هل فكرت يومًا كيف يعرف الأسبرين، ذلك القرص الأبيض الصغير، وجهته الصحيحة إلى الرأس ليوقف الألم ويخفف من حدّة الصداع؟

الإجابة المختصرة: لا تستطيع الجزيئات الدوائية أن تنتقل من تلقاء نفسها عبر الجسم، وليس لها القدرة على التحكم بالمصير الذي ستؤول إليه، لكن استطاع الباحثون إجراء تعديل كيميائي على جزيئات الأدوية لضمان ارتباطها بقوة بالأماكن التي نريد التأثير فيها، وبصورة ضعيفة بالأماكن الأخرى.

تحتوي الأشكال الصيدلانية على مادة فعالة تؤثر مباشرةً في الجسم، إضافةً إلى مكونات غير فعالة أو جزيئات معززة لامتصاص الدواء واستقراره ومحسّنة للنكهة، وغيرها من الخاصيات الضرورية للسماح للدواء بأداء وظيفته.

مثلًا، يحتوي قرص الأسبرين الذي نتناوله على مكونات تمنعه من التكسر في أثناء قيامه بعمله وتساعده على التحطم في الجسم.

يدرس العالم الصيدلاني آلية توصيل الدواء؛ أي كيفية تطوير طرق وتصميم مكونات غير دوائية تساعد الدواء ليصل إلى وجهته الصحيحة.

لفهم عملية التفكير الكامنة وراء آلية تصميم الأدوية المختلفة بصورة أفضل؛ سنسلط الضوء على رحلة الدواء بدءًا من تناوله حتى وصوله إلى وجهته وإظهار تأثيره المرجو.

كيف يمتص الجسم الدواء؟

عندما تبتلع قرص دواء، فإنه يذوب في معدتك وأمعائك قبل أن تُمتص جزيئات الدواء إلى مجرى الدم. فور دخوله الدم، ينتشر في جميع أنحاء الجسم للوصول إلى الأعضاء والأنسجة المختلفة، إذ تؤثر جزيئات الدواء في الجسم نتيجةً لارتباطها بمستقبلات مختلفة في الخلايا تؤدي إلى استجابة محددة.

على الرغم من أن الأدوية مصممة لاستهداف مستقبلات معينة لإحداث التأثير المطلوب، فإنه من المستحيل منعها من الاستمرار في الدوران في مجرى الدم والارتباط بالمواقع غير المستهدفة، والتي قد تسبب آثارًا جانبية غير مرغوب فيها.

مع مرور الوقت، تتحلل جزيئات الدواء التي تدور في الدم وتخرج من الجسم لتستقر في البول. من الأمثلة التقليدية على ذلك، الرائحة القوية التي ينشرها البول بعد تناول الهليون بسبب سرعة إزالة الكلى لحمض الهليون.

أيضًا، تحتوي حبوب الفيتامينات المتعددة عادةً على الريبوفلافين أو فيتامين ب2 الذي يتسبب بتحول لون البول إلى الأصفر الفاتح عند التبول.

نظرًا إلى اختلاف مدى كفاءة جزيئات الدواء في عبور بطانة الأمعاء اعتمادًا على الخصائص الكيميائية للعقار، فإن بعض الأدوية التي نتناولها عبر الفم لا تُمتص مطلقًا ونتخلص منها عبر البراز.

إن السبب الكامن وراء تناول المريض الدواء عدة مرات في اليوم -مثل مرضى ارتفاع ضغط الدم أو الحساسية- هو تفاوت نسب امتصاص الدواء في الجسم؛ لذا يتناول المريض جرعات متكررة على مدار اليوم لتعويض الجزيئات التي يتخلص منها الجسم، والحفاظ على مستوى عالٍ من المادة الفعالة في الدم لتحقيق الهدف العلاجي المنشود.

إيصال الدواء إلى وجهته الصحيحة

إن الطريقة الأكثر فعالية لإدخال الدواء إلى الدم هي الحقن مباشرةً في الوريد مقارنةً مع الحبوب والأقراص، إذ نضمن بذلك انتشاره في جميع أنحاء الجسم وتجنب ضرر المعدة.

إن العديد من الأدوية التي تُعطى عبر الوريد هي أدوية بيولوجية أو عقاقير التقنية الحيوية، إذ تشمل مواد مشتقة من كائنات حية. تُعد أدوية السرطان المثال الأكثر شيوعًا، إذ تسمى الأجسام المضادة وحيدة النسيلة وهي بروتينات ترتبط بالخلايا السرطانية وتقتلها.

تُحقن هذه الأدوية مباشرةً في الوريد؛ لأن المعدة لا تستطيع التمييز بين هضم البروتين العلاجي وبين البروتين الموجود في شطيرة البرغر، أما في الحالات الأخرى، لا تُعطى الأدوية التي تحتاج إلى تركيز عالٍ لتكون فعالة مثل المضادات الحيوية للعدوى الشديدة إلا عبر التسريب الوريدي.

في حين أن زيادة تركيز الدواء قد يضمن ارتباط عدد كافٍ من الجزيئات بالمواقع الصحيحة ليكون لها تأثيرًا علاجيًا، إلا أنه يزيد أيضًا من خطر الآثار الجانبية وارتباطها بالمواقع غير المستهدفة.

تتمثل إحدى طرق الحصول على تركيز عالٍ من الدواء بالتأثير مباشرةً في المكان المطلوب، مثل دهن المرهم على الطفح الجلدي أو استخدام القطرات العينية لعلاج الحساسية، إذ تُرتشف بعض الجزيئات الدوائية إلى مجرى الدم، وتُمزج بدرجة كافية لتكون كمية الدواء الواصلة إلى المواقع غير المستهدفة قليلة جدًا ومن غير المحتمل أن تسبب آثارًا جانبية.

بصورةٍ مماثلة، يوصل جهاز الاستنشاق الدواء مباشرةً إلى الرئتين ويتجنب التأثير في باقي الجسم.

التزام المريض بالعلاج

إن أحد الجوانب الرئيسية في جميع التصميمات الدوائية هي جعل المريض يأخذ الدواء بالكمية والوقت المناسبين.

نظرًا إلى صعوبة تذكر تناول الدواء عدة مرات في اليوم بالنسبة إلى الكثيرين، يحاول الباحثون تصميم تركيبات دوائية تلزم المريض تناول الدواء مرة واحدة فقط في اليوم أو أقل.

تُعد الحبوب وأجهزة الاستنشاق وبخاخات الأنف ملائمة ومريحة للمريض أكثر من التسريب الوريدي الذي يتطلب منه الذهاب إلى عيادة الطبيب لحقن إبرة في ذراعه.

كلما كان إعطاء الدواء أقل إزعاجًا وتكلفةً للمريض، زادت احتمالية تناول أدويته عندما يحتاجها.

مع ذلك، يكون الحقن والتسريب الوريدي أحيانًا الطريقة الوحيدة الفعالة لإعطاء الدواء.

نهايةً، نستطيع القول أنه مع كل العلم الذي يدخل في فهم المرض جيدًا لتطوير دواء فعال، غالبًا ما يختلف الأمر تبعًا لكل مريض.

اقرأ أيضًا:

إليك مُدة بقاء الأدوية بالجسم وهي عكس ما تَعِد به معظم اختبارات الدواء

لماذا ينصح بتناول الدواء بعد الطعام؟

ترجمة: سارا رياض الخضر

تدقيق: عبد المنعم الحسين

مراجعة: لبنى حمزة

المصدر