نضجنا العاطفي ونصبح قادرين على الجمع بين الحزن ومشاعر –أو نشاطات- أخرى، وتصبح مشاعر الحزن جزءَا صغيرًا من مساحتنا العاطفية والعقلية المتزايدة.

لن تتجاوز الأمر، وهذا أمر عادي

تحدثت نظريات سيغموند فرويد الأولى المتعلقة بالحزن عن قطع الارتباط العاطفي بالشخص الميت، ولكن من يمكنه التوقف عن حب شخص ما -أو قد يرغب بذلك- لأنه لم يعد موجودًا؟

الانفصال مؤلم، ولكن ذكرياتك مع الشخص الراحل ومشاعرك تجاهه لا تختفي ولا تقل بمرور الوقت. تقول د. ديلايني:«لا توجد نهاية للحزن فالموت ينهي حياة أحدهم وليس علاقتك به، وإذا كان أحدهم يهمك في حياته سيبقى مهمًا بعد موته، وعليك أن تجد طريقةً أخرى للتعلق به».

تقول الكاتبة كيلي لين عن تجربتها مع الفقدان بعد موت زوجها المفاجئ: «لا يوجد تجاوز للأمر عندما يتعلق الأمر بموت شخص عزيز».

ابن على حزنك

يمكنك أن تستخدم حزنك بمثابة حجر أساس لخلق شيء جديد بدلًا من التفكير بتجاوز الأمر، فمثلًا يمكنك المشاركة بحملات توعية حول ما سبب وفاة الشخص العزيز، وبذلك تخلق له إرثا دائما.

يمكنك البدء بحملة، أو إنشاء مدونة للكتابة عن تجربتك مع الفقدان وذكرياتك مع الراحل إن كنت قادرًا على ذلك، وبهذه الطريقة تبقي على ذكراه وقد تساعد أحدًا يمر بالتجربة ذاتها.

إن لم تكن مرتاحًا مع فكرة مشاركة أفكارك ومشاعرك وذكرياتك مع الآخرين يمكنك كتابة مذكرات خاصة بك وحدك.

يشير الاختصاصيان النفسيان د. ويندي ليتشنثال ود. روبرت نيمير إلى أن الكتابة عن مشاعرنا بعد حدث مؤلم يساعدنا عل استيعاب ما حصل وتضمينه في قصة حياتنا ما يسمح لنا بالنضوج والتحكم بمشاعرنا بطريقة أفضل بقولهما: «رواية تجاربنا على شكل قصص يسمح لنا بتنظيم أحداث الحياة المؤلمة ودمجها مع رواياتنا الشخصية، ما يعزز حسًا قويًا بهويتنا ويصوغ أهدافنا وردود أفعالنا العاطفية مستقبلًا».

اخلق طقوسك الخاصة

تقترح الطبيبة النفسية كيم بايتمان وهي معالجة نفسية مختصة بتجارب الفقدان أن نخلق طقوسًا خاصة تتضمن الراحل لنتصالح مع مشاعرنا بالفقدان، إذ تقول: «عندما نجبر على توديع شخص ما جسديًا فإننا نجد الفرصة للقائهم في خيالاتنا».

قد يكون أحدَ هذه الطقوس إعدادُ فنجان من الشاي للشخص الراحل وتخيل محادثة معه، أو إشعال شمعة له متخيلًا أنها تضيء رحلتك معه.

تقول د. كيم بايتمان: «لخلق طقوسك الخاصة سل نفسك عما كان يجلب السعادة للشخص العزيز الراحل، وكلما كانت إجابتك أدق كان الأمر أفضل».

إن طقوسًا كهذه ستُمكّنك من المضي قدمًا وتغيير علاقتك بالحزن الذي تشعر به بدلًا من البقاء عالقًا في الماضي. وكما تقول د. ديلايني فإن الطقوس الشخصية هي طريقة للتأقلم مع الحزن و الالتفاف حوله.

اقرأ أيضًا:

مراحل الحزن : ما مدى صحتها علميًا؟

الحزن يفتك بنا جميعًا.. لذا دعك من التحسر وامض قدمًا

ترجمة: ليلان عمر

تدقيق: إدريس زويتن

مراجعة: آية فحماوي

المصدر