فرامل الجهاز المناعي: جائزة نوبل في الطب والفيزيولوجيا لعام 2025

7 أكتوبر 2025
237 مشاهدة
1 اعجاب

فرامل الجهاز المناعي: جائزة نوبل في الطب والفيزيولوجيا لعام 2025


يُعدّ الجهاز المناعي منظومة دفاعية دقيقة تحمينا من آلاف الفيروسات والبكتيريا يوميًا، لكنه يحتاج إلى ضبطٍ محكم كي لا يتحوّل إلى قوةٍ مدمّرة تهاجم أنسجة الجسم ذاته.


منحت جائزة نوبل في الفسيولوجيا أو الطب لعام 2025 لكل من شيمون ساكاغوتشي وماري إي. برانكو وفريد رامسديل، لاكتشافاتهم التي كشفت آلية التحمّل المناعي المحيطي: النظام الذي يُبقي جهاز المناعة تحت السيطرة.


أرست هذه الاكتشافات أساسًا لمجال بحثي جديد، وأسهمت في تطوير علاجات مبتكرة لأمراض المناعة الذاتية والسرطان، بل وأعطت الأمل في الوقاية من مضاعفات زرع الأعضاء والخلايا الجذعية.



كيف يفرّق الجسم بين الصديق والعدو؟


تعتمد الخلايا التائية، وهي جنود خط دفاع المناعة الرئيسية، على بروتينات سطحية تُعرف باسم مستقبلات الخلايا التائية (TCR)، تعمل مستشعراتٍ تتعرّف إلى مسببات الأمراض. وبفضل التنوع الهائل في هذه المستقبلات، الذي يتجاوز نظريًا 10¹⁵ نوعًا، يستطيع الجهاز المناعي التعرّف على أي غازٍ جديد تقريبًا.


لكن هذا التنوع يحمل خطرًا؛ إذ يمكن بعض المستقبلات أن تتعرّف إلى أنسجة الجسم نفسها. لحل هذه المعضلة، تمر الخلايا التائية بمرحلة انتقاء صارمة داخل الغدة الزعترية تُعرف باسم التحمّل المناعي المركزي، تُستبعَد فيها الخلايا التي تستهدف الجسم. ومع ذلك، يفلت بعضها أحيانًا من هذا الفحص، ما يستدعي وجود نظامٍ ثانٍ يعمل خارج الغدة، هو التحمّل المناعي المحيطي.



بحث ساكاغوتشي عن "حُراس الأمن"


في ثمانينيات القرن الماضي، لاحظ الباحث الياباني شيمون ساكاغوتشي ظاهرةً غريبة: عندما أُزيلت الغدة الزعترية من فئرانٍ حديثة الولادة، هاجم جهازها المناعي أنسجتها الخاصة، ما سبب أمراض مناعة ذاتية.


وفي تجارب لاحقة، استطاع ساكاغوتشي حماية هذه الفئران بحقن خلايا تائية ناضجة من فئران أخرى. قاده ذلك إلى استنتاج أن هناك نوعًا خاصًا من الخلايا التائية يعمل مثل فرامل للجهاز المناعي.


وبعد سنوات من البحث، اكتشف في عام 1995 فئة جديدة من الخلايا التائية تحمل على سطحها البروتينين CD4 وCD25، أطلق عليها اسم الخلايا التائية المنظِّمة. كانت هذه الخلايا قادرة على كبح الاستجابات المناعية المفرطة ومنع مهاجمة الجسم لنفسه.


رغم الشكوك التي واجهها، أكد ساكاغوتشي أن هذه الخلايا تشكّل طبقة حماية حيوية. ومع مرور الوقت، أثبتت الأبحاث المستقلة صحتها، لكن اللغز الجزيئي لآلية عملها ظل غامضًا.



