تُعد الحصبة والسلّ من أكثر الأمراض المعدية انتشارًا، إضافةً إلى الإنفلونزا والآن كوفيد-19، لكن العديد من الأمراض قد تصيبنا إثر حادثة أو خلل جيني أو نمط الحياة المُتبع، فماذا عن مرض ألزهايمر؟ هل يمكنه الانتقال من فرد إلى آخر؟ مرض ألزهايمر هو حالة مرضية تؤدي إلى موت خلايا الدماغ، والأعراض المميزة له هي فقدان الذاكرة، وقد يؤدي إلى صعوبة في الكلام والحركة أيضًا، لسوء الحظ لا يوجد علاج له حاليًا إذ يعاني المرض 5.8 مليون أمريكي ممن تزيد أعمارهم على 65 عامًا.

يعتقد العلماء أن سبب المرض مزيج من العوامل البيئية والوراثية، لكن لا يوجد سبب محدد، ثمة اعتقاد أن مرض ألزهايمر مُعد، لكن لا يوجد ما يدعم هذا الادعاء.

من الأموات إلى الأحياء

يعاني المصابون بهذا المرض تراكمات من بروتينات بيتا أميلويد وبروتينات تاو في أدمغتهم، ومن غير المعروف هل هذه البروتينات هي سبب المرض أم أنها من أعراضه؟ وهل هي قابلة للانتقال أم لا؟

قد تنتقل بروتينات الدماغ لكن ليس بالطريقة المعتادة. بين عامي 1958 و1985 اكتُشف علاج لنقص هرمون النمو لدى الأطفال بإعطائهم هرمون نمو من أشخاص متوفين. بمرور الوقت ظهر أن الكثير من الأشخاص الذين تلقوا الدواء قد أصيبوا بمرض كروتزفيلد جاكوب، وهي حالة نادرة تسبب تلف أنسجة الدماغ، ويُعتقد أن سبب هذا المرض هو تراكم نوع من بروتينات الدماغ تُسمى البريونات. يبدو أن تلك العلاجات كانت ملوثة بالبريونات ومن ثم نقلتها إلى المرضى.

لكن ماذا عن ألزهايمر؟

في دراسة عام 2018 حلّل الباحثون أدمغة ثمانية أشخاص توفوا بعد تلقيهم علاج هرمون النمو بسبب مرض كروتزفيلد جاكوب، عثر الفريق على بروتينات بيتا أميلويد وبروتينات تاو -بروتينات مرتبطة بألزهايمر- في أدمغة الأشخاص الثمانية، ومن المرجح أنها انتقلت من الجثث. إضافةً إلى ذلك، لم يُعثر على البروتينات في المرضى الآخرين الذين تلقوا العلاج بطرق أخرى.

يبدو أن ثمة أدلة على أن البروتينات المرتبطة بألزهايمر مُعدية. لكن علينا أن نتذكر أن هؤلاء المرضى قد تلقوا علاجًا مستخرجًا من أشخاص متوفين، وإن أمكن انتقال بروتينات بهذه الطريقة فهي لن تنتقل بالسعال أو اللمس مثل الأمراض المعدية المعتادة.

يقول سيث لاف أستاذ علم الأمراض العصبية في جامعة بريستول: «ربما يتطلب الانتقال الاتصال المباشر بين دماغين أو وجود مسببات المرض في مجرى الدم، لا يوجد دليل على أن المرض ينتقل بالطريقة المعتادة من شخص إلى آخر في غياب الحقن أو زرع أنسجة الدماغ، أيضًا فإن تكتلات البروتينات المسببة لمرض ألزهايمر ليست مقاومة للتحلل بدرجة المقاومة عند البروتينات الموجودة في حالة مرض كروتزفيلد جاكوب».

هل تمكن الإصابة بألزهايمر بسبب عدوى من شخص آخر - مرض ألزهايمر - يعتقد العلماء أن سبب المرض مزيج من العوامل البيئية والوراثية

أيضًا فمثلما أن البروتينات قد لا تكون هي سبب ألزهايمر، فربما ليست البريونات هي سبب مرض كروتزفيلد جاكوب.

يقول فرانك باستيان أستاذ جراحة الأعصاب في جامعة لويزيانا: «الاعتقاد بأن سبب مرض ألزهايمر هو البروتينات المعدية ليس مؤكدًا علميًا، إذ يُشتبه في أنواع من البكتيريا أيضًا»، مشيرًا إلى أن سبب مرض كروتزفيلد جاكوب هو بكتيريا سبيروبلازم.

هل للبكتيريا دور؟

من المدهش أن بعض الدراسات وجدت صلة بين أمراض اللثة ومرض ألزهايمر. هذا لا يعني أن عدوى اللثة تسبب ألزهايمر، لكنها قد تكون عاملًا مساهمًا في بعض الحالات. وجدت دراسة أن بكتيريا البورفيرينية اللثوية -المسبب الرئيسي لعدوى اللثة- موجودة في أدمغة الأشخاص المتوفين الذين عانوا مرض ألزهايمر، وعُثر على الحمض النووي للبكتيريا في السائل الشوكي، وعلى الإنزيمات السامة التي تفرزها البكتيريا في أدمغتهم، ولاحظوا أيضًا تسرب بروتينات تاو ويوبكتين إلى الأدمغة، إذ إن كليهما مرتبط بمرض ألزهايمر. أما في الفئران فقد تبين أن عدوى البكتيريا تنتشر في أدمغتهم ما يؤدي إلى ظهور بعض علامات ألزهايمر.

