نجح العلماء في حل لغز استمر لعقود من الزمن حول إمكانية احتجاز الضوء بفاعلية في غابة ثلاثية الأبعاد من الجسيمات المجهرية.

باستخدام طريقة جديدة لضغط مجموعات ضخمة في نموذج لتفاعلات الجسيمات، كشف فريق من علماء الفيزياء في الولايات المتحدة وفرنسا عن الظروف التي يمكن في ظلها إيقاف موجة من الضوء باستخدام تشوهات من النوع الصحيح للمواد، يُعرف باسم تمركز أندرسون الضوئي، على اسم عالم الفيزياء النظرية الأمريكي فيليب أندرسون، يمكن فيه أن تصبح الإلكترونات محاصرة ومتمركزة في مواد مبعثرة ذات تشوهات موزعة عشوائيًا.

كان اقتراح هذا النموذج في عام 1958 لحظة مهمة في فيزياء المادة المكثفة المعاصرة، إذ طُبِّق على ميكانيكا الكم وكذلك الميكانيكا الكلاسيكية.

في العالم الكلاسيكي نتخيل جسيمًا يشبه النقطة يرتد ببساطة مثل الكرة في لعبة pinball عبر متاهة حيث تتبعثر بسبب التشوهات، ولكن الهوية الكمومية للجسيم الشبيهة بالموجة تزداد فوضوية، ما يجبر الإلكترون على التوقف ويجعل المادة عازلةً.

يبدو أن ثمة شيء مشابه يحدث لأن الموجات الكهرومغناطيسية تخلق الضوء بواسطة بعض المواد، على الأقل في بعد واحد أو بعدين. فحتى الآن، لم يتمكن أحد من معرفة ما إذا كانت الفيزياء تتخذ أبعادًا ثلاثية.

أخيرًا، أدى التقدم في برامج الحساب والمحاكاة العددية إلى حل اللغز، إذ تقول عالمة الفيزياء التطبيقية والمهندسة الكهربائية هوي كاو من جامعة يالي في كونيتيكت: «لم نتمكن من محاكاة أنظمة كبيرة ثلاثية الأبعاد لأننا لا نمتلك ما يكفي من التقدم في الحوسبة والذاكرة. كان الناس يجربون طرقًا عددية مختلفة. لكن لم يكن من الممكن محاكاة مثل هذا النظام الكبير لإظهار ما إذا كان هناك تمركز أم لا».

باستخدام أداة جديدة تسمى FDTD Software Tidy3D، تمكنت كاو وزملاؤها من إجراء حسابات تستغرق عادةً أيامًا في ثلاثين دقيقة فقط، ما أدى إلى تسريع عملية المحاكاة.

تستخدم الأداة نسخة محسّنة من خوارزمية المجال الزمني للفرق المحدود (FDTD)، تقسم المساحات إلى شبكات وتحل المعادلات عند كل نقطة شبكية.

مكّن البرنامج أيضًا اختبار مكونات وأحجام ومعايير هيكلية مختلفة للنظام.

أظهرت نتائج المحاكاة العددية التي حصل عليها الباحثون خلوها من الأدوات التي كانت إشكالية في الدراسات السابقة.

ما اكتشفه الباحثون هو أنه لا يمكن حصر الضوء ثلاثي الأبعاد في مواد غير موصلة (عازلة) مثل الزجاج أو السيليكون، وهو ما قد يفسر سبب حيرة العلماء فترة طويلة. ومع ذلك، ظهر دليل رقمي واضح على تمركز أندرسون الضوئي ثلاثي الأبعاد في عبوات عشوائية من النطاقات المعدنية الموصلة.

تقول كاو: «عندما رأينا تمركز أندرسون الضوئي في المحاكاة العددية، شعرنا بسعادة غامرة. كان أمرًا لا يصدق، مع الأخذ في الاعتبار أن المجتمع العلمي سعى لفترة طويلة للوصول إلى هذه النتيجة».

تعطي النتائج فكرة أفضل عن مكان توجيه أبحاث العلماء في المستقبل، وفهمًا أكبر لكيفية حدوث تمركز أندرسون الضوئي ثلاثي الأبعاد في أنواع مختلفة من المواد.

سيراقب جزء من هذا الجهد البحثي التأثير تجريبيًا، وهو الدليل الذي ظل حتى الآن بعيد المنال.

اقترحت كاو وزملاؤها تجربة واحدة محتملة يقولون إنها ستتجنب المخاطر التجريبية السابقة، التي يأملون أنها علامة منبهة لتمركز أندرسون الضوئي.

علاوة على ذلك، تتضمن بعض المجالات التي سيكون فيها هذا الاكتشاف مهمًا تطوير مستشعرات الضوء وبناء أنظمة تحويل الطاقة وتخزينها.

في الوقت الحالي، نعلم أن تمركز أندرسون الضوئي يمكن أن يعمل في ثلاثة أبعاد، بعد حوالي 65 عامًا من تخيله لأول مرة.

تقول كاو: «يمكن لحصر الضوء ثلاثي الأبعاد في المعادن المسامية أن يعزز اللاخطية البصرية وتفاعلات المادة الضوئية والتحكم في الليزر العشوائي وكذلك عزل الطاقة المستهدفة. لذلك نتوقع أن توجد الكثير من التطبيقات لهذا الاكتشاف».

اقرأ أيضًا:

علماء في ألمانيا ينجحون في إيقاف الضوء لمدة دقيقة

كيف استطاع العلماء إيقاف الضوء لمدة دقيقة؟

ترجمة:حنا مسيكه

تدقيق: جعفر الجزيري

المصدر