خفّت حدة وباء كورونا كفاية لعودة الحياة إلى طبيعتها، لكن جميع الأدلة تشير إلى أن نسبة كبيرة من الأميركيين مستمرون في العمل عن بُعد معتمدين في ذلك على الاجتماعات الافتراضية للتواصل والتعاون.

توصّلت دراسة جديدة في مجلة نايتشر إلى أن الفرق التي تجتمع على أرض الواقع وتعمل وجهًا لوجه، تنتج أفكارًا إبداعية أكثر مقارنةً بالتي تجتمع عن بُعد.

في تجربة مخبرية، عملت نصف الفرق على أرض الواقع ونصفها عن بُعد، أنتج النصف الأول أفكارًا إبداعيًا أكثر بنسبة 15 – 20 % من نظيره الافتراضي.

في تجربة منفصلة، شارك فيها نحو 1500 مهندس في شركة متعددة الجنسيات، أنتجت الفرق التي عملت وجهًا لوجه على أرض الواقع أفكارًا أكثر عددًا وإبداعًا.

يقول الباحثون أن سبب إنتاج الاجتماعات الافتراضية عددًا أقل من الأفكار الجيدة، يعود لتركيز الأنظار على مجال الرؤية الضيق للشاشة في العمل الافتراضي، ما يضيق التفكير الإبداعي أيضًا.

يقول جوناثان ليفاف، أستاذ في التسويق في جامعة ستانفورد لإدارة الأعمال: «إذا كان مجالك البصري ضيقًا، فمن المحتمل أن يكون إدراكك ضيقًا أيضًا». ويضيف: «التركيز الضيق مشكلة تعيق توليد الأفكار الإبداعية».

في المقابل، يُحفّز فكر الأشخاص الذين يجتمعون على أرض الواقع نتيجةً لإمكانية تجول بصرهم في المساحة المتواجدين فيها، ما يزيد من احتمالية التجول الذهني المعرفي لديهم أيضًا، فيزيد الإبداع.

يقول ليفاف: «في التفاعل بالفيديو، يجب تثبيت النظر إلى الشاشة، فبخلاف ذلك ستوحي لشريكك أنك تنظر إلى شيء آخر ومشتت الذهن والانتباه».
لكن التشتت من غير قصد مفيد فيما يتعلق بإثارة شرار الأفكار الخلّاقة. يضيف ليفاف: «تأتي الأفكار الخلّاقة من تجميع مفاهيم عامة تبدو غير مترابطة».

يحذّر ليفاف، الذي درس كيفية تأثير الإشارات البيئية على خيارات الأشخاص، أن هذه النتائج لا تعني أن الاجتماعات الافتراضية عديمة الجدوى.

وجد البحث أيضًا أنه من ناحية اختيار الفكرة الأفضل، كان أداء الفرق التي تجتمع عن بُعد أفضل من الفرق التي تجتمع وجهًا لوجه.

يضيء ليفاف على العبرة الحقيقية من هذا، تكلفة وفوائد العمل عن بُعد أكثر تفاوتًا وتعقيدًا مما يدركه معظم الناس. يضيف: «إنه زمن العمل عن بُعد، اجتاح الوباء حياتنا دون إعطائنا الفرصة للتفكير في كيفية العمل عن بُعد بصورة صحيحة، نحن بحاجة لإدارة هذه التجربة بحذر في حال أردنا الحفاظ على هذا التغيير. سيخلق ذلك تحديًا إداريًا تجب مواجهته في السنوات القادمة».

بدأ ليفاف وميلاني بروكس من كلية كولومبيا لإدارة الأعمال دراستهما قبل تفشّي فيروس كورونا بفترة طويلة. استهلّا دراستهما بتجربة مخبرية تعاون فيها المشاركون، لتوليد استخدامات جديدة للكرة الطائرة وتغليف الفقاعات، مهمتان شائعتان في الأدبيات الأكاديمية لتحفيز الإبداع.

وُضع المشاركون في مكاتب تحوي مجموعة متنوعة من الأشياء، بدءًا من خزائن لحفظ المستندات والمجلدات وصولًا لأشياء غير عادية وملفتة للانتباه مثل صحن ليمون وكرة تستخدم لممارسة رياضة اليوجا وملصق لهيكل عظمي.

استخدم الباحثون الفيديو لتتبع حركات أعين المشاركين ولغتهم والأفكار التي توصلوا لها. أنتجت الفرق وجهًا لوجه ما بين 15 – 20 % أفكارًا إبداعية أكثر من الذين اجتمعوا عن بُعد. تذكر المشاركون في الفريق الأول عددًا أكبر من الأشياء الموجودة في محيطهم، إذ يرتبط الاسترجاع الذهني المتزايد بالإبداع.

أجرى الباحثون تجربة مماثلة في الحياة الواقعية، فوظفوا نحو 1490 مهندسًا في شركة متعددة الجنسيات منتشرة في 5 دول في أوروبا وآسيا. على عكس التجربة المخبرية، كان لدى المهندسين حوافز حقيقية لإنتاج أفكار جيدة قد تتطور إلى مشاريع جديدة.

مرةً أخرى، أنتجت الفرق التي تجتمع وجهًا لوجه نسبة أعلى من الأفكار الإبداعية بنحو 15%، وكانوا أكثر انفتاحًا لخلق أفكار خارج الصندوق ومختلفة عن بعضها، بدلًا من كونها مجرد أفكار ذات اختلافات طفيفة تدور حول نفس الموضوع.

يقول ليفاف: «يجب أن تسعى لإنتاج أفكار قابلة للهيكلة مثل شجرة بلوط مترامية الأطراف، وليس شجرة سرو طويلة وضيقة. يبدو هيكل الفكرة أشبه بشجرة سرو في الاجتماعات عبر الفيديو».

لاحظ ليفاف وبروكس أن الاجتماعات الافتراضية لا تعيق مدى توافق المشاركين، إذ وجدوا باستخدام التحليل الدلالي لكيفية تحدث المشاركين مع بعضهم، أن الفرق الافتراضية والشخصية أظهرت القدر ذاته من الثقة المتبادلة والترابط الاجتماعي.

نظرًا إلى أن العمل عن بعد ما يزال عنصرًا أساسيًا في حياة العديد من الأشخاص، يرى ليفاف أن الأمر يستحق استكشاف كيفية عمل الاجتماعات الافتراضية في سياقات أخرى، مثل مقابلات العمل والتعاون الاجتماعي الأكبر.

يختم ليفاف: «نحن لا نمتلك المعرفة الكافية لإصدار أحكام صارمة حول تفوّق العمل عن بُعد على العمل على أرض الواقع، إذ إن ما يظهره بحثنا هو خيط رفيع جدًا بينهما».

اقرأ أيضًا:

العمل من المنزل في زمن الكورونا يزيد التهديدات على الأمن الإلكتروني

ترجمة: سارا رياض الخضر

تدقيق: سماح عبد اللطيف

المصدر