طفرة في الفئران تكشف اللغز:


في الأربعينيات، لاحظ باحثون في مختبر أوك ريدج بولاية تينيسي فئرانًا غريبة وُلدت بجلدٍ متقشّر وأعضاء متضخّمة، وماتت سريعًا. سُمّيت هذه السلالة فئران سكورفي. لاحقًا، اكتُشف أن المرض مرتبط بطفرة على الكروموسوم إكس تؤدي إلى اضطراب مناعي حاد.


ومع تطور علم الوراثة في التسعينيات، درس الباحثان ماري برانكو وفريد رامسديل هذه الفئران في شركة سيلتيك شيروساينس للتكنولوجيا الحيوية، معتقدين أن فهم المرض قد يفسّر أمراض المناعة الذاتية البشرية. وبعد سنوات من العمل المضني، تمكّنا من تحديد الجين المسبّب للمرض، وأطلقا عليه اسم Foxp3، أحد جينات صندوق فوركهيد Forkhead Box التي تنظّم نشاط جينات أخرى.


لاحظ كل من رامسديل وبرانكو تشابهًا بين مرض الفئران هذا ومرضٍ بشري نادر يُدعى IPEX يصيب الأولاد ويؤدي إلى التهابات مميتة في أعضاء الجسم. وبفحص عينات من مرضى IPEX، اكتشفا طفرات في الجين البشري المناظر FOXP3.


في عام 2001، نشرا نتائجهما في مجلة ناتشر جينتكس مؤكدَين أن الخلل في FOXP3 مسؤول عن المرض في كلٍّ من الفئران والبشر. وعندما قارن الباحثون النتائج باكتشاف ساكاغوتشي السابق، تبيّن أن FOXP3 هو الجين المنظّم لتطوّر الخلايا التائية المنظِّمة.



الخلايا التائية المنظِّمة: فرامل المناعة:


أثبت ساكاغوتشي وزملاؤه في عام 2003 أن جين FOXP3 ضروري لتكوين الخلايا التائية المنظِّمة ووظيفتها. تعمل هذه الخلايا "حُراس الأمن" في الجسم؛ فهي تمنع الخلايا التائية الأخرى من مهاجمة الأنسجة السليمة، وتعيد التوازن للجهاز المناعي بعد انتهاء العدوى.


يُعرف هذا الدور باسم التحمّل المناعي المحيطي، وهو ضروري لبقاء الجسم بصحةٍ سليمة. فعندما تختل وظيفة هذه الخلايا، تنشأ أمراض المناعة الذاتية مثل السكري من النوع الأول أو التهاب المفاصل الروماتويدي.


أدت هذه الاكتشافات إلى ثورة في فهم أمراض المناعة والسرطان. فقد أظهرت دراسات الأورام أن بعض السرطانات تجتذب أعدادًا كبيرة من الخلايا التائية المنظِّمة لحماية نفسها من الهجوم المناعي، لذا يعمل الباحثون الآن على تعطيل هذا "الدرع الواقي" لتمكين الجهاز المناعي من مهاجمة الورم.


وفي المقابل، يسعى العلماء في أمراض المناعة الذاتية إلى تعزيز نشاط هذه الخلايا للحد من فرط المناعة. تُختبر حاليًا علاجات تعتمد على الإنترلوكين-2 لتحفيز نمو الخلايا التائية المنظِّمة، وأخرى تعتمد على عزلها وتكثيرها في المختبر ثم إعادتها إلى المريض لزيادة قدرتها التنظيمية. ويجري أيضًا تطوير نسخٍ معدَّلة منها موجَّهة لحماية أعضاء مزروعة مثل الكبد أو الكلى من رفض المناعة.


وعن طريق اكتشافاتهم الثورية، قدّمت ماري برانكو وفريد رامسديل وشيمون ساكاغوتشي أساسًا معرفيًا لفهم كيفية تنظيم الجهاز المناعي وإبقائه تحت السيطرة، وهكذا قدّموا أعظم فائدة للبشرية.



المصادر:


الكاتب

موقع أنا أصدق العلم

موقع أنا أصدق العلم



مقالات مختارة

إقرأ المزيد

لا يوجد مقالات مرتبطة