التوتر و القلق ليسا مضرين دائمًا – وفقًا للعرض التقديمي الذي قُدّم في المؤتمر السنوي للجمعية النفسية الأمريكية، فإن معظم الناس عمومًا يفكرون في التوتر والقلق باعتبارها مفاهيم سلبية. فيمكن أن يصل كل من التوتر والقلق إلى مراحل غير صحية، إذ يعرف علماء النفس منذ فترة طويلة أن كليهما أمر لا مفر منه – وأنها في كثير من الأحيان تلعب دورًا مفيدًا وليس ضارًا – في حياتنا اليومية.

تقول ليزا دامور Lisa Damour، وهي طبيبة نفسية حاصلة على شهادة الدكتوراه والتي قدمت الاجتماع: «يشعر الكثير من الأمريكيين الآن بالتوتر والقلق من كونهم قلقين! لسوء الحظ، بحلول الوقت الذي يطلب فيه شخص ما استشارة الطبيب للحصول على المساعدة، يكون التوتر والقلق قد وصل بالفعل إلى مستويات كبيرة وغير صحية».
تكتب دامور أيضًا في زاوية لصحيفة نيويورك تايمز وهي مؤلفة كتاب «تحت الضغط: مواجهة وباء الإجهاد والقلق لدى الفتيات».

وفقًا لما ذكرته دامور، فعادةً ما يحدث الإجهاد عندما يعمل الناس لمراحل تفوق قدراتهم، أي عندما يدفعون أنفسهم أو تجبرهم الظروف للعمل أكثر من قدرتهم المعتادة. من المهم أيضًا أن نفهم أن التوتر قد ينجم عن أحداث سيئة وجيدة، فعلى سبيل المثال: إطلاق النار أمر يثير التوتر، كما هو الحال عند إحضار طفل حديث الولادة إلى المنزل للمرة الأولى.

تضيف دامور: «من المهم أن يشارك علماء النفس هذه الحقيقة عن الإجهاد مع عامة الناس: هذا التوتر والإجهاد موجود في الحياة اليومية، وأن العمل فوق قدراتنا غالبًا ما يزيد من هذا الإجهاد، كما أن الإجهاد والشدة المعتدلة يمكن أن يكون لهما وظيفة مفيدة، إذ يمكن أن تؤدي لزيادة مرونتنا ​​عند مواجهة صعوبات جديدة».

كيف يؤثر التوتر والقلق على حياتنا؟

كيف يؤثر التوتر والقلق على حياتنا؟

وفقًا لدامور، فإن القلق أيضًا يسيء للأمور.

تقول دامور: «كما يعلم جميع علماء النفس، فإن القلق عبارة عن نظام إنذار داخلي يُرجح أنه نشأ عن طريق التطور؛ إذ أنه ينبهنا إلى وجود تهديدات خارجية -مثل سائق ينحرف في الطريق- وتهديدات داخلية كما هو الحال عندما نماطل في إجراء مهمة ما، ثم يأتي الوقت للبدء في هذا العمل».

إن إظهار القلق باعتباره شيئًا مفيدًا ووقائيًا في بعض الأحيان يتيح للناس الاستفادة منه. على سبيل المثال، قالت دامور إنها كثيرًا ما تطلب من المراهقين خلال عملها إيلاء الاهتمام إذا ما بدؤوا يشعرون بالقلق خلال حفلة ما لأن أعصابهم تنبههم إلى مشكلة ما.

ثم تضيف: «وبالمثل، إذا أخبرتني إحدى الطالبات بقلقها بشأن اختبار قادم لم تدرسه بعد، فسأسارع لطمأنتها بأن تفاعلها مع هذا الحدث صحيح، وأنها ستشعر بالتحسن وسيخف هذا القلق حالما تفتح الكتب».

قالت دامور إن هذا لا يعني أن التوتر والقلق لا يمكن أن يكونا مضرين، ويمكن أن يصبح الإجهاد ضارًا إذا كان مزمنًا (لا يسمح بأي إمكانية للشفاء) أو إذا كان ناتجًا عن رض نفسي كارثي.

ثم تكمل: «بعبارة أخرى، يسبب الإجهاد ضررًا عندما يتجاوز أي مستوى يمكن للشخص أن يمتصه أو يستخدمه بشكل معقول لبناء القوة النفسية»، «أيضًا، يصبح القلق ضارًا عندما لا يكون له أي إنذار، ففي بعض الأحيان يشعر الناس بالقلق بشكل روتيني دون وجود سبب على الإطلاق، وفي أوقات أخرى يكون الإنذار غير متناسب تمامًا مع التهديد، كإصابة طالب بنوبة هلع بسبب مذاكرة بسيطة».

يمكن أن يسبب الإجهاد والقلق غير المعالجَين حزنًا مستمرًا، كما يمكن أن يسهما أيضًا في إحداث مجموعة من الأعراض النفسية والطبية الإضافية، مثل الاكتئاب أو زيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، وفقًا لما ذكرته دامور.

تقول دامور «يجب على أي شخص يشعر بالإرهاق من الإجهاد، اتخاذ تدابير للتقليل من إجهاده و/أو طلب المساعدة من أحد المتخصصين المدربين لتعلم استراتيجيات ووسائل لمعالجة الإجهاد إن أمكن. من أجل تدبير القلق، يجد بعض الناس الراحة من خلال دفاتر تساعدهم على تقييم وتحدي أفكارهم غير المنطقية، إذا لم يكن هذا النهج ناجحًا أو مفضلاً يجب استشارة مختص مدرب». «في السنوات الأخيرة، برزت أساليب استخدام الوسائل العقلية أيضًا باعتبارها منهجًا فعالًا لمعالجة كل من التوتر والقلق».

كما حثت دامور علماء النفس على القيام بدور نشط في محاربة ما أسمته “صناعة السعادة”، أو الشركات التي تروج لفكرة أن الناس يجب أن يشعروا بالراحة والاسترخاء معظم الوقت.

ثم تختم دامور: «يجيد علماء النفس اتباع مقاربة أكثر دراسة في التفكير في حياة الإنسان. نريد دعم الرفاهية، لكن لا نريد الترويج للسعادة طوال الوقت تقريبًا. هذه فكرة خطيرة لأنها غير ضرورية ولا يمكن تحقيقها»، «إذا كنت تشعر بأنك يجب أن تكون سعيدًا دائمًا، فقد تصبح حياتك اليومية بائسة في النهاية».

اقرأ أيضًا: كيف نوقف نوبة القلق؟

اقرأ أيضًا: ما علاقة القلق الاجتماعي بالاكتئاب ؟

المصدر

ترجمة بشر معلولي – تدقيق علي قاسم – مراجعة جعفر الجزيري