تغير المناخ الذي يتعرض له كوكب الأرض يجعل الحياة أكثر صعوبة، وتساعد الطاقة البديلة (طاقة الرياح وطاقة الشمس) على التقليل من الانبعاثات الحرارية المسببة للاحتباس الحراري، ولكن مع مرور الوقت، يزداد الاهتمام بالطاقة النووية؛ لأنها ستشكل جزءًا من الحل المحتمل لتغيير المناخ للأفضل. يعتقد بعض العلماء أن عنصرالثوريوم هو الحل.

من أهم مساوئ مصادر الطاقة الكهربائية هو إصدارها للغازات التي تفسد مناخ الأرض. وفي الحقيقة، مصادر الطاقة النووية لا تُصدر مثل هذه الغازات في أثناء إنتاجها للطاقة، ولكن لها مخاطر أُخرى تهدد الحياة.

وتشكل عملية التخلص من مخلفات المواد المشعة الناتجة عن مصانع الطاقة النووية مشكلةً كبيرة. وحتى الآن، التخلص من تلك المنتجات الثانوية بطريقة آمنة غير ممكن، إضافةً إلى الكارثة البيئية المحتمل حدوثها في حال انفجار المفاعل كما حدث في كارثة تشيرنوبل في أوكرانيا عام 1986، فضلًا إلى العديد من المخاوف الأُخرى، ولكن الأضرار التي تسببها مصادر الطاقة الحالية تدفعنا إلى السعي بشدة للعثور على حل آمن للتعامل مع المفاعلات النووية.

تعمل المفاعلات النووية بالانشطار النووي، وهو سلسلة من التفاعلات النووية التي تنقسم فيها الذرات وتنتج الطاقة عند انقسامها، وتسبب انفجارًا هائلًا في حال كان التفاعل يحدث في قنبلة وليس في مفاعل.

يقول البروفيسور ستيفن كران -بروفيسور الهندسة المدنية والبيئية في جامعة فاندربيلت: «يوجد نحو 450 مفاعل نووي فعال حول العالم وجميعها تحتاج إلى الوقود». وأشار في بريد أرسله إلى أن معظم هذه المفاعلات تستخدم اليورانيوم-235 وقودًا لها، والدول التي تعيد تدوير الوقود جزئيًا هي فرنسا وروسيا وبعض الدول الأُخرى، وتقوم تلك الدول بمزج البلاتينيوم-239 المعاد تدويره؛ لتشكل ما يسمى وقود الأكسيد المختلط.

البلوتينيوم منتج ثانوي للوقود المستخدم في المفاعلات النووية، وقد يشكل أساس الوقود النووي المعاد تدويره الناتج عن المفاعلات النووية الموجودة حاليًا. وهذا حدث حقًا في فرنسا والعديد من الدول الأُخرى. ولكن تعد هذه الطريقة سامة للغاية، وتعتبر هذه المادة الأكثر استخدامًا في صناعة الأسلحة النووية، ولهذا السبب يحاول العلماء جاهدين العثور على خيارات أُخرى.

ما الثوريوم؟

يعتقد بعض العلماء أن الثوريوم هو الحل، فهو عنصر قليل الإشعاع متوفر نسبيًا بقدر توفر الرصاص ومنتشر أكثر من اليورانيوم. يتوافر بكثرة في الهند، وتركيا، والبرازيل، والولايات المتحدة، ومصر.

تجدر الإشارة إلى أن الثوريوم ليس وقودًا للمفاعلات كما هو اليورانيوم، والفرق بينهما هو أن اليورانيوم عنصر انشطاري ينتج سلسلة من التفاعلات المستمرة عند جمع كمية كافية منه في وقت واحد ومكان واحد، أما الثوريوم فهو عنصر غير انشطاري، وأسماه العلماء العنصر الخصب. وهذا يعني أنه في حال صدم الثوريوم بالنيوترونات عند التشغيل السريع للثوريوم في مفاعل يُستخدم فيه اليورانيوم كوقود أساسي، يتحول الثوريوم إلى اليورانيوم-233 النظير الانشطاري والملائم لإنتاج الطاقة.

إيجابيات الثوريوم وسلبياته:

استُخدم الثوريوم سابقًا في بعض أولى التجارب الفيزيائية النووية، فقد عمل كل من ماري كوري وإرنست رذرفورد في تلك التجارب.

وقد ارتبط كل من اليورانيوم والبلوتونيوم مع العمليات النووية بشدة خلال الحرب العالمية الثانية؛ لأنهما يشكلان الطريقة الأمثل لصناعة قنبلة.

ومن جهة توليد الطاقة، لدى الثوريوم فوائد حقيقية، منها أن اليورانيوم-233 المتشكل من الثوريوم يعد وقودًا أكثر فعالية من اليورانيوم-235 أو البلوتونيوم. ويقل احتمال انصهار مفاعلاته نظرًا إلى قدرته على العمل في درجات حرارة مرتفعة. وتعد كمية البلوتونيوم الناتجة في أثناء عمل المفاعل أقل.

يناقش العلماء حول إمكان التخلص من أطنان خطيرة من مخزون البلوتونيوم التي بدأت تتراكم منذ خمسينيات القرن الماضي بتدميرها في مفاعلات الثوريوم. ويعتقد بعض العلماء أن عددًا كبيرًا من المفاعلات التي تعمل بالثوريوم واليورانيوم-233 سوف تنتشر بشدة، والأمر الذي يساعد على ذلك حقيقة أن فصل اليورانيوم-233 عن المخلفات النووية لتلك المفاعلات لصناعة القنابل منه يتطلب تكنولوجيا معقدة .

توجد العديد من سلبيات الثوريوم واليورانيوم-233، ومنها أنها عناصر مشعة جدًا في المعالجة الكيميائية، ولهذا السبب، فمن الصعب التعامل معها، وتصنيع قضبان وقود اليورانيوم-233 صعب جدًا. بالإضافة إلى ذلك، لوحظ سابقًا أن الثوريوم لا يعد وقودًا بحد ذاته.

يقول كران: «في حال أردنا تزويد كوكبنا بالطاقة باستخدام دورة وقود تتضمن الثوريوم واليورانيوم-233، فسيتطلب ذلك إنتاج قدر كاف من اليورانيوم-233 في مفاعلات أُخرى من نوع آخر؛ لتزويد مفاعلات اليورانيوم-233 الأولية بالوقود».

وأضاف: «إذا استطعنا تحقيق ذلك، فإن طرق معالجة الثوريوم-232 واليورانيوم-233 الكيميائية وتصنيع وقود منهما هي طرق ثابتة نوعًا ما، ولكن ذلك يتطلب إنشاء العديد من المرفقات؛ لنجاح العملية».

استخدام الثوريوم لتوليد الطاقة:

توجد طرق عديدة لاستخدام الثوريوم في توليد الطاقة. وإحدى الطرق المستثمرة حاليًا تعتمد على استخدام كل من الثوريوم واليورانيوم-232 الصلب في المفاعلات التقليدية المبردة بالماء تمامًا كما في مفاعلات الطاقة الحديثة التي تعتمد على اليورانيوم.

في الحقيقة، يوجد 20 مفاعلًا حول العالم تعمل جميعها باستخدام وقود مصنوع من الثوريوم واليورانيوم-233. والمفاعل الآخر الذي يعده العلماء وكل من يدعم استخدام المفاعلات في توليد الطاقة مثيرًا للاهتمام هو مفاعل الملح المذاب.

يعتمد هذا المفاعل على استخدام الوقود المذاب في الملح السائل الذي يعمل مبردًا للمفاعل؛ لأن درجة غليان الملح مرتفعة. ولذلك، تعد هذه الطريقة فعالة للغاية في حالة توليد الكهرباء وفي الحالات التي يحدث فيها ارتفاع كبير في درجات الحرارة، وسوف تساعد هذه الطريقة في تجنب الحوادث الهائلة للمفاعلات مثل تلك التي حدثت في فوكوشيما. حسنًا، تبدو مثل هذه المفاعلات نوعًا من الخيال العلمي، ولكن هناك مفاعل مشابه شُغل حقًا في الولايات المتحدة في الستينيات. ويُبنى مفاعل حاليًا في صحراء جوبي في الصين.

لذلك، أصبح الموضوع مشوقًا أكثر.

إن مكتشف عنصر الثوريوم هو جونز جاكوب برزيليوس عام 1828 وأطلق عليه اسم ثور نسبة إلى إله الرعد الاسكندنافي.

اقرأ أيضًا:

كيفية تخصيب اليورانيوم

اكتشف الفيزيائيون خصائص مدهشة لمركبات اليورانيوم

ترجمة: رهف ابراهيم

تدقيق: هادية أحمد زكي

المصدر