يتكاثر طفيلي التوكسوبلازما داخل القطط وينتقل غالبًا إلى البشر بتناول اللحوم النيئة أو غير المطهية جيدًا. وبحسب دراسة قد يزيد هذا الطفيلي خطر الإصابة بسرطان الدماغ، وهذا سبب إضافي لطهي اللحوم جيدًا وتوخي الحذر عند التعامل مع فضلات القطط.
يشير وجود أجسام مضادة لطفيلي التوكسوبلازما في دم الأشخاص إلى تعرضهم السابق له حتى منذ سنوات، وقد وجد الباحثون صلة بين هذا وتطور الأورام الدبقية، وهي أكثر أنواع سرطانات الدماغ شيوعًا.
نُشرت النتائج في بداية يناير 2021 في مجلة (International Journal of Cancer)، وشاركت آنا كوغهيل بوصفها متخصصة الأوبئة السرطانية في مركز موفيت للسرطان في تامبا، فلوريدا، وقالت:
«تشير النتائج إلى أن الأفراد الذين تعرضوا لطفيلي التوكسوبلازما بمستويات أعلى يكونون لاحقًا أكثر عرضة لتطور الأورام الدبقية».
لكنها حذّرت من أن هذه النتائج تحتاج إلى تأكيد ضمن مجموعات أكبر وأكثر تنوعًا، وأن خطر الإصابة الإجمالي بهذا النوع من السرطان ما يزال منخفضًا.
إضافةً إلى ذلك، لا يمكن للدراسة الحالية إثبات علاقة سببية. وهذا ما وضحه عالم الأوبئة في جمعية السرطان الأمريكية في أتلانتا بوصفه باحثًا مشاركًا في الدراسة، إذ قال:
«هذا لا يعني أن المقوسة الغوندية تسبب الورم الدبقي بالتأكيد في جميع الحالات … بعض الأشخاص المصابين بالورم الدبقي لا توجد لديهم أجسام مضادة لطفيلي T. gondii، والعكس صحيح».
طفيلي الدماغ
يصيب طفيلي التوكسوبلازما معظم الحيوانات ذات الدم الحار ومن ضمنها الإنسان، لكنه لا يُجري التكاثر الجنسي إلا داخل القطط، ما يعني أنه يحتاج إلى إصابتها ليكمل دورة حياته.
ومن المعروف أن الطفيلي يغيّر سلوك القوارض المصابة، ويجعلها أقل حذرًا من القطط، ما يسهل انتقاله إلى القطط وإكمال دورة حياته. وقد ارتبط الطفيلي بسلوكيات مغامِرة لدى البشر أيضًا.
ومع إن العدوى قد تنتقل من براز القطط المصابة (خاصةً عند تنظيف صندوق الفضلات) فإن الطريق الأكثر شيوعًا للعدوى هو تناول اللحوم النيئة أو غير المطهية جيدًا من حيوانات مصابة.
تسمى الإصابة بالطفيلي بداء التوكسوبلازما (Toxoplasmosis) وهي شائعة جدًا، وتُقدّر بنحو ملياري إصابة حول العالم، منها حوالي 40 مليون إصابة في الولايات المتحدة وحدها، بحسب تقرير سابق لموقع Live Science.
غالبية المصابين لا تظهر لديهم أعراض، لأن أجهزتهم المناعية تُبقي الطفيلي تحت السيطرة. لكن في حالات نادرة، قد تظهر أعراض خطيرة مثل فقدان البصر، وفقًا لمراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها (CDC).
الورم الدبقي وارتباط محتمل
يُعد الورم الدبقي (Glioma) نوعًا من السرطان المميت، ويُعد الورم الأرومي الدبقي (Glioblastoma) أكثر أنواعه فتكًا. ومقارنةً بعموم السكان غير المصابين بالسرطان، يبلغ معدل البقاء على قيد الحياة لمدة خمس سنوات للورم الأرومي الدبقي 6% فقط لدى الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 55 عامًا فأكثر، وذلك وفقًا لجمعية السرطان الأمريكية.
تشمل عوامل الخطر المعروفة للورم الدبقي: الذكورة، والانتماء العرقي الأبيض غير اللاتيني، والتقدم في العمر، والطول.