رغم الحاجة إلى إجراء المزيد من البحوث لفهم هذا الرابط أكثر، ففي حال ثبت أن أمراض اللثة تمثل عاملًا مؤثرًا في تطور مرض ألزهايمر، فهل يعني هذا أنها معدية؟ لا تنتقل أمراض اللثة من شخص إلى آخر عادةً، لكن قد يحدث ذلك أحيانًا بواسطة التقبيل.

مع ذلك لا داعي للذعر حول احتمال إصابتك بمرض ألزهايمر من شريك حياتك، على الأقل حتى الآن.

يقول ديفيد رينولدز: «نعلم أن الأمراض الشبيهة بألزهايمر معقدة ولها أسباب مختلفة، لكن تشير أدلة وراثية قوية إلى عوامل أخرى أساسية لتطور المرض غير العدوى البكتيرية، لذا يجب علينا أخذها بالحسبان في سياق البحث الحالي».

البروتينات اللزجة والأدوات الجراحية

اقتُرح سابقًا أن بروتينات أميلويد قد تنتقل إلى الأدمغة في أثناء الجراحة، وجدت دراسة أُجريت عام 2018 أن عددًا من الأشخاص الذين أصيبوا بمرض اعتلال الأوعية الدموية الدماغي قد خضعوا جميعًا لجراحة دماغ في سن مبكرة. وهو مرض ينتج عن تراكم بروتين الأميلويد في الأوردة الدماغية ما يؤدي إلى تسرب الدم منها أو حتى انفجارها، ويظهر المرض عادةً في سن الشيخوخة، لكن هؤلاء المرضى أصيبوا به في سن أصغر- نحو 30- ولم يكن لديهم أي عوامل أخرى تساعد على تطور المرض، لذا يعتقد الباحثون أن البروتين انتقل إليهم خلال العملية الجراحية من طريق الأدوات المستخدمة سابقًا على مرضى ألزهايمر.

مع ذلك لم يُصب أي منهم بمرض ألزهايمر بل أصيبوا باعتلال الأوعية الدموية الدماغي فقط. تشير أبحاث سابقة إلى أن هذه البروتينات مقاومة لأساليب التعقيم المعروفة كالغليان والتعرض لفورمالدهايد، لذا يظن باستيان أن تطوير تلك الأساليب أو استخدام الأدوات مرة واحدة سيكون فكرة جيدة.

هل قد ينتشر ألزهايمر من طريق الدم؟

وجدت دراسة عام 2017 أنه عند تشارك الفئران لنفس إمدادات الدم قد تنتقل مسببات مرض ألزهايمر من الفأر المصاب إلى الفأر السليم بواسطة الدم، ما يؤدي إلى تلف أنسجة الدماغ. لا تصاب الفئران بمرض ألزهايمر طبيعيًا، لذا عدّل العلماء الفئران وراثيًا لتمتلك جينًا يُنتج النسخة البشرية من بروتين بيتا أميلويد.

وجد الفريق أنه عندما اشترك فأران -أحدهما مصاب بألزهايمر والآخر سليم- في الدم، طورت الفئران السليمة تكتلات في أدمغتها، ما سبب تغيرات كبيرة في الذاكرة والتعلم.

النتائج مثيرة للاهتمام بالتأكيد، وتتضمن الدراسة حرفيًا خياطة الفئران معًا حتى تتشارك في إمدادات الدم. لذلك، ما لم تكن تخطط لخياطة نفسك بشخص مصاب بمرض ألزهايمر، لا داعي للقلق. يقول رينولدز: «إذا ثبت أن لهذه النتائج علاقة بالبشر فيجب تطوير العلاجات التي تستهدف الأميلويد في الجسم والدماغ أيضًا».

إذن ماذا نستنتج؟

في حين تشير أدلة إلى أن البروتينات والبكتيريا قد تُشارك في تطور مرض ألزهايمر، لا تكفي المعلومات المتوفرة لدينا لتأكيد أن المرض معد، وإن وُجدت حالات انتقل بها بالاتصال المباشر بين الأدمغة، فإنه بالتأكيد لا ينتشر بالطرق التي تنتقل بها الأمراض المُعدية عادةً، كالعطس أو ملامسة الشخص المصاب أو الجنس، إلخ.

يقول جويل واتس: «أعتقد أنه من غير المرجح أن ينتقل ألزهايمر من شخص إلى آخر في ظل الظروف الطبيعية. تُظهر التجارب على الفئران المعدلة وراثيًا وتحليل الأفراد الذين تلقوا حقن هرمون النمو المحضرة من الجثث بوضوح أن أمراض الأميلويد بيتا تنتقل في ظل ظروف خاصة. ولا يوجد دليل على أن جميع الأعراض والسمات السريرية التي تحدد مرض ألزهايمر تنتقل بين الأفراد نتيجة العدوى».

يضيف بروفيسور لاف: «أعتقد أنه توجد أدلة كافية على أن البروتينات المرتبطة بألزهايمر لا تنتقل إلا بطرق محدودة كالعمليات الجراحية».

لذا ما لم تكن تخطط لخياطة نفسك مع شخص مصاب بمرض الزهايمر أو حقن البروتينات مباشرة في دماغك، فلن تصاب بمرض الزهايمر في أي وقت قريب.

في الوقت الراهن، يبدو أن المرض ناتج عن مزيج من العوامل البيئية والوراثية، نأمل أن تخبرنا الأبحاث المستقبلية عن سبب محدد للمرض، وهل من المحتمل أن ينتقل أم لا؟ وإذا كانت الإجابة بنعم، فكيف؟

اقرأ أيضًا:

دراسة تؤكد العلاقة بين انقطاع التنفس في أثناء النوم وداء ألزهايمر

اختبار دموي يكشف عن ألزهايمر قبل سنوات من ظهور أعراضه

ترجمة: محمد طوسون

تدقيق: نغم رابي

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر