تلسكوب جيمس ويب يرصد «بومة كونية».. ما هي؟ وكيف تشكلت؟
على بعد مليارات السنين الضوئية، تُمثل البومة الكونية (Cosmic Owl) زوجًا من المجرات الحلقية المتصادمة رصده تلسكوب جيمس ويب الفضائي. وتُعد أيضًا مختبرًا طبيعيًا استثنائيًا لدراسة كيفية تطور المجرات.
هذه البومة الكونية أحدث اكتشاف غريب لتلسكوب جيمس ويب الفضائي.
دراسة جديدة، استخدمت بيانات من تلسكوب جيمس ويب، ساعدت العلماء على رصد جسم يشبه البومة يحدق بنا من بُعد مليارات السنين الضوئية. تُعد هذه البنية، التي تشكلت جراء تصادم شديد الندرة بين مجرتين حلقتين نادرتين، مختبرًا طبيعيًا يمكن الباحثين فيه دراسة العديد من العمليات المصاحبة لتطور المجرات.
تتخذ المجرات أشكالًا عدة، بدءًا من الحلزونية الدوارة مثل مجرتنا درب التبانة، وصولًا إلى مجرة M82 التي تشبه السيجار. من الأنواع الأغرب قليلًا المجرات الحلقية، مثل مجرة هوغ. تتشكل هذه المجرات عندما تعبر مجرة صغيرة مباشرةً عبر رفيقتها الأكبر حجمًا، قاذفةً النجوم والغاز بفعل الموجات الصدمية لتكوّن حلقة حول نواة مركزية.
إن المجرات الحلقية نادرة جدًا، إذ تُشكل 0.01% فقط من جميع المجرات المكتشفة حتى الآن. لكن الأندر من ذلك هو رصد زوج من المجرات الحلقية وهما يتصادمان، وهذا بالضبط حال البومة الكونية، كما تصفها الورقة البحثية.
مع أن الورقة البحثية لم تخضع بعد لمراجعة الأقران، أكّد فريق آخر وجود هذا الجرم بالفعل، إذ رُصد التصادم نفسه رصدًا مستقلًا، وأطلق عليه اسم مجرة اللانهاية.
قال مينغيو لي، المؤلف الأول للدراسة الجديدة، إنه والمؤلفين المشاركين اكتشفوا هذا المشهد الفلكي بمحض الصدفة.
أوضح لي: «كنا نحلل جميع المصادر الراديوية باستخدام بيانات تلسكوب جيمس ويب المتاحة للعموم في منطقة حظيت بدراسة مستفيضة تُسمى حقل كوزموس، وهي أكبر فسيفساء للسماء، إذ تبلغ مساحتها درجتين مربعتين».
أضاف لي أن زوج المجرات المتصادمة برز على الفور بفضل ما يتمتع به تلسكوب جيمس ويب من قدرات تصويرية عالية الدقة.
كشفت هذه اللقطات أن المجرتين متشابهتان إلى حد بعيد، فإلى جانب كونهما حلقتين، فهما صغيرتان نسبيًا. ويبلغ قطر كل منهما نحو 26,000 سنة ضوئية، ما يعادل ربع قطر درب التبانة تقريبًا. تُشكل نواة كل مجرة عينًا من عيني البومة، وهي نواة تكتظ بالنجوم القديمة حول ثقب أسود فائق الكتلة. وتُظهر بيانات تلسكوب جيمس ويب الدقيقة أن الثقبين الأسودين، اللذين تزيد كتلة كل منهما على 10 ملايين ضعف كتلة الشمس، يلتهمان المادة المحيطة بهما بشراهة، ما يجعل نواتي المجرتين نشطتين.
في المقابل، تُظهر صور تلسكوب جيمس ويب أن المنقار -جبهة التصادم بين المجرتين- هو منطقة ذات نشاط فائق الشدة، على حد قول لي. استنادًا إلى بيانات مصفوفة أتاكاما (ALMA) في تشيلي، وجد الباحثون أن المنقار يحتوي على تكتل هائل من الغاز الجزيئي. وصفه لي بأنه الوقود الخام لتكون النجوم، الذي يُضغط بفعل الموجة الصدمية الناتجة من تصادم المجرتين. حددت بيانات المصفوفة الانزياح نحو الأحمر للبومة عند 1.14، على بُعد 11 مليار سنة ضوئية تقريبًا.
تشير أرصاد الترددات الراديوية من مصفوفة المراصد الكبيرة جدًا الواقعة في نيو مكسيكو إلى أن نفاثًا من الجسيمات المشحونة ينبثق من الثقب الأسود لإحدى المجرتين، يصطدم بسحابة الغاز الجزيئي ويزيد من ضغطها. وفقًا للي، فإن الموجة الصدمية والنفاث الراديوي أطلقا معًا موجة هائلة من تكون النجوم، ما حوَّل المنقار إلى حاضنة نجمية.
تُظهر عمليات محاكاة تصادمات المجرات أنها تستمر بضع مئات الملايين من السنين. في هذه الحالة، يقدّر الباحثون أن التصادم وقع قبل 38 مليون سنة، ما يعني أن وجه البومة سيبقى مرئيًا على الأرجح فترةً طويلة.
«البومة ليست مجرد مشهد لافت للنظر، بل أيضًا مختبر طبيعي استثنائي إذ تتيح للباحثين رؤية عدة عمليات حاسمة في تطور المجرات تحدث في آن واحد ضمن نظام واحد».
قدمت البومة بالفعل رؤى قيمة حول كيفية تكون المجرات ونموها. قال لي إن موجات تكون النجوم التي يطلقها تصادم المجرات والنفاثات الراديوية في منطقة المنقار قد تكون آلية حاسمة، وربما لم تحظَ بالتقدير الكافي سابقًا، لتحويل الغاز إلى نجوم على نحو سريع وفعال. وأضاف أن هذا قد يساعد الباحثين على فهم كيفية بناء المجرات لكتلتها النجمية بهذه السرعة في بداية الكون المبكر.
يخطط الباحثون لمواصلة دراسة البومة لفهم العمليات الفيزيائية التي أدت إلى تكوينها. ستساعد عمليات محاكاة غاز المجرتين الباحثين على فهم الظروف الدقيقة -مثل زاوية التصادم والبنية الأصلية للمجرتين- التي قد تؤدي إلى تكوين مثل هذه البنية النادرة والمتناظرة من الحلقات المزدوجة.
تنضم البومة إلى عدة ظواهر فلكية غريبة الشكل رصدها تلسكوب جيمس ويب سابقًا. ومن بينها بنية على شكل علامة استفهام تتكون من مجرات، وخصلة من الغاز منبثقة من نجم وليد تشبه ذيل قطة.
المصادر:
الكاتب
غالية طيب صالح

ترجمة
غالية طيب صالح