وللتحقق من تأثير التعرض لطفيلي المقوسة الغوندية لإيعلى خطر الإصابة بالورم الدبقي، بحث الباحثون عن الأجسام المضادة للطفيلي في عينات دم لأشخاص مصابين بالورم الدبقي (جُمعت قبل سنوات من تشخيصهم) وكذلك من مجموعة ضابطة خالية من السرطان.
استخدم الباحثون عينات دم وبيانات من مشاركين في دراستين سابقتين: دراسة الوقاية من السرطان الثانية (الفوج الغذائي -CPS-II NC) التابعة لجمعية السرطان الأمريكية، وبنك يانوس للسيروم (Janus Serum Bank) التابع للسجل النرويجي للسرطان.
وجد الباحثون أن المصابين بالورم الدبقي كانوا أكثر عرضة من غيرهم لوجود أجسام مضادة لطفيلي T. gondii في دمهم. وأظهرت نتائج دراسة يانوس أن خطر الإصابة بالورم الأرومي الدبقي يزداد مع ارتفاع مستويات هذه الأجسام المضادة، ما يشير إلى علاقة محتملة بين درجة التعرض وزيادة الخطر.
لكن الارتباط لم يكن ذا دلالة إحصائية لكل جسم مضاد اختُبر، ولا لكل نوع فرعي من الورم الدبقي.
وأشار المؤلفون إلى أن هذه أول دراسة استباقية (أي تسبق التشخيص) تُبلغ عن وجود ارتباط بين التعرض لطفيلي T. gondii وتطور الورم الدبقي، ما يستبعد احتمال أن يكون الارتباط ناتجًا عن السرطان نفسه.
إمكانية الوقاية
نظرًا لأن معظم عوامل خطر الإصابة بالأورام الدبقية غير قابلة للتعديل (مثل الجنس، والعرق، والعمر، والطول)، فإن تحديد عامل خطر محتمل يمكن تجنبه (مثل طفيلي التوكسوبلازما) يُعد خطوة مهمة.
وخلص الباحثون إلى أنه إذا أكدت دراسات أخرى هذه النتائج، فإن:
«تقليل التعرض لهذا العامل الممرض الشائع المنقول بالغذاء قد يقدم أول فرصة ملموسة للوقاية من هذا الورم الدماغي شديد العدوانية».
آراء الخبراء والحاجة إلى مزيد من البحث
بحسب عالم الطفيليات في جامعة سالفورد بالمملكة المتحدة جيف هايد، من المرجّح أن يؤدي تقليل التعرض لطفيلي T. gondii إلى الوقاية من بعض الأورام الدبقية، ربما لأن الجهاز المناعي يكون أقل إجهادًا. ولم يشارك هايد في هذه الدراسة، لكنه شارك سابقًا في دراسة عام 2019 نُشرت في مجلة ERJ Open Research، وأبلغت عن ارتباط بين وجود أجسام مضادة للطفيلي وسرطان الرئة.
قال الدكتور كريغ هوربنسكي بوصفه متخصص أمراض الأعصاب في كلية الطب بجامعة نورث وسترن فاينبرغ في شيكاغو:
«تقترح هذه الدراسة وجود ارتباط بين التعرض لطفيلي Toxoplasma gondii وزيادة خطر الإصابة بالورم الدبقي … إذا كان هذا الارتباط حقيقيًا، فإن منع التعرض قد يقلل من خطر الإصابة بهذه السرطانات القاتلة عادةً».
لكن كلًا من هوربنسكي ومؤلفي الدراسة أكدوا الحاجة إلى المزيد من البيانات لتحديد ما إذا كان هذا الارتباط حقيقيًا. وختم هوربنسكي قائلًا:
«البيانات مثيرة للاهتمام، لكنها غير كافية لاستخلاص استنتاجات قاطعة … في المستقبل، يجب إجراء دراسات إضافية على مجموعات سكانية أكبر تشمل المزيد من حالات الورم الدبقي؛ فهذه هي الطريقة الوحيدة لحل هذا الجدل».
اقرأ أيضًا:
داء المقوسات (داء القطط) .. رسالة لمقتني القطط
كيف يؤثر طفيلي داء القطط على سلوك الأشخاص المصابين ؟
ترجمة: حسين الحسين
تدقيق: يامن صالح
مراجعة: محمد حسان عجك