بهدف فك رموز الكون المبكر.. كاشف جسميات جديد يجتاز الاختبارات القياسية
اجتاز كاشف جسيمات جديد قوي اختبارًا حاسمًا في مسعاه لفك شيفرة مكونات الكون في مراحله الأولى.
يُعد مرصد (sPHENIX) أحدث التجارب في مصادم الأيونات الثقيلة النسبي بمختبر بروكهافن الوطني، وهو مصمم لقياس نواتج تصادم الجزيئات عالية السرعة بدقة. ويأمل العلماء من خلال هذه النتائج، إعادة بناء خصائص بلازما الكوارك-غلوون (QGP)، وهي خليط فائق الحرارة من الجسيمات دون الذرية المعروفة بالكواركات والغلوونات، يُعتقد أنها تكونت في غضون ميكروثوانٍ قليلة بعد الانفجار العظيم. وبسرعة مماثلة، اختفت هذه البلازما الغامضة، مبردة ومتجمعة لتشكّل البروتونات والنيوترونات، التي تشكّل المادة العادية التي نعرفها اليوم.
أجرى اليوم مرصد sPHENIX قياسًا أساسيًا أثبت امتلاكه الدقة المطلوبة لإعادة بناء وفهم الخصائص الأولية لبلازما الكوارك-غلوون.
في ورقة نشرت في مجلة الفيزياء عالية الطاقة، أفاد العلماء أن مرصد sPHENIX تمكن من قياس دقيق لعدد وطاقة الجسيمات التي انطلقت من أيونات الذهب التي تصادمت تقريبًا بسرعة الضوء.
يُعد هذا الاختبار في الفيزياء (الشمعة القياسية)، أي أن القياس يمثل ثابتًا معروفًا جيدًا يمكن استخدامه لتقييم دقة المرصد.
نجح مرصد sPHENIX في قياس عدد الجسيمات المشحونة الناتجة عند تصادم أيوني ذهب، وتحديد كيف يتغير هذا العدد عند التصادم المباشر للأيونات مقارنةً بالتصادم الجانبي. أظهرت قياسات المرصد أن التصادمات المباشرة أنتجت عشرة أضعاف عدد الجسيمات المشحونة، وكانت طاقتها أيضًا أكبر بعشرة أضعاف مقارنة بالتصادمات الأقل مباشرة.
«هذا يشير إلى أن المرصد يعمل كما ينبغي. يشبه الأمر إرسال تلسكوب جديد إلى الفضاء بعد عشر سنوات من بنائه، والتقاط أول صورة له. قد لا تكون الصورة لشيء غير مسبوق تمامًا، لكنها تثبت أنه أصبح جاهزًا لبدء كشوفات علمية جديدة».
«بفضل هذا الأساس القوي، يتمتع sPHENIX بالقدرة على تعزيز دراسة بلازما الكوارك-غلوون بدقة أكبر ووضوح أفضل. ستساعدنا دراسة تطور وبنية وخصائص QGP، في إعادة بناء ظروف الكون المبكر».
جميع مؤلفي الورقة هم أعضاء في تعاون sPHENIX، الذي يضم أكثر من 300 عالم من مؤسسات مختلفة حول العالم، منهم فيزيائيون من مركز Bates للأبحاث والهندسة في MIT.
صُممت مسرعات الجسيمات مثل RHIC في بروكهافن لتسريع الجسيمات بسرعات نسبية، أي قريبة من سرعة الضوء. عندما تتحرك هذه الجسيمات في حزم متعاكسة وتُعاد لتصطدم، يمكن لأي تصادم أن يطلق كمية هائلة من الطاقة. في الظروف المناسبة، قد توجد هذه الطاقة لفترة قصيرة جدًا في شكل بلازما الكوارك-غلوون، المادة ذاتها التي انبثقت من الانفجار العظيم.
كما في الكون المبكر، لا تدوم بلازما الكوارك-غلوون طويلًا في مسرعات الجسيمات. إذا أنتجت تلك البلازما، فإنها تستمر فقط مدة 10 أس^-22 ثانية تقريبًا، أي جزء من تريليون من التريليون من الثانية. في هذه اللحظة، تكون البلازما شديدة الحرارة، تصل إلى تريليونات الدرجات المئوية، وتتصرّف سائلًا مثاليًا، يتحرك وحدةً واحدة بدلًا من مجموعة جسيمات عشوائية. بعد لحظات، يختفي هذا السلوك الغريب، وتبرد البلازما وتتحول إلى جسيمات عادية مثل البروتونات والنيوترونات، التي تتدفق من مكان التصادم.
«لن ترى بلازما كوارك غلون ذاتها أبدًا، بل ترى آثارها، في صورة الجسيمات الناتجة من تحللها. مع sPHENIX، نريد قياس هذه الجسيمات لإعادة بناء خصائص البلازما، التي تختفي في لحظة».
مرصد sPHENIX هو الجيل الجديد من تجربة PHENIX الأصلية في بروكهافن، التي كانت تقيس تصادمات الأيونات الثقيلة التي ينتجها RHIC. في 2021، تم تركيب sPHENIX بدلًا من سابقه، نسخةً أسرع وأقوى، مصممة للكشف عن العلامات الدقيقة والزائلة لبلازما الكوارك-غلوون.
المرصد نفسه بحجم منزل مكوّن من طابقين ويزن 1000 طن. يقع عند تقاطع الحزمتين الرئيسيتين للمصادم، حيث تلتقي الجسيمات النسبية المسرّعة من اتجاهين متعاكسين لتتصادم، منتجة جسيمات تنطلق نحو المرصد. يستطيع sPHENIX رصد وقياس 15,000 تصادم للجسيمات في الثانية، بفضل مكوناته المبتكرة متعددة الطبقات، متضمنةً مايكرو-فيرتكس، جهاز فرعي صممه علماء من مركز Bates للأبحاث والهندسة.
تمكّن أنظمة المرصد sPHENIX عمل كاميرا ثلاثية الأبعاد عملاقة تتعقب عدد الجسيمات وطاقتها ومساراتها خلال انفجار الجسيمات الناتج من تصادم واحد.
«يستفيد sPHENIX من التطورات في تكنولوجيا المراصد منذ تشغيل RHIC قبل 25 عامًا، لجمع البيانات بأسرع معدل ممكن. هذا يسمح لنا باستكشاف العمليات النادرة للغاية لأول مرة».
في خريف 2024، أجريت على المرصد تجربة الشمعة القياسية لتقييم سرعته ودقته. على مدى ثلاثة أسابيع، جمع العلماء بيانات من sPHENIX في أثناء تسريع المصادم وتصادم حزم أيونات الذهب بسرعة الضوء. أظهر تحليل البيانات أن sPHENIX قاس بدقة عدد الجسيمات المشحونة الناتجة من تصادم أيونات الذهب. كان المرصد حساسًا لشدة التصادم المباشر، وبيّن أن التصادمات المباشرة أنتجت جسيمات أكثر وطاقة أكبر مقارنةً بالتصادمات الأقل مباشرة.
المصادر:
الكاتب
أمير المريمي

ترجمة
أمير المريمي
